من بين كل الصور التى ظهر فيها الشهيد «محمد الجندى» مع أصدقائه على شبكات التواصل الاجتماعى، اختار أصدقاؤه صورة واحدة يرفع فيها إصبعيه بعلامة النصر، بينما يحمل وجهه ابتسامة غامضة لم تصل إلى عينيه البادى فيهما حزن واضح. تظل هذه القراءة لفرد ينظر إلى صورة الشهيد الراحل الذى حمل استشهاده ثقلا دراميًا صعبًا شبيها بزميله فى الثورة والشهادة «جابر جيكا»، وربما اصطبغت هذه القراءة نفسها بذلك الثقل الدرامى الذى غلف الأيام الأخيرة فى حياة شهيد التعذيب الأشهر بعد الثورة. قبل ساعات من الإعلان عن وفاة «الجندى» فى مطلع فبراير، كانت قلوب زملائه فى الثورة تهفو لأمل تغلبه على ما تعرض له من تعذيب على يد قوات الشرطة التى كانت وقتها فى خدمة نظام الرئيس المعزول محمد مرسى، كلما انتشرت شائعة تفيد بوفاته فى مستشفى الهلال سعى القريبون من المستشفى وأصدقاؤه للتأكد، ثم نفى الشائعة آملين فى أن يفيق من غيبوبته التى سقط فيها بعد تعرضه للتعذيب المتواصل على يد قوات الشرطة لأيام قبل إلقائه من سيارة أمام مستشفى الهلال للعظام. فى الحادى والثلاثين من يناير، أعلن عن العثور على العضو المختفى فى التيار الشعبى وابن مدينة طنطا «محمد الجندى» فى مستشفى الهلال مصابا بكسور فى الجمجمة ونزيف مخى بعد أربعة أيام من الاختفاء، تحول فيها زملاؤه فى التيار الشعبى، وفى مجموعات ثورية أخرى، لفرق بحث تسعى لمعرفة «الجندى» الذى شوهد للمرة الأخيرة فى إحدى المسيرات القادمة إلى ميدان التحرير فى تظاهرات إحياء الذكرى الثانية لثورة يناير، والمطالبة بإسقاط حكم جماعة الإخوان وإيقاف مخططاتها للانفراد بالسلطة، ومصادرة أهداف الثورة بحسب رؤية المتظاهرين. لا توجد معلومات كثيرة عن الشهيد الراحل، كل ما نعرفه عنه نقلا عن لسان أصدقائه ووالديه عبر مداخلاتهم الهاتفية للحديث عن حالته الصحية قبل ساعات من رحيله، أنه كان فى الثامنة والعشرين من العمر، وأنه ظل من الفئة القليلة القابضة على جمر الثورة ومطالبها حتى لحظة اختطافه التى تلاها رحيله بعد أربعة أيام، وأنه وردت بشأنه مكالمة هاتفية من وزير الداخلية الجديد وقتها (محمد إبراهيم) إلى المستشار أحمد مكى وزير العدل، تطالب الأخير بإعلان وفاة الشهيد الراحل بعد صدمه بسيارة مسرعة، بحسب اعتراف وزير العدل نفسه بعد أسابيع من الواقعة، بعد أن كذبته تقارير مصلحة الأحوال الجنائية (الطب الشرعى) التابعة لوزارته، والتى شهدت بتعرض «الجندى» لتعذيب متواصل أدى لكسر بجمجمته ونزف بمخه أدى لوفاته، بالإضافة لجروح وكدمات أخرى نتاج التعذيب. ونقلت وكالة رويترز عن مصادرها بأجهزة الأمن تقريرا تؤكد فيه احتجاز الشهيد الراحل بمعسكر الجبل الأحمر لقوات الأمن المركزى منذ اختطافه، قبل أيام من العثور عليه ثم وفاته، وهو ما أكدته شهادات معتقلين آخرين تزامن وجودهم فى المعسكر نفسه مع وجود «الجندى» فيه، بينما اتهم التيار الشعبى أحد ضباط الشرطة باختطاف الجندى وإخضاعه للتعذيب. كان «الجندى» واحدا من ثلاثة شهداء اشتهرت أسماؤهم بعد قتلهم على يد قوات الشرطة فى عهد الرئيس المعزول محمد مرسى هم «جيكا» و«الجندى»، وزميلهما الثالث الذى لحق بهما بعد أيام «كريستى». لكن صاحب الابتسامة الحزينة المستخفة لم يرحل كزميليه أثناء وقوفه متظاهرا ضد نظام مرسى، وجاء رحيله بعد وصلة تعذيب شرطية زامله فيها 3462 معتقلا منهم نسبة غير قليلة من الأطفال تعرضوا للتعذيب لدرجة الاعتداءات الجنسية فى أقسام الشرطة ومعسكرات الأمن المركزى فى عهد مرسى، فضلا عن 143 شهيدا بحسب تقرير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان. وأبى العام أن ينصرف دون سقوط شهيد جديد من أبناء الثورة تشير أصابع الاتهام فى مقتله إلى الشرطة التى أطلقت النار على مظاهرة بالسويس قتل خلالها عضو حملة تمرد «باسم محسن» قبل أيام من انصراف 2013. يذكر أن النيابة لم تعلن حتى لحظة كتابة هذه السطور فى نهاية 2013 عن المتهمين بتعذيب وقتل الجندى.