فى الدراما الإغريقية الأبرز «أوديب الملك»، يمضى البطل التراجيدى ( بطل الحكاية الملعون) إلى مصيره المحتوم فى غفلة وثقة، يأتى أوديب من بعيد إلى «طيبة» بحثا عن الملك فيقتل أباه ويتورط فى الخطيئة وهو يظن بنفسه الصلاح، يمضى أوديب غافلا إلى مصير مظلم يحيا فيه موصوما عاجزًا وقد استجلب بخطيئته الموت والبؤس على أبنائه وشعب مملكته المنهارة، بعد أن سعى فى كل خطوة إلى تحقيق النبوءة المشؤومة التى رآها جميع من حوله إلا هو. قبل وصول جماعة الإخوان إلى الحكم بانتخاب عضوها الاحتياطى محمد مرسى، كان من يتوقعون لها الفشل أكثر بكثير ممن يتوقعون لها النجاح، وخلال عام من تسيد السلطة التنفيذية والتشريعية ومحاولة السيطرة على القضائية سعى الرئيس السابق محمد مرسى ممثل الجماعة إلى تنفيذ كل ما توقعه أعداء الجماعة والباحثون المتخصصون فى دراستها من سعى للاستحواذ التام على الحكم والتضييق على غير المنتمين إليها ومحاولة تطبيع المجال العام بما تعتقد فيه الجماعة، بالإضافة لما انتظره معارضو الجماعة من محاولات للصدام مع الإعلام والتضييق عليه. قبل أيام قليله من بداية عام 2013 جلس الرئيس السابق محمد مرسى على مقعد الرئيس فى مجلس الشورى ووقف إلى جواره أحمد فهمى رئيس مجلس الشورى المنحل، واللافت أن جلوس ممثل السلطة التنفيذية ( محمد مرسى) متسيدًا اجتماعاً يقف فيه رئيس مجلس منتخب من الشعب، لم يلفت انتباه مرتادى الشبكات الاجتماعية أو وسائل الإعلام، رغم كل ما يمثله هذا من إشارات سياسية سلبية، لكن الأسابيع القليلة التالية شهدت تغيرًا لافتا، جعل مثل تلك الإشارات المتعلقة بالرئيس المعزول وجماعة الإخوان التى ينتمى إليها محل انتباه وتركيز من وسائل الإعلام الجماهيرية التى كانت تحرص قبل الخامس والعشرين من يناير 2011، وحتى خروج مرسى من سدة الحكم، على ألا تناصب رأس السلطة العداء. فى الأول من يناير 2013 دشن مرسى الصراع الذى تفاقم لاحقا ليكون معولا فى جدار حكم الإخوان، فنشرت الصحف فى الساعات الأولى من العام الجديد نبأ تقدم رئاسة الجمهورية بدعوى قضائية ضد صحيفة «المصرى اليوم» بتهمة «تكدير السلم العام». خلال الشهر نفسه تصاعدت الاشتباكات بين مجموعات ثورية وبين الشرطة، واستمرت الاشتباكات متقطعة خلال شهرى يناير وفبراير لتقدم وسائل الإعلام (عدا القومية منها) تغطية إخبارية لا تهادن فيها رأس السلطة، فأبرزت القتل المنظم للثوار على يد الشرطة الخاضعة وقتها لسلطان الجماعة. ولم تترك وسائل الإعلام فرصة لتسليط الضوء على القرارات والتحركات الرسمية التى تنذر بمضى مرسى والجماعة نحو تحقيق مشروع «التمكين». وشهد شهر يناير وما تلاه ملاسنات واضحة بين الرئيس السابق محمد مرسى فى خطاباته العديدة وبين وسائل الإعلام التى أفسحت المجال لكتابها وممثلين لتيارات سياسية خارج التحالف الإسلامى المؤيد للسلطة، كى يعربوا عن آرائهم صراحة فى قرارات الرئيس. لم يدخر الرئيس المعزول نفسه جهدًا فى اتخاذ قرارات والإدلاء بتصريحات من شأنها زيادة السخط الشعبى والإعلامى عليه، بدءاً من تصرفاته التى أثارت انتقادات فى الصحف الغربية خلال زيارته لألمانيا ثم محاولته الفاشلة لفرض الطوارئ فى مدن القناة، وتحريك رئاسة الجمهورية دعوى ضد عشرات الإعلاميين بتهمة إهانة رئيس الجمهورية، وكل هذا خلال يناير وحده. لأول مرة منذ تحول مصر إلى جمهورية عام 1953، صار رأس السلطة بشخصه وصفته فى مرمى النقد المباشر من وسائل الإعلام، فى مقابل محاولات من السلطة لتحجيم الإعلام وإسكاته عبر المطاردات القانونية أو الحصار الصريح من الأتباع والمؤيدين، فى حرب تصاعدت ولم تنتهِ إلا بتحقيق الرئيس المعزول لمصير الجماعة التراجيدى المحتوم، الذى قضى على أبنائها بالموت، بينما يشهد باقى أبناء الجماعة كشعب أوديب بؤسًا مقيمًا لا يمكن التنبؤ بمداه.
