«ارزقنا يا كريم».. قالها «الريس حودة» ثم اطلق العنان لشباكه تأخذ طريقها على ساحل البحر فى منطقة بحرى، قبل أن ترسل الشمس أشعتها الأولى، واستيقاظ البشر من نومهم الهادئ.. هكذا يبدأ «حودة حسونة» يومه فى السادسة صباحاً من كل يوم، متشفعاً بدعوات وصلوات لربه فى صلاة الفجر بأن يرزقه اليوم، وتصيب شباكه خيراً وفيراً. على صوت نغماتهم التى تلهمهم قوة أثناء العمل، وحركاتهم المنتظمة أثناء سحب الشباك، يتجمع العديد من المارة، يبدأ أولهم فى التقاط أطراف الحبال لسحب الشباك، مرتدياً صديرى اختفى لونه الأبيض تحت كتل من الشحوم، وسروالاً فضفاضاً معصوباً برباط ضخم حول خصره، يربط بها الحبال حتى لا تهرب منه، ومن خلفه ما يزيد على عشرين آخرين يكررون نفس العمل، لتجميع شباك تغطى ما يزيد على 500 متر فى عرض البحر. المشهد من بعيد يبدوا فلكلورياً.. بالقرب من محطة الرمل وشواطئ بحرى، يتجمع صيادون على قوارب صغيرة بكل منها مايزيد على 30 صياداً، يلقون شباكهم مطلع الفجر وينتظرون غروب الشمس حتى تأذن لهم بجمعها ورؤية ما حصدته لهم طوال يوم عمل شاق فى مياه «المالح». «نعمل إيه.. الحيتان فى حلقة السمك ما نقدرش نقف بقواربنا الصغيرة أمامهم.. هما عندهم مراكب شنشولا وجر بمواتير بتلم السمك فى أقل من ساعة».. يبدأ «الريس حودة» حديثه عن أسباب تجمع العديد من الصيادين داخل بوغاز الميناء الشرقى للصيد بهذه الطريقة، فهم يمثلون الجانب الآخر من الصيادين «الأرزقية» كما يسميهم، ممن لا يستطيعون العمل داخل الميناء الشرقى وحلقة السمك، تجمعهم قواربهم الصغيرة التى اشتركوا فى ثمنها، ورزقهم اليومى يتم تقسيمه عليهم بالتساوى. «كل واحد مننا له مكان بيصطاد فيه ومحدش بيدخل على التانى».. كانت هذه أولى البنود فى قائمة اللوائح التى وضعها الصيادين بينهم شفهياً، والتى تربط عملهم فى المياه فيما تشبه «مدونة سلوك» اجتمعوا عليها.. فبين كل قارب صغير فى المياه توجد مسافة يحدد نهايتها الحد الفاصل من نهاية شبكة كل صياد لتبدأ معها منطقة أخرى لمجموعة جديدة من الصيادين، يمارسون نفس العمل. معاناة الصياد «الأرزقى» كما سمى «الريس حودة» نفسه، أوجزها فى حالة الأحباط التى تتملكهم كجماعة عند إلقاء الشباك وتخرج لهم خاوية.. لحظات يرويها ويتملكه اليأس متذكراً إحدى المرات التى غطت شباكه مساحة كبيرة من المياه، وانتظر حتى العصر على أمل أنها ستخرج له بخير وفير كالمعتاد، وكانت المفاجأة أن أخرجها فارغة إلا من بعض أسماك «السردين» التى علقت على حواف شباكه.. «بنقع على الأرض محبطين لأن مجهود 12 ساعة فى عرض البحر ضاع.. لكن الرزق بتاع ربنا فى الأول والآخر».. هكذا يروى حال الصيادين وقت ضياع مجهودهم اليومى، وقناعتهم بما لاقوه. الإمكانيات الاقتصادية وعدم توافر «موتور» للصيد كانت أهم المشاكل التى تحدث عنها «الريس حودة» والتى تواجه «الصيادين الغلابة»، كما يسميهم.. بالإضافة إلى شهور منعالصيد فى مايو ويونيو وشهور النوات التى تبدأ من نوفمبر لأبريل.. «يبقى الصياد مالهوش إلا شهر أغسطس وأكتوبر ونوفمبر يصطاد فيها.. الصياد فعلاً تعبان أوى».