قرأت بالإعزاز والتقدير مقال وزير المالية يوسف بطرس غالى بصحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية بتاريخ 5/11/2010. وأنا أنتقى منه ثلاث أفكار هى على النحو الآتى: * تحذير من وقوع مصر فى أيدى المتطرفين الذين هم أول بديل للحزب الوطنى الديمقراطى الذى هو قادر على تحقيق التنمية. * البديل الرئيسى لرؤية الحزب الوطنى الديمقراطى لن يكون إلا من صنع أولئك الذين سيقودون البلد، بعيداً عن الليبرالية الاقتصادية والتسامح الدينى والتقدم الاجتماعى ونحو مزيد من الأصولية وخلق دولة دينية. * ينبغى أن يكون ثمة مجال للبدائل العلمانية النابضة للحياة وبعد ذلك ثمة سؤالان: هل الأصوليون هم البديل للحزب الوطنى الديمقراطى؟ وهل الأصوليون فى الطريق إلى إعلان الدولة الدينية أم هم فى الطريق إلى إعلان مشروعيتهم فى المجال السياسى؟ أبدأ بالسؤال الأول وأتساءل لأجيب: هل ثمة تناقض بين الحزب الوطنى الديمقراطى والأصولية الدينية؟ أظن أن الجواب بالسلب، وحجتى فى ذلك مردودة إلى المادة الثانية من الدستور التى تبناها الحزب الوطنى الديمقراطى والتى تنص على أن «الإسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع»، الأمر الذى يترتب عليه منطقياً ضرورة التصريح بالعمل السياسى للحزب الذى يقرر أنه هو الممثل لهذا النوع من التشريع، وضرورة عدم التصريح بالعمل السياسى للحزب الذى يقرر رفض تطبيق المادة الثانية. وتأسيساً على ذلك يمكن القول بأن الإخوان المسلمين وهم الذين يرفعون شعار «الإسلام هو الحل» هم الحزب المشروع، ومن ثم لا يصح منطقياً أن يقال عنه إنه حزب محظور. وحيث إن الحزب الوطنى الديمقراطى ملتزم بتطبيق المادة الثانية فإنه، فى هذه الحالة، يدخل فى علاقة عضوية مع حزب الإخوان المسلمين، بمعنى أن يكون امتداداً مشروعاً لحزب غير مشروع، وهذا تناقض غير مشروع. وإذا رفضنا هذا التناقض يكون الوضع القائم على النحو الآتى: حزب الإخوان المسلمين هو الأصل والحزب الوطنى الديمقراطى هو الفرع. هذا عن السؤال الأول، فماذا عن السؤال الثانى: يقول وزير المالية يوسف بطرس غالى إن الأصوليين، فى حالة استيلائهم على السلطة، سيقودون البلد بعيداً عن الليبرالية. والسؤال إذن: ما الليبرالية؟ الليبرالية تعنى أن سلطة الفرد فوق سلطة المجتمع، والوضع القائم يشى بأن السلطة الدينية، سواء كانت إسلامية أو مسيحية، هى التى تتحكم فى الفرد، ولا أدل على ذلك من أنه إذا تمرد الفرد على السلطة الدينية فإنه يخضع للمحاكمة وتوجه إليه تهمة الإلحاد والكفر والزندقة، وليس من سبيل للإفلات من هذه التهمة. وأظن أن يوسف بطرس غالى قد شعر بنوع من الحرج فى القول بأن الحزب الأصولى هو البديل للحزب الوطنى الديمقراطى فاستطرد قائلاً بلزوم وجود مجال للبدائل العلمانية النابضة للحياة. والسؤال إذن: ما الذى دفع يوسف بطرس غالى إلى إثارة العلمانية بديلاً احتياطياً للحزب الوطنى الديمقراطى؟ وأجيب بسؤال: هل معنى ذلك أن يوسف بطرس غالى متشكك فى قدرة حزبه على كبح جماح الأصوليين؟ أظن أن الجواب بالإيجاب. وإذا كان ذلك كذلك فمعنى ذلك أن الحزب الوطنى الديمقراطى ليس حزباً علمانياً. وإذا لم يكن كذلك فماذا يكون؟ أظن أن هذا السؤال تعبير عن أزمة الحزب. والأزمة هنا مردودة إلى التناقض الحاد بين الأصولية والعلمانية، ويشهد على هذا التناقض أمران. الأمر الأول بحكم تعريفى لكل من العلمانية والأصولية، إذ العلمانية هى التفكير فى النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق، أما الأصولية فهى التفكير فى النسبى بما هو مطلق وليس بما هو نسبى. والأمر الثانى بحكم مسار الحضارة الإنسانية. ففى عام 1928 بزغ حدثان: الحدث الأول انعقاد المؤتمر الدولى للإرساليات المسيحية فى القدس فى مارس من ذلك العام، وجاء فيه أن المنافس الخطر للمسيحية ليس وارداً من الإسلام أو البوذية أو الهندوسية أو الكنفوشية، إنما هو وارد من العلمانية التى تفشت فى عالم اليوم إلى الحد الذى يمكن أن يقال فيه إن حضارة اليوم هى حضارة علمانية. والحدث الثانى نشأة حزب الإخوان المسلمين فى مواجهة العلمانية التركية، بزعامة كمال أتاتورك، وذلك فى عام 1928. وتأسيساً على ذلك كله يمكن القول بأن الحزب الوطنى الديمقراطى إما أن يكون حزباً علمانياً أو لا يكون.