الوسيلة التى تحولت مصدرا لرزق الملايين أصبحت تشكل من ناحية أخرى وسيلة مواصلات يومية وأساسية لدى آخرين، فقد أثبتت دراسات المجلس القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية أن 90% من المواطنين يعتمدون على التوك توك والميكروباص فى الانتقال، ويرون أنه لا بديل عنها، وإن كانت بحاجة لتقنين وضعها لتجنب ما ينتج عنها من حوادث، بعد أن أصبحت أحد العناصر الأساسية فى الكثير من الأعمال الإجرامية. «المصرى اليوم» التقت بعدد من سائقى التوك توك والأهالى الذين يعتمدون على تلك المركبة، وتباينت آرائهم ما بين مؤيد ومعارض لقرار حظر الاستيراد، سواء للمركبة أو لقطع الغيار. ومنهم أحمد صلاح، سائق توك توك، الذى قال: «هى من إمتى الحكومة بتحس بينا؟ أنا أبويا فضل عيان بالفشل الكلوى 10 سنين ماحدش عالجه غير التوك توك». هكذا لم يعد التوك توك مجرد وسيلة كسب رزق فى حياة محمد، بل مصدر أمل لضمان الاستمرار فى القدرة على علاج والده الذى يخضع لجلسات الغسيل الكلوى 3 مرات أسبوعياً، فضلا عن الأدوية التى يحتاجها طيلة الشهر. محمد الحاصل على بكالوريوس تجارة أكد أنه سعى فى أكثر من شركة للحصول على فرصة عمل، لكن الوساطة والمحسوبية كان لهما الأولوية، فتمكن على مدار عام ونصف من العمل فى الفاعل من ادخار ثمن التوك توك، وبادر بشرائه، ويعمل عليه قرابة 12 ساعة يومياً، يدخر منها نفقاته هو وأسرته: «ده بدل ما الحكومة توفر لينا الأمان من البلطجية اللى بيطلعوا علينا ويسرقوا المكن؟». قد يكون قرار الحظر لمدة عام غير مؤثر على محمد الذى اشترى بالفعل المركبة منذ عدة سنوات، لكنها بطبيعتها غير قادرة على الصمود، خاصة فى المناطق العشوائية التى تعانى من عدم استواء الشوارع، بما ينقص من عمر المركبة الافتراضى، الأمر الذى يحاول التغاضى عنه بتغيير قطع الغيار التالفة فيها أولا بأول، وبالتالى فإن قرار حظر استيراد قطع الغيار ثلاثة أشهر يعنى توقف الماكينة عن العمل، وقطع عيش. «فى الحالة دى المسؤولين ما قالوش لينا ممكن نعمل إيه أو نشتغل فين، لو الحكومة شايفة إنها بعد ما المكن يقف بسبب نقص قطع الغيار خلال 3 شهور يبقى هى ملزمة توفر لينا فرص عمل ماشى». خطأ ندم عليه طيلة حياته دفع به إلى السجن، إلا أنه عاهد نفسه على عدم الرجوع إليه مرة أخرى والعيش حياة كريمة، حاول أكثر من مرة الحصول على كشك يكسب منه قوت يومه إلا أنه فشل، ففكر فى المشروع الأسهل لكل من لا يمتلك رأس مال، وهو شراء توك توك بالتقسيط من أحد المحال ليحقق من خلاله ربحاً يشعر من خلاله بالرضا، إلا أنه فوجئ بقرار حظر استيراد التوك توك الذى ينذر بعواقب وخيمة، خاصة أن الدولة تعى جيدا على حد علمه أن شركة واحدة هى التى تستحوذ على قطع غياره، وبالتالى يمكنها الرد على الدولة بمنع بيع كل ما لديها من قطع غيار لتجبرنا على الخروج والتظاهر ضد القرار، وهكذا يلعب بنا الكبار، بعد أن أعطتهم الدولة الفرصة لذلك. وطالب الدولة بإعادة النظر فى صيغة القرار، ولا بد أن تفتح الباب لأكثر من مستورد لاستيراد التوك توك، وبالتالى سيكون هناك مجال للتنافس ورخص الأسعار، أو على الأقل وضع حل بديل لكل من يتعثر فى سداد الأقساط، كيلا نجد مصيرنا يعود مرة أخرى إلى السجن، بعد أن عاهدنا أنفسنا على عدم العودة له. فيما رحب محمد مجدى، سائق توك توك، بقرار حظر الاستيراد للمركبات، ويرى أننا بالفعل لدينا كميات كبيرة منه فضلا عن المركون منه فى الجراجات، لكننا بحاجة إلى ترخيص يمنع على سبيل المثال قيادة الأطفال له، فالتوك توك فى مصر أصبح وسيلة كسب عيش وبعيدة كل البعد عن الترفيه، كما هو معمول به فى دول أخرى، وفتح بيوت كثيرة، لا يمكن منع مصدر رزقها عنها. وانتقد قرار حظر استيراد قطع الغيار، ووصفه بمثابة قرار إعدام لكل العاملين عليه، خصوصا أن السوق فى مصر مش ناقصة جشع ولا طمع، ويكفى أن سعر التوك توك القسط يصل ل 30 ألف جنيه، فما بال أسعار قطع غياره فى ظل هذا الحظر؟. يعمل محمد على التوك توك من عام 2006 وليس هو وحده كما يقول، بل معه أخوه ووالده، لكل منهم مركبة خاصة يعمل عليها، وأصبحت هى الوسيلة المثلى لكسب العيش، خاصة أنهم من معدومى الخبرة المهنية التى قد تؤهلهم للعمل فى أى حرفة أو مهنة أخرى. وقال سعيد محمد أن القرار سوف يسبب لنا مشاكل عدة على رأسها احتكار قطع الغيار، فضلا عن الارتفاع المفاجئ فى أسعاره الذى شاهدته الأسواق، بعد صدور القرار بساعات، فعلى سبيل المثال ذهبت لشراء قطعة غيار للموتور اكتشفت ارتفاع سعرها من 180 جنيها إلى 240 جنيها، ما سينعكس على الزبائن، ويتسبب فى وقوع مشاجرات معهم، والقرار قد ينعكس على تراجع أعداد التوك توك فى الشارع، لكنه لن يمنعه، وبالتالى سوف تظل المشكلة قائمة، وكان من الأولى بالدولة تقنين وضعه، خاصة أنه من أكثر المركبات التى تتهالك بسرعة، وأن استمرار رخصته يتطلب إحلاله وتجديده من وقت لآخر، كى يضمن صاحبه السماح له بالسير، ولذلك لابد أن تتراجع الدولة على الفور عن قرار وقف حظر استيراد قطع الغيار. وهو التخوف نفسه الذى أكده عدد من مستقلى التوك توك، خاصة أنه أصبح بالنسبة لهم وسيلة مواصلات أساسية لا يمكنهم الاستغناء عنها. «أنا لولا التوك توك ما اخرجش من بيتى».. عبارة لخصت بها ثنية محمد، ربة منزل مدى اعتمادها على تلك الوسيلة فى التحرك فى نطاق المنطقة التى تقطنها، فظروف أحوالها الصحية التى لا تعينها على السير لمسافات طويلة أجبرتها على الاعتماد على هذه المركبة التى تأتى حتى باب منزلها لنقلها للمكان الذى ترغب فيه. وقالت: «شارعنا ضيق. ما فيش حاجة بتعرف تدخله، ولا أى سائق تاكسى بيرضى يدخل بينا لحد باب البيت زى التوك توك، فأغلب المناطق العشوائية شوارعها غير مرصوفة، وطالتها على الأكثر يد الإهمال بعد الثورة، وأى صاحب تاكسى يخشى تهالك عربته، ويرفض تكملة المشوار، ويجبرنا على النزول بمسافات، وقتها أول ما أفكر فيه هو استقلال التوك توك أو نقدر نسميه تاكسى الغلابة، بس بعد القرار ده الناس مش هتقدر تدفع المبالغ اللى هيفرضها علينا سائقو التوك توك، وهيبقى وقف الحال على الجميع». فيما اعتبره أشرف جميل الوسيلة الأسرع، فى ظل الزحام المرورى الذى تعانيه أغلب شوارع مصر، فحجمه الصغير يمكنه من السير فى الشوارع الجانبية أو التخطى بين صفوف العربات المتزاحمة فى الإشارات، وبالتالى أصبح يسعف الكثيرين منا على الالتزام بالمواعيد التى يرغبون فى الوصول إليها. واعتبره إبراهيم محمد مظهر من مظاهر العشوائية والفوضى، وقال: «هو فى مركبة فى العالم لا تخضع للإشراف المرورى، وتنتهك كل قواعده، التوك توك فى مصر هو الوحيد اللى قدر يعمل ده». واستشهد إبراهيم باستقلال البلطجية والمسجلين للمركبة بوجوههم المعروفة لرجال الأمن، وكذلك اختراقه قانون العمل، حيث يسمح للأطفال بقيادته، من سن 10 سنوات حتى 18 سنة. وقالت رشا أحمد، طالبة، رغم كل الانتقادات والسلبيات التى نعانيها من التوك توك، فلا يوجد أحد منا لم يستقله فى يوم من الأيام، ففى أيام الأمطار الشديدة نتلهف على توك توك لنقلنا من بين الشوارع الغارقة فى الأمطار، وفى حالات الأزمات الصحية التى قد يتعرض لها أحد منا نسرع بإيقاف أى توك توك للانتقال به، بدلا من سائقى التاكسى الذين لا شفقة فى قلوبهم، وكثيرا ما يستغلون الموقف، ويطالبون بأجرة مضاعفة. وقوع حادث له بسبب تهور أحد سائقى التوك توك دفع سمير مرسى للترحيب بقرا ر وقف استيراده، وقال إن الهدف من وسائل المواصلات هو التهوين على الناس من بعد المسافات، وليس إيقاع الأذى بهم، فقد تسبب له تهور أحد سائقيه فى كسر بالحوض وتهشم فى عظام القدم، بعد أن مر فوقه التوك توك، فضلا عن حوادث الاغتصاب والخطف والقتل التى قد يروح ضحيتها سائقو التوك توك أنفسهم، فأصبح التوك توك أحد العناصر الرئيسية لتنفيذ أى جريمة، كما أنه وسيلة دخيلة على مجتمعنا لم نكن نعيش بها، ولا نسمع عنها، وبالتالى يمكننا العيش بدونه. «القرار كان محتاج يتقنن أكتر من المنع».. كانت تلك هى وجهة نظر إبراهيم العالمين، أحد المواطنين، حول قرار منع استيراد التوك توك، بحيث يستمر دخوله البلاد إذا ما تم ذلك فى إطار القانون، بل بالعكس سيدر دخلا للدولة من خلال الضرائب والجمارك، وإنما نحن بحاجة إلى تنظيم ترخيص عمله، بحيث يصرح كل حى بالتراخيص لعدد مناسب من المركبات تتناسب مع طبيعة ومساحة الحى، دون أن تعوق المرور به، ودون قدرة رجال الأمن فيها على السيطرة على كل تلك الأعداد.