يوم الجمعة الماضى، سيظل يوماً مشهوداً لفترة طويلة فى تاريخ قرية الدراكسة مركز منية النصر، بمحافظة الدقهلية. وصلتُ إلى القرية ليلة الخميس فإذا بكل رجالها ونسائها وشبابها وأطفالها، مشغولون بزيارة «الشيخ محمد حسان» للقرية لإلقاء خطبة الجمعة فى مسجد الزاوية، كان الهم الأعظم لكل مواطن: كيف سيتمكن من حجز مكان قريب من «المنبر»، أو على الأقل مكان داخل بهو المسجد وليس خارجه لكى يحظى برؤية الشيخ حسان وهو يلقى خطبته؟. فى التاسعة من صباح الجمعة، لم يتمكن أحد من العثور على موطئ قدم داخل المسجد ولا خارجه، فقد توافد آلاف المواطنين من القرى المجاورة، وامتلأت ساحات المسجد وكل الطرقات والشوارع المؤدية إليه بآلاف المشتاقين إلى رؤية الشيخ حسان والاستماع إلى موعظته. فى زاوية ما من ساحة المسجد الداخلية نصبت قناة «الرحمة» كاميراتها لتسجيل خطبة الجمعة، تمهيداً لإذاعتها فى السابعة من مساء اليوم ذاته. كانت المشاهد التى نقلتها الكاميرات لجموع المصلين وهم مأخوذون بالشيخ، كافية لأن أدرك شئت أم أبيت أننى أمام «شيخ» يجتمع على حبه والإعجاب به والثقة فيه عشرات الآلاف من المواطنين المثقلين بهموم البطالة والفقر وانعدام الخدمات الصحية وتدهور إنتاجية المحاصيل.. ويشاركهم الإعجاب ذاته بالشيخ رجال الشرطة وقيادات الحزب الوطنى وموظفو المحليات والأوقاف. هل هناك أحد آخر فى مصر يستطيع أن يجمع هذا الحشد الهائل من البشر للاستماع إلى مواعظه.. وهل بإمكان مفكر أو مصلح اجتماعى أن يحظى بثقة الحكام والمحكومين فى آن واحد.. مثل الشيخ حسان وزملائه؟ إنه وضع استثنائى إذن، يتمتع به الشيخ حسان، ويفرض عليه أن يختار خطاباً دينياً يرضى جميع الأطراف.. ويحظى بإعجاب الظالم والمظلوم، ويستدر دموع الذئب والحمل، وينتزع تأوهات الإعجاب من المرضى والمتاجرين بالأمراض.. والأهم من ذلك كله أن يضغط بدهاء مفرط على مشاعر الذنب لدى الجميع، فكلنا مذنبون بدرجة أو بأخرى، وكل ما نحن فيه من مرض وفقر وبطالة وتخلف هو عقاب ربانى. ولكن.. أما من مخرج يا شيخ حسان؟ أما من نهاية لأمراضنا وفقرنا وتدهور إنتاجية محاصيلنا وبطالة عيالنا؟. الإجابة حاضرة.. واسمعوا هذه الحكاية التى جلجل بها الشيخ: كنت فى مكةالمكرمة.. فإذا برجل كبير فى السن يستوقفنى ويستحلفنى بالله أن أستمع إلى قصته.. وقال الرجل: أنا تاجر من دمياط.. أملك أموالاً طائلة.. وفجأة أصبحت قعيداً لا أتحرك.. أصابنى شلل نصفى.. سافرت إلى لندن وأمريكا للعلاج ولكن حالتى زادت سوءاً، وفى أحد الأيام ناديت على أبنائى وأمرتهم أن يذهبوا بى إلى «الملك» فى بيته.. فحملونى فى طائرة خاصة إلى «الكعبة».. وأمرتهم أن يعودوا إلى دمياط ويتركونى مع الملك، وبعد انصرافهم أخذت أنادى عليه: يارب.. والله لن أغادر بيتك إلا ساعياً على قدمى أو تقبض روحى إليك.. وأخذت أردد النداء حتى هدنى التعب وغلبنى النوم.. وفجأة سمعت من ينادينى: قوم امشى.. قوم امشى، فنهضت مفزوعاً.. وإذا بى سليماً معافى من الشلل.. لقد استجاب «الملك» لرجائى. تلك هى إجابة الشيخ التى استدرت دموع المصلين.. ولكنها أيضاً دفعتنى إلى التساؤل: ألا ينبغى أن يدلنا الشيخ «حسان» على هذا الرجل الدمياطى.. لكى نجرى معه حوارات صحفية وفضائية حتى تعم الفائدة؟، والأهم من ذلك.. ما الذى يفعله المرضى الفقراء العاجزون عن حجز طائرة خاصة للذهاب إلى الملك فى بيته.. ألا توجد طريقة ترحمهم من آلامهم وترحمهم من الذل على أبواب المجالس الطبية المتخصصة يا شيخ حسان؟! [email protected]