ما فادتنى معرفته إلا فى شئ واحد: عرفت نوعية سجائره الفرنسية التى يشتريها و يدخنها بنهم على سبيل التشبه ب(سارتر) الذى قال أن السجائر خبز المثقفين...حتى إذا فكرت أن أُدخن سأُدخنها لأنه نهم لها بشكل غير طبيعى... تكونش شوكالاطة ؟! كان طويل القامة، نحيف... شعره منكوش حول رأسه على طريقة(أحمد حلمى) فى فيلم (أسف على الإزعاج)... و كان تقريباً يرتدى نفس النظارات الطبية التى تحمل ماركة (راى بان)... و كوتشى اديدس... و ساعة أرمانى... قميص ووشاح من دولشى اند جابانا... و بنطلون جينز ليفز... و شنطة ريبوك... كان الفضول يقتلنى أن أعرف ماركة فانلته الداخلية؟ كان منفعلاً و كان يلوح بالسيجارة فى وجهى... -"الشعب الكادح... "قالها فى عصبية" الناس اللى حوالينا دى... شايفة ماشيين إزاى... شايفة الست اللى هناك دى راضية بوضع و بمظهرعامل إزاى... دى واقفة بقالها ساعة مستنية أتوبيس يا تلحقه يا تلحقوش... و لو لحقته هتشوف فيه من الذل و الإهانة اللى لا يحتمله بشر... الست دى فقدت حواسها... إنتهت... كل ده عشان معهاش أجرة وسيلة مواصلات تحفظ كرامتها النفسية و الجسدية..." ألقى السيجارة أرضاً و أخرج أخرى من العلبة و أشعلها فى عصبية: -"تفتكرى أصل المشاكل دى كلها منين؟" فكرت قليلاً: -"نتيجة طبيعية لتراكم أخطاء مائة جيل؟ صاح مغتاظاً: -"ليه ترمى الغلط على الغلابة... ليه عاوزة تحسسينى إنها طبيعة شعب... ليه مش عاوزة تقولى إن الحكومة السبب؟ لما الفئة المثقفة فى البلد دى تبقى جبانة... مين اللى هياخد حقوق الناس دى؟!" قلت و أنا أتأمل بطرف عينى زجاج سيارته الأمامى الذى يحمل شعارات نادى سبورتنج و نادى القضاة و شعار كلية الطب جامعة الاسكندرية الخاص بهيئة التدريس: -"طيب الحكومة تتحمل مسئولية فسادها ماشى... لكن تتحمل مسئولية غباء الشعب دى واسعة شوية... لو أنكرت إن الشعب بشكل ما ساهم فى فساد الحكومة الحالية و الحكومات اللى قبلها و الحكومة الجاية إن شاء الله يبقى أنت مش عايش فى الدنيا" سرحت ببصرى فى الأفق و أشرت: "شايف الجدع اللى ماشى مع البنت الصغيرة هناك ده... الراجل الغلبان الكادح ده لسة طالب من فلانة زمليتنا تعمل عملية ختان لبنته... حاولت أقنعه إن ده غلط و يهديك يرضيك... يا حج مينفعش يا حج ده قانونيا و أخلاقيا غلط... مفيش... كل اللى عمله إنه بصلى من فوق لتحت -مفيش داعى أقولك ليه- و كمل كلام مع زميلتنا لأنه (إرتاح لمنظرها) وتخيل إنها هتسايره فاللى هو عاوز يعمله... طبعاً ده مستشفى حكومة ولو حصل حاجة زى دى هنتعلق كلنا زى عجول السلخانة ده بصرف النظر إنى كنت هبلغ عنها لو عملت كده... تلاقيه هيركب الأتوبيس المهين بتاعك اللى هيهين إنسانيته وكرامته عشان يشوفله داية ولا دكتورة من تحت السلم تعمله اللى هو عاوزه..." -"و ليه متقوليش ان إهمال الحكومة هو السبب..الحكومة لو كانت أدت أدنى إهتمام للتعليم و التوعية مكنش ده حصل..." -"و ليه متقولش انها طبيعة... ساسة و شعب... الساسة خربانين لأنهم من الشعب الخربان... البلد دى مفهاش أمل غير انها تتنسف بقنبلة نووية تبيد جنس المصريين ده من على وجه البسيطة ونجيب أى جنس تانى إن شا الله من بلاد الواء الواء" -"الروح الإنهزامية... و الإحساس بالإضطهاد... للأسف سنين القمع الحكومى عملت المواطن المروض... و المثقف اللولو... اللى يثور من جواه و بس... أو يطلع غله و عقده على خلق ربنا... زى ماأنتى بطلعى عقدك فى شكل قصص أبطالها كلهم بيتعذبوا... تعذبى البطل و تعذبى نفسك و تعذبى اللى بيقرا... ماسوشية ملهاش أى مبرر غير انك بتفشى غلك" -"و المطلوب يا عم البولدوج؟" -"المطلوب إنك تنفذى ولو واحد فى المية من أى حاجة أنتى مؤمنة بيها... أنتى عرفتى كام مرة ان فى وقفة إحتجاجية ومرحتيش... كام مرة ان فى مظاهرة و مطلعتيش... دا أنتى حتى فى أيام اللبش بتخافى تروحى كنيستك -رغم معرفتك بالجانى الحقيقى و انه لايمكن يكون جارك أو زميلك المسلم... بتخافى لو حد إتطاول عليكى بكلمة قبيحة خادشة تديه بالجزمة... بتخافى تفاصلى فى أجرة التاكسى... أنتى مبتخفيش من أيه أساسا ؟!" -"مبخافش من الجوافة..." قلتها فى برود حقيقى، وأنا أتأمل نسر وزارة الداخلية على الزجاج الخلفى لسيارته... ****************************************************** البحر بيضحك ليه؟ وأنا نازله أدلع أملا القلل البحر غضبان ما بيضحكش أصل الحكاية ما تضحكش البحر جرحه ما بيدبلش وجرحنا ولا عمره دبل مساكين بنضحك من البلوة زي الديوك و الروح حلوة سارقاها من السكين حموة و لسة جوا القلب أمل قللنا فخارها إناوي بتقول حكاوي و غناوي يا قلة الذل أنا ناوي ما شرب و لو في المية عسل والبحر بيضحك ليه ... ليه وأنا نازلة أدلع أملا القلل..!!! (أحمد فؤاد نجم)