رئيس جامعة عين شمس يتفقد سير الامتحانات بكليات الآداب والحقوق والعلوم    دعوة خبراء أجانب للمشاركة في أعمال المؤتمر العام السادس ل«الصحفيين»    افتتاح المقر الرئيسي لبنك أبوظبي التجاري مصر بالقاهرة الجديدة    نقيب الفلاحين يكشف أسباب انخفاض سعر البصل    نائب: بدء حوار مجتمعي بشأن قانون الإيجار القديم بعد وصوله للبرلمان (فيديو)    رويترز عن التلفزيون الإيراني: فرق الإنقاذ عثرت على مروحية الرئيس الإيراني المحطمة    بايدن يشجب الأزمة الإنسانية في غزة ويؤكد العمل على مدار الساعة لإيصال المساعدات    اقرأ غدًا في «البوابة».. المأساة مستمرة.. نزوح 800 ألف فلسطينى من رفح    إنريكي يحرم مبابي من المشاركة الأخيرة بالدوري الفرنسي    رئيس اللجنة البارالمبية: نشكر لجنة الساق الواحدة لمجهوداتهم في كأس الأمم الأفريقية    مدينتي تطلق الحدث الرياضي "Fly over Madinaty" لهواة القفز بالمظلات    دورات تدريبية وشهادات مزورة.. كواليس مداهمة أكاديمية وهمية بالإسكندرية    بالبوستر الرسمي.. محمد إمام يشوق جمهوره لفيلم "اللعب مع العيال"    التليفزيون الإيرانى يعلن الاتصال بأحد ركاب مروحية إبراهيم رئيسى وفرد من الطاقم    كيف هنأت مي عمر شقيقة زوجها ريم بعد زفافها ب48 ساعة؟ (صور)    متحف «طه حسين».. تراث عميد الأدب العربي    أفلام مهرجان كان استحسان واستهجان.. كوبولا يثير انقسام النقاد في أحدث أعماله    داعية: القرآن أوضح الكثير من المعاملات ومنها في العلاقات الإنسانية وعمار المنازل    مستشار الرئيس للصحة يكشف آخر تطورات متحور كورونا الجديد    السائق أوقع بهما.. حبس خادمتين بتهمة سرقة ذهب غادة عبد الرازق    هل يستطيع أبو تريكة العودة لمصر بعد قرار النقض؟ عدلي حسين يجيب    ختام ملتقى الأقصر الدولي في دورته السابعة بمشاركة 20 فنانًا    حزب الريادة: مصر كانت لها اليد العليا فى دعم أهالي غزة وإدخال المساعدات لهم    مدير بطولة أفريقيا للساق الواحدة: مصر تقدم بطولة قوية ونستهدف تنظيم كأس العالم    ليفاندوفسكى يقود هجوم برشلونة أمام رايو فاليكانو فى الدوري الإسباني    الرعاية الصحية: 5 ملايين مستفيد من التأمين الصحي الشامل بمحافظات المرحلة الأولى    جامعة حلوان تنظم قوافل طبية توعوية بمناطق الإسكان الاجتماعي بمدينة 15 مايو    «نيويورك تايمز»: هجوم روسيا في منطقة خاركوف وضع أوكرانيا في موقف صعب    رسائل المسرح للجمهور في عرض "حواديتنا" لفرقة قصر ثقافة العريش    أبرزهم «اللبن الرائب».. 4 مشروبات لتبريد الجسم في ظل ارتفاع درجات الحرارة    نائب رئيس جامعة الأزهر يتفقد امتحانات الدراسات العليا بقطاع كليات الطب    دار الإفتاء توضح ما يقال من الذكر والدعاء في الحرّ الشديد.. تعرف عليه    هل يجوز الحج أو العمرة بالأمول المودعة بالبنوك؟.. أمينة الفتوى تُجيب    بنك مصر يطرح ودائع جديدة بسعر فائدة يصل إلى 22% | تفاصيل    افتتاح أولى دورات الحاسب الآلي للأطفال بمكتبة مصر العامة بدمنهور.. صور    نهائي الكونفدرالية.. توافد جماهيري على استاد القاهرة لمساندة الزمالك    بايرن ميونيخ يعلن رحيل الثنائي الإفريقي    "أهلًا بالعيد".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 فلكيًا في مصر وموعد وقفة عرفات    مصرع شخص غرقًا في ترعة بالأقصر    «الجوازات» تقدم تسهيلات وخدمات مميزة لكبار السن وذوي الاحتياجات    رئيس «قضايا الدولة» ومحافظ الإسماعيلية يضعان حجر الأساس لمقر الهيئة الجديد بالمحافظة    منها مزاملة صلاح.. 3 وجهات محتملة ل عمر مرموش بعد الرحيل عن فرانكفورت    أزمة الدولار لا تتوقف بزمن السفيه .. مليارات عيال زايد والسعودية وصندوق النقد تتبخر على صخرة السيسي    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    10 نصائح للطلاب تساعدهم على تحصيل العلم واستثمار الوقت    إصابة 4 أشخاص في مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" في زيارة إلى مدينة العلمين الجديدة    وزير العمل: لم يتم إدراج مصر على "القائمة السوداء" لعام 2024    أول صور التقطها القمر الصناعي المصري للعاصمة الإدارية وقناة السويس والأهرامات    «الرعاية الصحية»: طفرة غير مسبوقة في منظومة التأمين الطبي الشامل    حجازي يشارك في فعاليات المُنتدى العالمي للتعليم 2024 بلندن    مدينة مصر توقع عقد رعاية أبطال فريق الماسترز لكرة اليد    ضبط 100 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق فى المنيا    ياسين مرياح: خبرة الترجى تمنحه فرصة خطف لقب أبطال أفريقيا أمام الأهلى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    سعر السكر اليوم.. الكيلو ب12.60 جنيه في «التموين»    ولي العهد السعودي يبحث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي الأوضاع في غزة    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أهالى وسماسرة يستغلون قانون الهجرة الإيطالى لتهريب أطفال مصريين
نشر في المصري اليوم يوم 24 - 06 - 2014

عادل ومحمد يهيمان الآن على وجهيهما فى شوارع إيطاليا وأزقتها أو فى مراكز إيواء، إلى جانب قرابة خمسة آلاف فتى مصرى أرسلهم ذووهم بالتواطؤ مع سماسرة ومهربين إلى هذا البلد الأوروبى، مستغلين نصا فى قانون الطفل الإيطالى يحظر إعادة المهاجرين دون سن ال 18 إلى بلدهم الأصلى. يفاقم هذه الظاهرة غياب قانون مصرى يجرّم المهربين رغم توقيع هذا البلد بروتوكولين أمميين لمكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر. بينما تتقطع السبل بالقصّر بعيدا عن الوطن، يتلوع الأهل مرتين: حيال مصير الأبناء المجهول، وضياع حلمهم بتلقى أموال منهم. هذا ما توصل إليه معد التحقيق بعد عام من تقصّى مسارات تهريب البشر بين مصر وإيطاليا، حيث وثّق رحلات عذاب قصّر فى قراهم فى مصر أو فى دور الرعاية الخمس التى زارها فى إيطاليا؛ فى روما، ميلانو، تورينو، لودى. فمن تكتب له النجاة من الأطفال «المحمّلين» فوق مراكب التهريب، تدخله الحكومة الإيطالية مراكز إيواء حتى يبلغ سن ال18. لكن العديد منهم يهرب قبل بلوغه هذه السن أملا فى إرسال أموال لأهاليهم لتسديد ديون السفر والعمولات. ومن يصل سن الرشد فى الدار يتلقى أوراق إقامة قانونية من السلطات الإيطالية. وزارة العمل والسياسات الاجتماعية الإيطالية تفيد بأن واحدا من كل خمسة قصّر فى دور الرعاية مصرى الجنسية.
إذ بلغ عددهم 1312 من 6319 قاصرا أجنبيا؛ 22% من العدد الكلى حتى يناير 2014. أصغر المهاجرين طفل فى السادسة من عمره وجد بمفرده على أحد المراكب، وهناك فتاة وحيدة. من دار الإيواء إلى الشارع استقر المطاف بمصطفى منذ سنتين ونصف فى دار رعاية كازلينا بضواحى روما، إلى جانب 55 طفلا مصريا. «ابن عمى الأصغر منى سافر إلى إيطاليا وشجعنى. غِيرت بصراحة، وركبت البحر أكثر من مرة دون نتيجة». قبل ذلك، حاول مصطفى الوصول إلى اليونان التى ترحّل القصر «ومرتين من ليبيا وكانت لا تكتمل، ثم أخيرا من بورسعيد إلى إيطاليا قبل ثلاث سنوات»، حين كان فى الخامسة عشرة من عمره. فى إحدى المرات «ركبت مركبا طوله 12 مترا فقط، وكنا نحو 90 شخصا عاد بنا لحدوث كسر فيه، ومرة أخرى بسبب إطلاق نار علينا من مركب آخر»، على ما يستذكر. حين وصل المركب إلى إيطاليا «كشفوا علينا لتحديد السن، وكانوا ينظرون إلى أعضائنا (التناسلية) على أساس أنها المحدد للعمر». قبل «كازلينا» تنقّل مصطفى بين أكثر من دار «لكثرة مشاكلى، والآن أصبحت على حريتى أخرج وأدخل الدار وقتما أشاء». الخط البيانى لتهريب الأطفال تفاقمت مشكلة تهريب الأطفال إلى إيطاليا، بالتحديد بعد 9 يناير 2007، حين وقّعت هذه الدولة الأوروبية اتفاقية إعادة توطين مع مصر، تقضى بإعادة المهاجرين المصريين غير الشرعيين إلى مصر. فى ذلك الوقت، تنبه السماسرة إلى قانون الهجرة الإيطالى الخاص بالطفل، الذى يستثنى القصر من إعادة التسفير. ويقع العديد منهم فريسة الانحراف والجريمة واستغلال عصابات منظمة لهم.
إذ تفيد سجلات السلطات الإيطالية بأن 781 فتى مصريا اتُّهم و/ أو أدين بارتكاب جنح وجرائم - تنوعت بين السرقة والمخدرات - بين 2008 وفبراير 2014. وقفز الرقم إلى 190 جريمة وجنحة فى أول شهر ونصف من العام الحالي؛ بين 1-1-2014 وحتى 12-2-2014، بحسب وزارة العدل الإيطالية، أى واحد من كل ستة فتيان؛ 4814 دخلوا إيطاليا منذ عام 2007 عن طريق مراكب الهجرة غير الشرعية. الثغرة قانون الهجرة الإيطالى رقم 286/ 1998، ينص على: «الاعتراف بكونك طفلا شرط أساسى للمهاجر للاستفادة من الحماية التى يوفرها القانون الإيطالى للقصّر، ولهم أولًا وقبل كل شيء الحق فى عدم التعرض للترحيل». فى المقابل، تحجم مصر حتى الآن عن سن تشريع يجرّم الهجرة غير الشرعية، رغم انضمامها عام 2000 إلى بروتوكولين خاصين بمكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، بحسب ضباط أمن والمحامى عادل مكى بالمنظمة العربية للإصلاح الجنائى. يقول مكى إن غياب هذا القانون «يشجع السماسرة والمهربين، فهم يعلمون أنه لن تكون هناك عقوبة». ويطالب مكى بنص فى القانون المنشود «يعاقب الأهل، فالاتجار بالبشر يحدد مسؤولية الأب، وله كامل الأهلية فى السمع والطاعة، فهو يخاطر بحياة ابنه ويعرضه للموت والهلاك». مساعد وزير الداخلية اللواء نجاح فوزى - مدير الإدارة العامة لمباحث الأموال- يؤكد أن الداخلية اضطرت ل«تطبيق قانون الطوارئ بحق المهربين» قبل الثورة (يناير 2011)، فكان يتم اعتقال المهربين لخطورتهم على الأمن العام. وهكذا أحبطت 27 رحلة على متنها 521 شابا فى 2010، لتسند النيابة اتهامات ل434 مهربا وسمسارا - بحسب فوزى. «لدينا تشريع يجرّم نشاط الاتجار بالبشر. أما تهريب الأشخاص عبر البر والبحر والجو فلا يوجد تشريع قانونى محدد وواضح يجرم الأفعال المصاحبة لهذا النشاط»، حسبما يشرح اللواء فوزى، لافتا إلى «صعوبة بالغة تقابل جهات التحقيق فى مناقشة المُرَحلين (المُهَرَبين)» وفق قانون خاص بمكافحة تهريب البشر. ويضيف: «لا تجد النيابة قانونا تعاقبهم به، ولا توجه تهمة تهريب للمتهمين لعدم وجود تجريم للفعل ذاته، بل توجه لهم تهم الاحتيال والنصب بالمادة 336 من قانون العقوبات لا تتعدى سنتين، أو مزاولة مهنة التسفير بدون ترخيص وعقوبتها غرامة فقط. وإذا مات المهاجرون تكون التهمة قتل خطأ». ويشتكى اللواء فوزى من أن غالبية القضايا «تغلق فى الغالب بسبب تنازل الأهالى عن حقّوقهم خصوصا أنهم مربوطون بشيكات وكمبيالات مع المهربين لتسديد بقية رسوم التهجير».
من جانبها، تستغرب مسؤولة وزارة العمل والسياسات الاجتماعية بتورينو، د. لورا مارزين، قدوم أعداد كبيرة من الأطفال المصريين، وكيف أنهم فى هذه السن يواجهون مسؤوليات مصيرية قياسا على أعمارهم؟ وأضافت: «المخيف هو أن الأهل يدفعون المال ليموت أولادهم، وهذه الأموال غالبا ليست ملكهم، وقد يخسرون المال والأرواح». وتنفى مارزين أن يكون القانون الإيطالى الخاص بالطفل المهاجر مشجعا على ذلك، بل تتهم «شبكات إجرام» بدفع الأطفال إلى هذه المخاطر. "الهدف من القانون رعاية الطفل القاصر على الأرض الإيطالية أيا كان وحتى سن معينة. فهو لا ينظر إليه سواء أكان مهاجرا غير شرعى أم لا، ولا يشجع على ذلك، بل من يشجعهم هم أهاليهم والسماسرة، وهى ظاهرة أصبحت تشكل عبئا اقتصاديا على إيطاليا، لأن الأطفال وتنشئتهم وتعليمهم يتطلبون أموالا كثيرة من الدولة»، على ما توضح. الحكومة الإيطالية رصدت هذا العام 40 مليون دولار للإنفاق على إيواء القصر ورعايتهم. وتتراوح تكلفة القاصر يوميا بين 80 و140 يورو، بحسب كل محافظة. وحين يصل إلى سن ال 18 يتم إعطاؤه أوراقا للعمل أو الدراسة وفق رغبته. وتقول مارزين إن السلطات الإيطالية «تحدّد سن الطفل حين يصل إلى الشاطئ، وتعمل أوراقا (ثبوتية) له وتلحقه بمراكز إيواء». هذه المراكز ترسله بدورها إلى «دور رعاية تقوم على تعليمه اللغة الإيطالية وحرفة حتى يصل إلى سن ال18. بعد ذلك له حرية الاختيار بين العمل أو الدراسة، ومن ثم ينخرط فى المجتمع الإيطالى». المسؤولة الإيطالية تحذّر أهالى القصّر من مخاطر دفع أبنائهم نحو المجهول: «لابد أن يعرفوا أنهم حين يدفعون بأبنائهم فى هذه الرحلة، فإن نجوا من الأهوال والمخاطر والموت، فحتما سيصابون بأزمات نفسية، وقد ينحرفون نتيجة ذلك، فسنّه لا تسمح بأن يترك أسرته ويبتعد عنها». وتتحدث عن «حالات عديدة جدا من الأطفال انحرفوا وعملوا أعمالا غير مشروعة كالسرقة وتجارة المخدرات وغيرهما». متاهة عادل عاطف لدى نزول عادل من المركب فى رمضان الماضى (يوليو 2013)، وثقّت الشرطة الإيطالية بياناته الشخصية فى «فيش» تتضمن خانة فاصلة: دون الثامنة عشرة وفوق السن القانونية. ولأنه كان قاصراً فى السادسة عشرة سلّمته الشرطة إلى مركز إيواء، فيما أعادت ترحيل البالغين إلى مصر، بموجب الاتفاقية الموقعة بين البلدين. فى دار رعاية «دون بوسكو» يروى عادل «رحلة الضياع» بمزيج من الحسرة وألم ناجم عن كسر ذراعه اليمنى نتيجة مشاجرة مع أحد أقرانه فى الدار. «السمسار دا أغنى واحد فى البلد، مقدرش أقول اسمه دا ممكن يقتل أهلى. وقال لبابا، لو مات ابنك أنا معرفكش، بس نصح أبى بتسفيرى، فوافق ووقّع على شيكات ورهن البيت». يصمت الفتى ويجول بنظره على جدران دار الإيواء، ثم يضيف: «لايزال علينا نصف المبلغ للسمسار، 45 ألف جنيه كل المبلغ، مكنتش أعرف إنى هدخل مدرسة (ملجأ بصراحة).. فالسمسار أوهمنا بأننى سأعمل فور وصولى». حين كانت عائلة عادل تجهّز طعام الإفطار البسيط فى نهاية يوم عمل شاق تحت شمس حارقة، أبلغه والده بموعد السفر المنتظر. فتحرك الفتى من بلدته يوم الأربعاء فى رحلة محفوفة بالمخاطر يصعب التكهن بنهاياتها. «ركبت مع السمسار فى سيارته وذهبنا إلى منطقة رشيد، ثم إلى الإسكندرية بمفردى بعد ذلك فى مكان حدّده السمسار لى، ثم إلى رشيد مرة أخرى مع مجموعة كبيرة من اللى هيسافروا»، حسبما يتذكر. «لما وصلنا مزرعة برشيد مطلة على البحر وجدنا أطفالاً بعمرنا. وبعد ما اتجمعنا، كانت الثانية فجراً، والمكان مظلم، طلب الناس اللى فى المزرعة أن نخرج ما معنا من أموال وأوراق». وقبل طلوع الفجر قالوا: «اذهبوا إلى البحر، وجرينا فى حديقة مليئة بالأشواك، والكل جرى بسرعة للحاق بالمركب خوفاً من بطش العصابة». «كانوا يطلقون النار فوق رؤوسنا، وركبنا زورقاً صغيراً، وما أن انطلق حتى وقعنا كلنا فى البحر، ثم ركبنا مركباً أكبر، ثم مركباً ثالثاً أكبر زى ما نكون بضاعة بيسلموها»، حسبما يقول. الحلم المفقود لم تنته رحلة العذاب بوصول عادل إلى كالابريا. «لمّا وصلت قلت خلاص رحلة العذاب، مكنتش أعرف إنها كمان فى إيطاليا. فقلت لأ لازم أهرب علشان أشتغل وأبعت فلوس لأهلى. هربت منها إلى تورينو علشان ألاقى شغل وملقتش». كان عادل يذهب مع قريبه إلى «ميركاتو» (السوق) الكبير بتاع الخضار، و«أفضل طوال الليل مستنى حد يبقى عاوز يشيل حاجة، ولو اشتغلت هما خمسة يورو بس، زهقت وطلبت منه آجى الدار (الكومنتاه) طلب منى 300 يورو و100 عن كل شهر». يشعر هذا الفتى بالندم الآن: «أتمنى العودة، ولو الحكومة المصرية أعادت لى المبلغ الذى دفعته، سأعود فورا، وأنا هنا شربت مخدرات، واتحبست، وحاسس بالخنقة ولو هربت هنحرف وممكن أبيع مخدرات أو أسرق». يُسمح للقصّر فى دار الرعاية بمهاتفة أهلهم مرة بالشهر. «وكل ما أكلم أبويا يقولى يا بنى إبعت لينا فلوس، إحنا مش لاقيين ناكل، وأنا مفيش بإيدى حاجة، وقلت له لو أخويا جاب سيرة السفر اقطع له لسانه»، على ما يقول. ثم يتنهد: «الآن أنا بعيد عن أهلى، عن أبى وأمى، عن جدى المريض، عن الشارع». كغيره من فتيان مصر، محمد فيصل، يعلق بين مركز الإيواء أو العمل بالسخرة مقابل بضعة «يوروات». فبدلاً من اعتماد فيصل، الفلاح، وأسرته على حوالات ابنه المنشودة، يرسل كل فترة مبلغ 500 يورو عن طريق أحد المسافرين، أو يدفعها فى قريته لأسرة أحد المقيمين فى إيطاليا ليوصلها لمحمد، رافضاً عودته: «يجيى ليه، بإذن الله يشتغل، هو فيه شغل هنا، وبعدين أجيب منين الفلوس اللى دفعتها». روايات مهربين تتشابه طرق الوسطاء والسماسرة. عادة يكونون من أهل البلدة التى تكثر فيها الهجرة. فالسمسار جمال، من قرية «تطون» فى الفيوم، جرّب السفر إلى إيطاليا منذ عشر سنوات، وبعد عودته بدأ بالعمل كغيره فى مجال الهجرة غير الشرعية. بجلبابه الأبيض الزاهى، وعلامة سجود (زبيبة) تتوسط جبهته، يشرح جمال طريقة عمله، بعد محاولات عديدة للتحدث معه: «أنا الشاب بييجى هو وأهله عاوزينه يسافر». ويضيف: «الاتفاق يكون على مبلغ معين، فيتم أخذ النصف، والنصف المتبقى حين يصل ابنهم إلى إيطاليا ويبلغهم بذلك، وأقوم بأخذ إيصالات أمانة عليهم. والمبلغ يكون بين 20 ألفاً و30 ألف جنيه». ينحصر دور جمال «بأخذ الأولاد فى رحلة مفاجئة، وهى المرحلة الثانية فى التهريب». الأولى مرحلة التجميع، بحسب جمال الذى يوضح: «وأكون على اتصال بهم، وحين يأتى الموعد يتم الترتيب معهم، وأسلمهم إلى سمسار آخر، قد يكون فى كفر الشيخ أو الإسكندرية، أو على الحدود مع ليبيا». جمال وأهالى الفتيان يظنون أنه فاعل خير: «أيوة أنا بعمل خير، بسفر العيال يشوفوا مستقبلهم ومستقبل أهاليهم». ويعترف بأنه يقوم بهذه العملية دائماً، و«حسب التساهيل» مرة فى الشهر أو مرتين، وأحيانا ثلاث، وكل ذلك يعتمد على نجاح الرحلة. رحلة تمر عبر العديد من الوسطاء والسماسرة، ويبقى الرأس الأكبر «المهرب» متوارياً، يدير الشبكة من خلال الاتصالات، لا يعرفه أحد إلا شخص أو اثنين. حاول معد التحقيق الوصول إلى العقل المدبر لمسارات التهريب لكن دون جدوى. أشهر الأماكن على شاطئ «برج مغيزل» إحدى النقاط الاستراتيجية لانطلاق المهاجرين، يقر الشاب الثلاثينى محمد، ذو البشرة السمراء والجسد الضخم، بأنه يعمل فى هذه التجارة الرائجة، كونها تدر عليه ربحاً أفضل من العمل فى الصيد. لكنّه يستدرك أنه يتلقى فتاتاً بالنسبة لمن يقوم بالعمل الأساسى ويستخدم الصيادين فى نقل المهاجرين. «بنأخذ الملاليم، والسماسرة يأخذون ملايين الدولارات. وحين يضبط المركب إحنا اللى بنشيل الليلة». وتتراوح أجرة الرحلة بين سبعة آلاف وعشرة آلاف جنيه. حين تسأله عن عدد مرات سفره، يجيب ضاحكاً: «أنا سافرت ثلاث مرات، وعارف إنى لو اتمسكت هتسجن فى إيطاليا». على بعد خطوات وعلى مركب صغير يتحدث صياد آخر ترك لحيته تنمو كسلاً: «مش إحنا بس اللى بنهرب. فيه هجرة غير شرعية من الساحل كله، وإحنا لازم نشتغل فى التهريب، حتى لا نموت من الجوع، البحر معدش يزرع». محاولات وفشل أيمن هليل عاد إلى قريته تطون بالفيوم، أشهر قرى الهجرة غير الشرعية. حين هاجر كان فى الخامسة عشرة. سافر دون أى أوراق وظل فى إيطاليا سبع سنوات، لم يرتح فيها. كان مشتتاً مهدداً. قضّى «سنة» فى بيوت الرعاية، مع أطفال مصريين من محافظات شتّى، ثم هرب منها كى يعمل. لكن ضاق به الحال، وآلمه الجوع، فذهب إلى باليرمو «مكان إيواء يتجمع فيه مهاجرون ممن لا يجدون عملاً». لم تختلف طريقة سفر أيمن عن الأكبر سنا، الأهوال ذاتها، والموت حاضر فى كل خطوة، فضلاً عن الإهانة التى يلاقيها من القائمين على تهريبه. «ذهبت إلى ليبيا براً وقعدت فيها 40 يوماً، وعدنا لعدم تأمين الطريق، لنقضى عشرة أيام أخرى فى التخزين، وهو المكان الذى يسبق السفر، يقع فى منطقة جبلية تسمى زوّارة»، حسبما يستذكر، مضيفاً: «هناك كان الخوف يتلبس الصغار، يصرخون ليلاً، وبعضهم تأتيه نوبات فزع، ورعشة، وخوف شديد من هذه الصحراء الموحشة، بينما الكبار يتطلعون إلى البحر. كنا نبكى أيضاً من الجوع، فهم لا يقدمّون إلا رغيف خبز وقطعة جبن، فنحلت أجسادنا، وشحبت وجوهنا». حالما يكون المركب مستعداً للإبحار تأتى شاحنة بضائع «لنقلنا بعد أن نتكدس فيها. لا يهمهم إن كنا فوق بعض أم لا. كما المركب الذى سيقلنا، يعاملوننا معاملة غير آدمية، فنحن والدواب والبضاعة سواء»، حسبما يضيف. «لم أكن الصغير الوحيد بينهم، فالسيارة كانت تجمع مختلف الأعمار، كان الأصغر سناً فريسة الكبار، تدوسه الأقدام، وكان معنا أطفال سنهم 13 سنة، ويطلبون منا عدم إصدار الأصوات، ومن يتكلم أو يصدر صوتاً جزاؤه الضرب». وصل المركب إلى حدود إيطاليا نهاراً. ويقول: «طلبوا أن نظل بالبحر حتى يأتى الظلام، وتقل حركة الحرس، وحين ذلك أنزلونا على الشاطىء فى سيشيليا». حلم لم يكتمل محمد (22 سنة) يقول بحسرة: «كنت أعلم بالرحلة ومخاطرها، وما الذى ينتظرنى هناك. إذ عرفت أننى سأدخل مدرسة على حساب الحكومة الإيطالية، تتولى رعايتى وإطعامى وتعليمى، وثم أحصل على إقامة». كان لدى هذا الشاب «أمل 10% بالوصول لإيطاليا، وكنا نتوقع الموت بنسبة 90%». لم يكن أمامه خيار «فضغط الأهل كبير وغير عادى، وأصحابى من مات منهم فى البحر أو سافروا تعرضوا لضغط من الأهل من أجل السفر». فى قريته ميت سهيل بمركز منيا القمح، محافظة الشرقية، لا تجد بيتاً فيها إلا ولها ابن أو أب فى إيطاليا، «والتقليد أكثر ما يضغط على الشاب مثلى»، حسبما يقول هذا الشاب الذى حاول الهجرة لإيطاليا من خلال ليبيا قبل سبع سنين. الأهل على استعداد لفعل أى شىء مقابل هجرة ابنهم. ويقول عن هذه المنطقة: «يرهنون البيت، يوقعون على شيكات دون رصيد، أو يبيعون أرضهم، المهم عندهم ألا يكون ابنهم أقل من جاره، أو من سافر قبله، فليذهب الابن، يموت أو يعيش، لا فرق، المهم هو أن يفعل مثل فلان». «لا أعلم هل كان حظى ألا أركب، أم من سوء حظى ألا أسافر. فى أثناء التخزين (فى ليبيا) حاولت السفر مرتين. الأولى تم إركاب مجموعة، وأجلوا البقية بحجة وجود شرطة تمشط المكان، بسبب غرق أحد المراكب، فدب الرعب بداخلنا». وفى الثانية، «استيقظت فلم أجد أحداً بجوارى، حيث تركنى ابن عمى نائماً وسافر. وقتها حزنت حزناً شديداً لعدم سفرى». وبعد ثلاثة أيام عرفت من حراس المكان أن بعضهم وصل لجزيرة سيشيليا، وآخرين ماتوا أثناء الرحلة. بلدنا أولى بولادنا فى الإسكندرية، إحدى محطات التهريب، التقى معد التحقيق سما جابر، منسقة مشروع «بلدنا أولى بولادنا»، أثناء قيامها وفريق المشروع بجولات ميدانية. «الفشخرة كان مصطلحاً صادماً لنا. كنا نسأل أطفالاً سافروا عن سبب هجرتهم، وماذا كان وضعهم قبل السفر؟» حسبما تقول جابر. «يجيب العديد منهم أن الغيرة وتقليد جمع الأموال كانا وراء الجموح نحو الهجرة». طريق الضياع.. تجارة مخدرات وجنس تنقل مصطفى (17 سنة) بين دور رعاية فى روما منذ وصل إلى هنا قبل ثلاث سنوات من كفر كلا الباب بمحافظة الغربية. مصطفى من بين 348 قاصراً مصرياً ارتكبوا جنحاً أو جرائم فى إيطاليا بين 2008 و2012، بحسب مساعد وزير العدل الإيطالى، كالرينا كينيتشى. وفى 2013، سُجّلت 234 قضية بحق مصريين قُصَّر، منهم 19 «أحدثوا مشكلات كبيرة فوُضعوا قيد الحجز»، تضيف كينيتشى.
وارتفع العدد إلى 190 جنحة وجريمة بين مطلع 2014 و12 فبراير. قُصَّر فى مهب الانحراف كينيتشى تشتكى من هروب قُصَّر «من دور الرعاية، وهذا يسبب أزمة كبيرة»، لافتة إلى أن السلطات الإيطالية تجرى تحريات «للوصول إليهم، وإذا لم يجدوهم يعتبرونهم فى خطر كبير». تتنوع جرائم المصريين القُصَّر- بحسب رصد السلطات الإيطالية- بين السرقة وحمل سلاح، وتحرش وتجارة مخدرات، عنف تجاه الأفراد والاعتداء على تماثيل فى الأماكن العامة. تقول كينيتشى إن «انحراف هؤلاء الأولاد فى ازدياد وفى حالة خطورة شديدة، وأصبحت أعدادهم كبيرة، ومواجهتهم والسيطرة عليهم أصبحت صعبة، فكلما زاد العدد قلت الرعاية بشكل مباشر». تحديات وفشل مشرف فى إحدى دور الرعاية فى تورينو، التونسى مونجى أيارى، يحدثك بأسًى عن المصريين القُصَّر. «حين تسأل الأولاد عن أحلامهم، تكون عن تزويج أخته، أو تسفير أمه إلى الحج، بناء البيت، عمل مشروع فى مصر»، على ما يضيف. وعن أحلام وقرارات القادمين من مصر، يقول المشرف الأربعينى: «بحسب مشاهداتى ومعايشتى لهم، إذا كانت سنه أقل من 15 سنة فهو اختيار الأهل، وإذا كان فوق 16 سنة فمن المرجح أنه رغبة الولد والأب معاً». مع أن الجميع نادمون على خوض هذه الرحلة، فإنهم لا يستطيعون العودة مرة أخرى. فحين يعلن الولد لأهله بعد وصوله بأسابيع عن رغبته بالعودة «يجد سيلاً من التبريرات؛ أنت تركت مدرستك وفُصِلت منها، دفعنا لك أموالاً، رهنَّا المنزل، أو بعنا أرضاً». يُرجع «أيارى» ارتفاع أعداد القُصَّر تحت سن 16 عاماً إلى وجود قانون فى بعض الولايات يشترط أن يكمل القاصر ثلاث سنوات فى دار الرعاية. سماسرة فى مصر أدركوا ذلك، فخفَّضوا سن المهاجرين إلى 15 و14 سنة. تكمن مهمة دار الرعاية فى «تهيئتهم نفسياً، بعد مرورهم بصعوبات ومشكلات، بل من موت إلى موت آخر. ولذا فإن أغلبيتهم يواجهون الفشل، ولا يستطيعون مواجهة الضغوط»، حسبما يقول «أيارى». مع ذلك ينزع القاصر إلى تحمل اللوم وحده. يقول مونجى: «لم أجد أى طفل مصرى يُحمّل مسؤولية إخفاقه إلى أهله، هو يُحمّلها لنفسه، وهذا يزيد من حالة التوتر والإحساس بالفشل». البحث عن عمل فى السوق الكبيرة (ميركاتو جينرال) المخصصة للبضائع - كتلك التى تشبه سوق العبور فى مصر- على أطراف مدينة تورينو، يبدأ الأطفال القُصَّر ممن لم يدخلوا مراكز الإيواء أو هربوا منها بالتجمع فى منتصف الليل لركوب آخر (ترام) يقلّهم إلى محطة الباص الخاص بالسوق. يذهبون ليلاً، يتسلقون أسواراً عالية، يتسللون كى لا يراهم الأمن، وإذا رأى أحدهم طارده كى يخرجه. غريب (17 عاماً) خرج من المدرسة فى الصف الثالث الثانوى. عن وصوله قبل ستة أشهر من أجهور الصغرى/ قليوبية، يقول غريب: «الحال لم يتغير، أنام فى النهار، وأصحو ليلاً وأذهب إلى السوق. أنتظر أن يأتى أحد التجار يطلب عاملاً». ويردف قائلاً: «مش مهم كام، المهم يكون فيه فلوس». يقول غريب إنه هرب من جزيرة سيشليا بعد 50 يوماً قضّاها فى أحد مراكز الإيواء. «جئت إلى هنا، كان المكان أشبه بالسجن، كنت فى حجرة، لا أرى شمساً أو شارعاً، شفت أيام صعبة، كنت بتخفى من السلطات علشان مرجعش الكومنتاه (الدار) تانى». ماركو جوكوميتى، مسؤول تأهيل الأولاد فى كاريتاس بميلانو، يرى أزمة أخرى تواجه الأطفال وهى بلوغهم 18 سنة. فى هذه السن عليه أن يترك دار الرعاية ويبحث عن عمل. يقول ماركو: «هذه النقلة خطيرة فى حياته، تجعله فى حيرة من أمره، وهو لا يعرف شيئاً، وقد لا يجد عملاً أو مكاناً ينام فيه. هنا قد يكون عرضة لاستقطابه إلى عالم الجريمة». ويمضى إلى القول: «السؤال هنا يمكن أن يوجه للمسؤولين المصريين: ما الذى يقومون به لحماية أبنائهم فى إيطاليا؟». أحمد عبدالبارى من ميت غمر وصل إلى إيطاليا وسنه 15 سنة، واليوم يكمل عامه الثامن عشر فى دار رعاية بميلانو. «مش عارف هروح فين، مفيش مكان هنام فيه، ولا حد يسأل علينا، أو يخاف علينا، وكثير منا انحرف، يشرب مخدرات أو يبيعها ويدخل السجن، أو يذهب إلى بلد آخر»، يقول عبدالبارى. «تركت الدراسة فى الصف الأول الثانوى، وأنا هنا منذ ثلاث سنوات، لم أرسل مليماً واحداً، وهنا جاءت لى الأمراض، وتعبت كليتى اليسرى، بسبب ركوبى البحر، ودخلت أحد المستشفيات، وحين علم أبى بالخبر مات ولم أحضر جنازته». ويتابع: «المشكلة فى بلدتى أن الكل يظن أن أحمد فى إيطاليا، وما هى إلا فترة قليلة ويرسل إلى أهله الأموال، ونرى الكثير لا يعمل وينام فى الشارع، ولو طلبنا الخروج من المكان لا يمانعون». نزلاء الدور البروفيسور ماريا سيشليا جويرا، مساعد وزير العمل والسياسات الاجتماعية لشؤون القُصَّر، تقول إن الوزارة تتعامل مع الأعداد بحسب آخر الإحصائيات، وعدد الموجدين فعلياً فى دور الرعاية. تفيد دراسة أجرتها وزارة العدل الإيطالية بوجود ثلاثة أسباب وراء هروب القُصَّرمن دور رعاية: البحث عن عمل، إجباره على العمل فى الدعارة وتهريب مخدرات، أو أعمال عبودية. تجرى الوزارة دراسات على القُصَّرعموماً، وتذهب إلى بلادهم لمعرفة أسبابه من خلال أسرهم. على أن «مصر رفضت ذلك عام 2007»، بحسب جويرا، التى تلفت إلى أن «الغربية، وأسيوط، والفيوم والقليوبية هى المحافظات الأعلى فى هجرة القُصَّر». موقف مصر من جانبه، ينفى مساعد وزير الخارجية للشؤون القنصلية والمصريين بالخارج على العشيرى مثل هذا الطلب. «لم يرد إلينا طلب من الجانب الإيطالى ونحن فى انتظار أى مخاطبات من خلال القنوات الدبلوماسية»، حسبما يقول. ويدعو الحكومة الإيطالية إلى التوضيح: «ما هى الدراسة، الهدف منها، ومن هم موضوع الدراسة، الأسئلة المطلوب الإجابة عنها، وهل ستكون فى محافظات بعينها». إلى ذلك يتحدث عن «اتصالات لعقد اجتماع قنصلى لمناقشة هذا الملف وغيره. بدأنا ذلك منذ عام ونصف العام لتحديده ولكن نظراً للظروف الحالية والاستحقاقات الانتخابية المتتالية تأجل الاجتماع». وبينما يؤكد إيلاء «الأطفال المصريين كل الاهتمام ومتابعة أحوالهم مع السلطات الإيطالية»، يقول المسؤول المصرى: «حتى الآن لم نتلق من ذويهم فى مصر أى مشكلة، ولم نتلق من هؤلاء القُصَّرأنفسهم أى شكاوى». اتجار بالبشر بدوره، يقول السفير المصرى فى روما عمرو حلمى إن «الحكومة الإيطالية لم تعد قادرة على مواجهة ظاهرة تدفق مطرد للأطفال» من مصر. ويتحدث حلمى عن مخاطر «الموت جراء الأحوال الجوية، ومن يهرب يتعرض للضياع، ويدخل فى عصابات الاتجار فى البشر، وأنشطة مخالفة للقانون، وتجارة المخدرات». بحسب السفير، يحضر الطفل إلى إيطاليا «وترعاه الحكومة وتعطيه إقامة بعد سن ال 18» ثم يعمل للحصول على جنسية إيطالية. وهذا يمثل «خطورة شديدة على الأمن القومى المصرى، فمن الممكن تجنيد هؤلاء لتنفيذ عمليات مضرّة بمصر، من قبل أجهزة أمنية لا نعرف عنها شيئاً، لأن انتماءه فى هذه السن الصغيرة يكون ضعيفاً تجاه بلده». الخوف من العودة محمد مسعد، من أجهور الصغرى يتمنى العودة ولكنه يخشى على أمه من «كلام الناس»، خاصة بعد موت أبيه منذ سنوات. يقول محمد: «وصلنا إلى سيشليا، وهربت أول ما وصلت، ووجدنا قضبان القطار فمشينا باتجاه المحطة. قابلنا واحد من المغرب، عرض علينا توصيلنا إلى محطة القطار مقابل 50 يورو، وهددنا بإبلاغ الشرطة». حين وصلت الشرطة «اعترفنا لهم بهروبنا، فجمعوا عدداً ممن كانوا فى المركب، وذهبوا بنا إلى حوش كبير، وقعدنا فيه أسبوع»، حسبما يضيف. ثم جاء مواطن مصرى «وعرض أن يوصلنا (..) لكنّه أخذنا كى يساوم أهلنا علينا فى مصر، وطلب على كل واحد فينا 5 آلاف جنيه». مواجهة الأهل وهروب الابن فى قرية أجهور الصغرى تسرد أم محمد مسعد (كريمة) الجانب الآخر من الواقعة. تقول هذه المرأة الأربعينية: «اتصلت بى المشرفة المغربية بالدار وقالت إن محمد ساب الدار ولازم يرجع خلال أسبوع قبل ما يقرروا ميقبلهوش تانى». وحين سافر فى المرة الأخيرة «اختطفته إحدى العصابات ومنهم مصريون، واتصلوا بى حتى أدفع خمسة آلاف جنيه فى منطقة رشيد لأحد السماسرة. وفى اللحظة التى أرسلت لهم ما طلبوا اتصل بى ابنى يبلغنى بأنه فى أمان وسيركب القطار». زار معد التحقيق منزل عادل عاطف بقريته، فوجد أمه باكية، ملهوفة على أى خبر عن ابنها. أخته الصغيرة تسأل بإلحاح عنه. «عادل بقاله 3 شهور مبيكلمناش، ومنعرفش عنه حاجة وأبوه بيشتغل فى المحارة (قصارة) علشان يسدد الدين»، حسبما تقول. رغم الأسى ترفض الأم عودة عادل: «هييجى يعمل إيه؟ هو فيه شغل هنا؟ بس نفسى أشوفه، والمفروض يشتغل ويساعد أبوه». هذا التحقيق تم إنجازه بالتعاون مع أريج


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.