تُعد مسألة إعادة فتح وتشغيل المفاعلات النووية من أهم الأزمات الشائكة التى لا تزال تواجه الحكومة اليابانية على الرغم من مرور عامين على قرار وقف العمل بجميع المفاعلات النووية فى البلاد، التى تزيد عن 50 مفاعلاً، بعد انفجار مفاعل «فوكوشيما دايتشى» النووى جراء زلزال وتسونامى عام 2011. ورغم الاحتجاجات الشعبية التى تطالب بوقف الاعتماد على الطاقة النووية لتوليد الكهرباء وإيجاد طرق بديلة، فإن حكومة رئيس الوزراء شينزو آبى، تسعى لإعادة تشغيل جميع المفاعلات النووية، بإصدارها وثيقة «سياسة الطاقة»، فى نهاية فبراير الماضى، أكدت خلالها أن الطاقة النووية من المصادر المهمة لتوليد الكهرباء فى اليابان، وإحدى ركائز استقرار أمن الطاقة فى البلاد. وتعتبر الوثيقة الجديدة أول وثيقة تُصدر منذ 2010، حينما أقرت حكومة «ناوتو كان»، زيادة اعتماد البلاد على الطاقة النووية لتُشكل 50% من إجمالى الكهرباء المُولدة فى اليابان بحلول 2030، إلا أنه تم وقف تنفيذ القرار بعد كارثة «فوكوشيما»، واضطر «كان» إلى الإقرار بالتزام الحكومة بوضع حد لاستخدام الطاقة النووية بحلول 2040. وتُراجع الحكومة اليابانية سياسات الطاقة كل 3 أعوام لوضع خطط رسمية ترسم مستقبل أمن الطاقة، ومن المتوقع موافقتها على وثيقة «سياسة الطاقة» لعام 2014، بشكل نهائى خلال أيام، بما يعنى إعادة فتح المفاعلات المتوقفة وإقرار الحكومة لخطط جديدة تزيد من اعتماد البلاد على الطاقة النووية. وكانت اليابان، قبل كارثة «فوكوشيما» 2011، تعتمد على المفاعلات النووية لتوليد نحو 30% من احتياجاتها من الطاقة الكهربائية، وتسعى لزيادتها إلى 40% بحلول 2017. وتسبب لجوء طوكيو إلى استيراد الطاقة من الخارج، بعد وقف المفاعلات، فى ارتفاع عجز الميزان التجارى إلى 11،47 تريليون ين (112 مليار دولار) بزيادة 6 تريليون و941 بليون ين، وفقا لإحصائيات التجارة الذى أعلنتها وزارة المالية بنهاية يناير 2013. ويعد هذا العجز الأكبر فى تاريخ اليابان، منذ أن بدأت إعداد هذه الإحصائيات التجارية عام 1979، إذ ارتفعت نسبة ورادات الطاقة إلى أكثر من 16،3%، علماً بأن اليابان تعتمد على الشرق الأوسط فى استيراد حوالى 80٪ من احتياجاتها من النفط الخام. وعلى الرغم من دعم كثير من السياسيين والاقتصاديين لضرورة إعادة عمل المفاعلات النووية بأقصى سرعة لوقف هذا النزيف الاقتصادى وتقليل العجز التجارى، فإن كثيرا من النشطاء يعارضون استخدام الطاقة النووية، وهو ما بدا جليا فى تظاهر نحو 30 ألفا أمام البرلمان اليابانى قبيل حلول الذكرى الثالثة لتسونامى لرفض اقتراحات العودة للطاقة النووية. ففى أحد الاعتصامات القريبة من وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة، رفع المشاركون لافتات تندد بسعى حكومة «آبي» لإعادة فتح المفاعلات النووية. وقال أحد المعتصمين إن المعارضين لاستخدام الطاقة النووية «شعروا بالضياع بعد فوز وزير الصحة السابق ماسوزوئيه يونيتشى، المؤيد لإعادة فتح المفاعلات، بمنصب محافظ فى طوكيو، فى الانتخابات الأخيرة التى شهدتها المحافظة». كما عرضت دور العرض اليابانية مؤخراً فيلم «leji»، وهو الأول من نوعه يتناول كارثة محطة «فوكوشيما»، وهو ما اعتبرته وسائل إعلام محلية عملاً مناهضا للطاقة النووية بسبب الرسالة التى ينقلها بشأن مخاطر الحادث. ويحاول مئات الفنيين والمهندسين اليابانيين إعادة تشغيل المفاعلات التى توقفت فى أعقاب كارثة «فوكوشيما»، لكن الأمر يبدو صعباً، فى ظل تشديد شروط السلامة التى وضعتها هيئة الرقابة النووية التى تأسست عام 2012. وعلى الرغم من تأكيد العديد من المسؤولين صعوبة إيجاد بديل لاعتماد اليابان على الطاقة النووية، فإن بدء تطبيق تكنولوجيا توليد الطاقة الكهربائية من الرياح البحرية يفتح المجال أمام إمكانية اعتبارها بديلا آمنا للمفاعلات النووية فى المستقبل.