أكد عدد من مسؤولى المتاحف وقطاع السياحة فى محافظة الإسكندرية أن تفجيرات كنيسة القديسين مار مرقس والبابا بطرس خاتم الشهداء، أول أيام العام الجارى، ستؤدى إلى تراجع نسبة حجوزات السياح الأجانب لزيارة الثغر بنسبة 25%، فيما قلل آخرون من تداعيات الأزمة مؤكدين أن حركة السياحة لم تتأثر بشكل كبير، وأن هناك إقبالا على زيارة بعض المتاحف، فى الوقت الذى شهدت فيه هذه المتاحف والأماكن الأثرية إجراءات أمنية مشددة، منها منع ركن السيارات بجوارها وتفتيش الزائرين. قال اللواء إيهاب فاروق، وكيل وزارة السياحة السابق، إن حادث تفجيرات كنيسة القديسين كان وقعه شديداً جداً على جميع المصريين مسلمين ومسيحيين على السواء. وأضاف فاروق ل«المصري اليوم»: «لابد من اتخاذ الدولة إجراءات أعتبرها (تحفيزية) من شأنها تشجيع الجاليات الأجنبية على التواجد المستمر فى الإسكندرية، باعتبارها كانت قديما مدينة تمزج بين مختلف الثقافات والأطياف الأدبية والتاريخية من مختلف العصور والأزمنة، مشيرا إلى ضرورة العمل على إيجاد مزيد من فرص العمل وتشجيع الاستثمار الأجنبى». وتوقع فاروق انخفاض معدلات الإقبال على زيارة المحافظة من جانب السائحين الأجانب إلى أكثر من 25%، مشدداً على ضرورة اتخاذ إجراءات من شأنها القضاء على التطرف والتشدد الدينى وإعلاء قيم المواطنة الحقيقية وحقوق الإنسان ودراسة مطالب جميع الفئات المجتمعية لتحقيقها شريطة أن تكون مطالب مشروعة. وطالب بوقف الخطاب الدينى الذى وصفه ب «الاستفزازى»، خاصة أن دوره المنوط به هو إعلاء القيم والمبادئ الإيجابية، مشيرا إلى أهمية تحرك الدولة للعمل من أجل التغلب على تراجع النشاط السياحى التى ستحدث خلال الفترة المقبلة بسبب تفجيرات القديسين، لافتا إلى أنه من المعروف خلال »السيزون« العادى خاصة فى أعياد الكريسماس ورأس السنة أن هناك عائلات تتطلع إلى قضائها خارج بلادها وأغلبها يكون فى مصر، حيث يوجد العديد من الأماكن السياحية والأثرية فى البلاد مثل الأقصر وأسوان وشرم الشيح والغردقة. وأكدت الدكتورة هبة نعيم، أستاذ بقسم الآثار اليونانية الرومانية فى كلية الآداب جامعة الإسكندرية، تدنى نسبة الإقبال السياحى من جانب الأجانب على زيارة الأماكن السياحية فى مصر والإسكندرية بشكل خاص بسبب تفجيرات كنيسة القديسين إلى أدنى المستويات، خاصة فى ظل استمرار التهديدات الأجنبية على مواقع الإنترنت. وتابعت نعيم:«السياحة فى ظل هذة التهديدات ستتأثر بشكل كبير جدا، ومن يقل غير هذا فسيكون مجاملاً بلا شك، خاصة أن بعض التنظيمات غير الشرعية تواصل تهديداتها بكل بجاحة واستفزاز بأن ما حدث فى كنيسة القديسين لا يعدو كونه مجرد »قطرة« من بحر، متسائلة :«أى إنسان عاقل سوى قد يرغب فى تقديم كفنه على يد مجموعات منحرفة لا تؤمن بدين وليس لديها إنسانية؟«. وقال مازن سلمان، مدير قلعة قايتباى، إن إيرادات «القلعة » انخفضت، مؤكدا أنه تم اتخاذ إجراءات أمنية مشددة وتكثيف الحراسات على أبواب القلعة من خلال التواجد الأمنى من ناحية ومنع وقوف سيارات مريبة حول المبنى أو الشارع الرئيسى الموصل إليها والتعامل مع أى سيارة تقف أمام مبنى القلعة بشكل سريع من جانب الأمن. وقللّت منى رمضان، مدير متحف المجوهرات الملكية، من تداعيات الأزمة نافية وجود تأثير لتفجيرات كنيسة القديسين والتى وقعت قبل أيام وراح ضحيتها العشرات من الضحايا والمصابين، مشيرة إلى أن حركة السائحين لم تتأثر بالحادث والمتحف يستقبل العشرات منهم يوميا ولا يوجد أى تدن لنسبة الإقبال على زيارة المتحف. وأكد الدكتور إبراهيم درويش، المشرف العام على الإدارة المركزية لمتاحف وآثار الإسكندرية، أن حركة السياحة والإقبال على زيارة المتاحف والمواقع الأثرية ستتأثر بلا شك بشكل كبير خلال الأيام المقبلة بسبب التفجيرات الأخيرة خاصة بالنسبة للسائحين القادمين إلى المحافظة، بخلاف الموجودين حاليا فإنهم لم يتأثروا بالأزمة لأنهم يزورونها بالفعل. وأوضح درويش أنه أصدر تعليمات بناء على توجيهات من الدكتور زاهى حواس، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، بتشديد الإجراءات الأمنية والتفتيشية على جميع منافد وأبواب المتاحف والمواقع الأثرية داخل المحافظة على غرار ما يحدث فى متاحف الجمهورية لتأمينها واتخاذ الإجراءات اللازمة تجاه أى تصرفات غريبة ومريبة من الممكن أن تتسبب فى حدوث خلل فى المتاحف. وأكد أن الإجراءات المتبعة فى جميع المتاحف تتضمن منع وقوف أى سيارة على الإطلاق باستثناء أتوبيسات السياحة التى تقل السائحين من وإلى المتاحف وتشديد إجراءات التفتيش الخاصة بالبوابات مثل الأشخاص وحقائب أى شخص يدخل المتحف دون استثناء لتحقيق الأمن، فضلا عن إخلاء جميع الشوارع والأزقة المحيطة بالمتاحف والتى تقع أمامها مشيرا إلى أنه فى حالة وجود اشتباه فى أى من الأشخاص أو الحقائب واحتوائها لأجسام غريبة تتم إحالة الأمر إلى قائد شرطة المتحف للتعامل معها فوراً. وأشار إلى أن الحادث للأسف الشديد كان مُصاباً أليماً تجاه إخواننا المسيحيين، لافتا إلى أن موظفى المتاحف من الإخوة المسيحيين متفهمون الأمر جيداً، ويعلمون أن من يقوم بمثل هذا العمل الإجرامى يستحيل أن يكون لديه دين أو عقيدة أو حتى إنسانية من الأساس، وأننا كمسلمين نشاطرهم العزاء فى مصابهم، لأننا جسد واحد ومواطنون إخوة وتربطنا علاقات تاريخية أقوى من أن تؤثر عليها يد أى خائن أو غادر. ونفى محمد حسين عتمان، رئيس الإدارة المركزية للسياحة والمصايف فى المحافظة، وجود أى تأثير بشكل مباشر على حركة السياحة فى المحافظة نتيجة تفجيرات كنيسة القديسين. وتوقع عتمان حدوث طفرة كبيرة جداً فيما يتعلق بالسياحة الداخلية خلال فترة إجازة نصف العام فى الشواطئ ومناطق الآثار والمتاحف بالثغر. وأوضح محمد على، مدير عام بقطاع الآثار المصرية فى المجلس الأعلى للآثار، مدير عام المسح الأثرى فى المحافظة، أن الحادث لن يؤثر بشكل كبير على زيارات الأجانب للمواقع الأثرية والمتاحف خاصة أن الأمور فى طريقها إلى الاستقرار وتم احتواء الاحتقان من جانب عقلاء الجانبين المسلمين والمسيحيين، مشيرا إلى أنه لن تفلح أى يد خارجية فى النيل من أمن واستقرار البلاد وإحداث الوقيعة والفتن الطائفية بين عنصرى الأمة لأنه- بحسب قوله- حدث عابر ولن يتكرر مرة أخرى. وقال أحمد عبدالفتاح، المشرف العام على آثار ومتاحف المحافظة، إنه تم إنشاء كنيسة القديسين التى شهدت أحداث التفجيرات منذ أيام فى عام 1971 وكانت قطعة الأرض المقامة عليها الكنيسة عبارة عن جبل، مشيراً إلى أن المساحة التى أُقيمت عليها الكنيسة فى ذلك الوقت كانت لا تتعدى نحو 20 متراً على الأكثر، وكانت عبارة عن ورشة صناعية تحولت فيما بعد إلى »كنيسة القديسين مار مرقس والبابا بطرس خاتم الشهداء». وقال جوزيف ملاك، نائب رئيس مركز الكلمة لحقوق الإنسان، إن البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، زار كنيسة القديسين مرتين، وتعد من الكنائس القلائل جداً التى زارها قداسة البابا حيث كانت الزيارة الأولى بعد افتتاحها فى عام 1972 والثانية فى عام 1976. قال أحمد شاكر عبدالعزيز، أمين سر غرفة السياحة بالمحافظة، إن تأثير حادث كنيسة القديسين على السياحة فى مصر، والإسكندرية على وجه الخصوص، لن يكون بشكل كبير لأنه لم يستهدف ضرب السياحة بقدر استهدافه الإضرار بنسيج المجتمع المصرى ذاته. أضاف «شاكر» أن شركات السياحة بالمحافظة نفذت جميع برامجها السياحية التى كانت مقررة دون إلغاء لأى برنامج سياحى منذ وقوع الحادث، ولم يتراجع السياح عن تنفيذ برامجهم رغم علمهم بالواقعة، وأصروا على استكمال برامجهم دون قلق. وتوقع «شاكر» عدم إلغاء الوكلاء الأجانب أى برنامج بعد عودتهم من اجازات أعياد الميلاد، نظرا للنشاط الذى قامت به هيئة التنشيط السياحى على المستوى الدولى، خلال الأيام القليلة المنقضية، لإزالة أى آثار لذلك الحادث على الحركة السياحية فى مصر، وإقناع الرأى العام الدولى بعدم استهداف السياحة فى مصر. وأكد «شاكر» أن الحركة السياحية بجميع منشآتها وهيئاتها تحظى بإجراءات أمنية مكثفة عقب وقوع الحادث، ورغم عدم توجيه تهديدات للسياحة، إلا أن قوات الأمن تتولى تأمين الفنادق والسياح خلال تنفيذ برامجهم طوال فترة الزيارة، مع تشديد الإجراءات بجميع أشكالها ومراحلها. من ناحية أخرى، توقعت حنان وفقى، مدير عام أحد الفنادق الكبرى بالمحافظة، أن تتأثر الحركة السياحية بشكل محدود فى مصر بشكل عام، والإسكندرية على وجه الخصوص، مشيرة إلى أن الحادث يعد الحادث الإرهابى الأول من نوعه فى المحافظة، لافتة إلى أن الأحداث التى كانت تقع من قبل كانت شأنا داخليا، لكنها عادت لتقول إن مدى التأثير على الحركة السياحية يتوقف على طريقة تعامل الأجهزة المعنية بالدولة مع الواقعة على المستوى الدولى، بما يتطلبه ذلك من حملات دعائية، وتنشيط إعلامى، وإبراز صورة مصر وأمانها فى مختلف المحافل السياسية والاقتصادية والسياحية على حد سواء. وأضافت «وفقى» أن نسبة الإشغال فى فنادق الثغر وصلت ليلة رأس السنة إلى 100% من السياحة الأجنبية، بالإضافة إلى ارتفاع عدد الليالى السياحية بالمحافظة من ليلة واحدة إلى 4 ليال للفرد، خلال السنوات القليلة الماضية، نتيجة لرواج السياحة الثقافية بعد افتتاح مكتبة الإسكندرية، مشيرة إلى أن أى حادث من شأنه التأثير ولو بقدر ضئيل على حركة الرواج. كما لفتت إلى أن ردود أفعال الأجانب المتواجدين بفنادق الثغر على الحادث لم تكن تتسم بالفزع أو الخوف، بقدر ما كانت تعبيرا عن مشاعر التعاطف مع المصريين الذين كانوا يستعدون لاستقبال عام جديد، حاملين معهم أحلاما وآمالا عديدة، لم يتمكنوا من تحقيقها فى العام المنصرم، فإذا بأيادى الغدر تغتالهم هم وأحلامهم فى لحظة مفجعة. وأوضحت «وفقى» أن تأثير الحادث سيظهر بعد انتهاء العطلات وإجازات الأعياد فى أوروبا وعودة مسؤولى شركات السياحة هناك للعمل، حيث سيتضح بعدها هل سيتم تنفيذ البرامج السياحية المتفق عليها أم سيكون هناك إلغاء لبعض هذه البرامج. وعلق «فابيو ماريا»، إيطالى الجنسية، ويقيم فى أحد فنادق المحافظة، وكان متواجدا أثناء وقوع الحادث، قائلاً: «أصبح الإرهاب ظاهرة دولية، تعانى منها جميع الدول، ونحن نعلم تماما أن الإرهاب من الممكن أن يطال الشخص فى أى مكان وليس فى مصر فقط». وتابع «ماريا»: «ما يثير الألم هو الأبرياء الذين يقعون ضحايا منظمات إرهابية، تضع أجندة للتأثير على بعض الدول بأعمال غير إنسانية». فيما أكدت «مارى»، فرنسية الجنسية، أنها لم تشعر بخوف مما جرى، لكنها عبرت عن أسفها للضحايا واعدة بتكرار زيارتها إلى مصر والإسكندرية بشكل خاص، تحديا للإرهاب الذى يحدث، حيث تعد هذه زيارتها الأولى. وأضافت «مارى» أنها علمت بالحادث منذ وقوعه، وتتابع تطوراته عبر المواقع الإخبارية على شبكة الإنترنت، لكنها عبرت عن استيائها لأنها تقرأ الكثير من المعلومات، التى تؤكد أنها تخالف الحقيقة التى تراها، فتقول: «أتابع الأخبار عبر المواقع الدولية، إلا أن الكثير من المعلومات التى أراها تختلف عما أراه فى الواقع، فحينما أبحث عن اى شىء على أرض الواقع يدعم القول بوجود فتنة أو احتقان طائفى بين المسلمين والمسيحيين، أجد عكس ذلك تماما، فمن الواضح تماماً أن هناك تكاتفا بين المسلمين والمسيحيين فى مصر، فلماذا يتعمد البعض تصوير عكس ذلك لتشويه سمعة مصر؟». من جانبها، رفضت مها طاهر، رئيس هيئة التنشيط السياحى بالمحافظة، التعليق على الموضوع بعد أن علمت به خلال اتصال هاتفى معها، ولم ترد على تليفون «إسكندرية اليوم» فى عدة محاولات أخرى.