مصر تتمزق و تتشقق و تتفتت و تنسلخ من نفسها و لا حياة لمن تنادي , كل يوم تزداد الانقسامات و الائتلافات و تتكون المجاميع و التجمعات دون أي اهتمام بالمريض الذي هب كل هؤلاء لعلاجه و دون الاهتمام بالمصابة التي يسعون لتضميد جراحها دون الاهتمام بصر , كلهم يدعون القلق و الهم عليها و الحزن و الكمد لحالها ولكن دون أن يأخذوها في اعتبارهم أو يضعوها في حساباتهم , كلهم يعرفون العلاج و الدواء و لكن بطريقتهم الخاصة ودون تشاور بينهم البعض فكل جهبذ منهم يرى انه الفذ الذي لا يوجد مثله و لن يقدر على فعل هذه المهمة المستحيلة احد غيره و مصر كل يوم تشهد حالة جديدة من الانقسام و الانشقاق و الانفصال و التحزب و التجزؤ و التفتت و انفراط العقد يضاف إلى المخزون السابق الذي تزخر به مخازن مصر على مر التاريخ فمن صعيديين و فلاحين و من مسلمين ومسيحيين و من أهلاويه و زملكاويه و من أخوان و أحزاب و إلى الكثير و الكثير و الكثير من الانشقاقات و الانقسامات التي سعى لها حكام الأمس يضيف لها ثوار اليوم الانشقاقات و الانقسامات الخاصة بهم و كأنهم يثبتون حضورهم القوي في قيادة مصر في هذه المرحلة التاريخية , أما اجدد و أعنف و اخطر هذه الانقسامات و اكثرها حساسية و تأثير على مستقبل البلد و المنطقة بالكامل هو انقسام موسى و البردعي و الذي يدار بنفس الطريقة التي تدار بها كل الانقسامات التاريخية في مصر و بنفس الاستراتيجية و التكتيك فتجد في البداية إطلاق النكت التي تهين كرامة كلا الطرفين مثل ما يفعلها الصعيدين و الفلاحين و كما يمارسها الاهلاوية و الزملكاوية بكل بشاشة و هم يبتسمون لأهانتهم كارمة الأخر مما يعود عليهم بإهانة أنفسهم ثم يتحول الأمر من النكت إلى التقليل و الحط من شأن المنافس بدون أي اعتبار لمراكز قوته الحقيقية و قدراته الفعلية أو تعقل أو أهتمام بقدر و منزلة هذا المنافس و تستمر التحركات و الخطوات في سبيل النيل من المنافس دون أي حسابات أو تفكير و إذا نظرنا إلى ما يسعى إليه هؤلاء المتنافسين سنجد انه مصلحة مصر في الأساس و لا يتسع مثل هذا المجال للمنافسه التخوين و التشويه أبداً فكلا الطرفين له من المميزات و العيوب التي تكون شخصيته و ترجح كافته أو تخل بها و كلا الشخصيتين على النقيض التام من الآخر و مصر تحتاج لهم معاً و لا تحتاج إلى واحد بمفرده منهم فموسى يمثل التاريخ و العراقة و الأصول المصرية الشرقية البحتة بينما يمثل البردعي الحداثة و التطور و " الريتم " الغربي السريع الجاد و كلا الشخصيتين مطلوب في المرحلة الحرجة الحالية من تاريخ البلد كما أن موسى يتمتع بخبرة كبيرة و احتكاك من الداخل بمساوئ النظام الذي عانا منه و أسخنه كثرة الاصطدام به حتى تم تهميشه و أستبعاده و تحديد صلاحياته و " ركنه على الرف "إذا جاز التعبير و قد يرى موسى انه اجدر الناس بحماية البلاد من تكرار مثل هذه المساوئ و تجنبها لدرايته التامة بها بينما البردعي تميز بمتابعة مساوئ النظام من الخارج و رؤية تأثيرها على الوطن من منظور عالمي و احتكاكه بالنظام كان من الخارج و كان أعنف من احتكاك موسى بكثير لانه كان في الاتجاه المضاد العلني و قد عانا من النظام بشكل مختلف و أكثر حده أيضاً و قد يرى البردعي انه الأكثر ائتماناً على الوطن في هذه المرحلة و هو الأكثر ضماناً لعدم عودة هذا الغباء المحكم الذي غلف النظام لانه لم يتلوث به و لم ينشئ داخل أروقته و لا يتعارض الطرفين بهذا أيضاً مع مصلحة مصر بل إن مصر تحتاج كليهما و خبرتهما الداخلية و الخارجية و من ناحية أخرى فأننا أذا تابعنا شخصية الطرفين و رؤيتهما للمنصب فأننا نجد إن موسى ينظر إلى المنصب بإجلال و تعظيم و يرى انه شرف يستحق السعي له و محاولة نيله لتتويج مشواره الحافل و هذا على خلفية حياته داخل النظام الذي كان قد هيأ الجميع و اعدهم إن هذا المنصب " للكبار فقط " و لا يباع لأصغر من " 18 سنة " وهي أيضاً نظرة كل مصري عايش المرحلة الماضية بينما البردعي ينظر للمنصب بشكل عادي جداً و تلقائي و يعتبره بند هام في سيرته الذاتية إذا استطاع الوصول إليه و أنه سيثري مشواره به و سيساعده على استكمال حياته بنجاح بعد الانتهاء منه وهذا أيضاً على خلفية تعامل البردعي مع الغرب الذي ينظر إلى هذه المناصب على كونها مجرد خطوة و بعيد عن هذا وذاك فأن الانتقادات الموجهة لكل طرف منهما من أنصار الأخر لا يمكن الأخذ بها في الاعتبار فاتهامهم لموسى بأنه عميل للنظام و أنه الورقة الأخيرة التي يراهن النظام البائد عليه لا يمكن الأخذ به مطلقاً فموسى من اللمحات المضيئة النادرة في الفترة المظلمة المنقضية و سواء كان رئيس لمصر أو لم يكن فسيظل التاريخ يذكره كأحد اهم الرجال الشرفاء خلال هذه المرحلة الخبيثة في تاريخ الوطن أما انتقادهم له على سلبيته خلال مرحلة جامعة الدول العربية فلا يعتد به من الأساس فموسى مجرد سكرتير للجامعه مهما كان هذا المنصب رفيع و حساس فهو ملتزم بتحركات الدول الأعضاء التي يرسى لحالها و لا يتسع المجال هنا للحديث عنها أما البردعي فكل الاتهامات الموجهة له بالعمالة لأمريكا و إسرائيل هي نابعة من النظام المنتهي نفسه كان يروج لها للحد من شعبية البردعي كما استخدمها مع الدكتور زويل أيضاً أما منتقديه على سقطاته خلال رئاسة وكالة الطاقة الذرية فيمكن الرد عليها بنفس أسلوب الرد على متهمي موسى بالتخاذل في جامعة الدول فقد كان البردعي يتحدى إرادة دولة عظمى لم يستطع العالم اجمع أن يردعها عن ما كانت تنوي فعله و سيظل البردعي في التاريخ المصري علامة بارزة لكونه استطاع الوصول إلى هذه المرتبة العالية في واحدة من اهم الوكالات العالمية في الوقت الذي عانا منه المصريين لتحجيم لأدوارهم الدولية و العالمية و في النهاية اطرح هذا التساؤل. لماذا لا يتحالف موسى و البردعي ؟؟؟ لماذا لا يفكر كلاهما في توحيد الصف و لماذا لا يفكر كلاهما في النتائج و المكاسب التي ستعود على مصر في المقام الأول و عليهما بالتباعية . إن أمامهم فرصة ذهبية لدخول التاريخ من أوسع أبوابه و حفر اسميهما بحروف من نور في تاريخ هذا البلد العظيم , لماذا لا يفكروا في تكوين تحالف يكون فيه موسى رئيس و البردعي رئيس وزراء أو يكون فيه البردعي رئيس و موسى رئيس وزراء ؟؟ و هل يتخيل كلاهما مدى الوحدة الوطنية و التماسك الذي سيعود على البلاد من وراء تحالف بهذه القوة ؟؟ و كيف سيصفي هذا التحالف الشوائب من حول نواياهم الصافية و سيضع من ينقلب عليه في مأزق غير مبرر أو مفسر ؟؟ إن التئام الحشود المحبة و المؤيدة لكلا الشخصيتين على اختلاف توجهاتهما قادر على تكوين جبهة مصرية موحدة قوية لا تنهار و لا تقبل العبث و التلاعب و تملك القدرة على عبور المرحلة الحالية بمنتهى الصلابة و الصمود كما تملك القدرة على تأسيس دولة قوية خلال الفترة الرئاسية الأولى القادمة تجمع بين مختلف الفئات و التوجهات إن كثير من المغرضين لا يتمنوا وجود تحالف بهذا الشكل و لا يطيقوا سماع الحديث عنه و ستجدهم يتساءلون عن سبب وضع اسم موسى في العنوان قبل اسم البردعي و يسترسلوا في تفسير مصلحتي من وراء مقال كهذا و إلى أي جانب انتمي و إلى أي جانب انحاز و ما هي الاستفادة العائدة علي من جراء مثل هذا التحالف و أنا أقول لمصر و ليس لأحد أخر أحبك و احب الخير لكي و لمستقبلك و قد خطر لي هذا التفكير في لحظة كنت أحاول فيها أن أجد مخرج للأزمة الطاحنة التي تمري بها على مقدار تفكيري و ذكائي المتواضع و لا أجد إلا أن أقول انت الغاية و الهدف و الله من وراء القصد