جلسته على الرصيف، وقراءته القرآن بصوت مرتفع، بالإضافة إلى ظرف إعاقته وعدم إبصاره، كلها تصب فى اتجاه واحد، إنه شحاذ، لكن ما إن تقترب إليه يد وتمد له المساعدة، فإذا به ينتفض ويردها لصاحبها قائلا فى ابتسامة: «مش أنا اللى محتاج المساعدة، إنتوا اللى محتاجينها». من تستوقفهم كلماته أكثر ممن يغادرونه، لكنه فى الحالتين يسهب فى شرحها: اللى زيى غنى بالقرآن، ويمكن أغنى منكم كلكم، صحيح ماحلتيش غير معاشى 270 جنيها، لكن الغنى غنى النفس.. أكثر من 20 عاما ورشاد عبدالعليم يردد هذه العبارات، وقد يزيد الأمر إلى حد أن يروى قصته: جالى برد وأنا ابن 10 سنوات عملى سخونية، أفقدتنى الإبصار، ومن وقتها تغيرت حياتى، خرجت من المدرسة ودخلت مؤسسة «النور والأمل» فى طنطا واستمررت فيها 6 سنوات وتعلمت القراءة بطريقة برايل. خروجه من المؤسسة فى سن السادسة عشرة، كان بداية معاناته، كان يبحث عن وظيفة يقيه عائدها الإحساس بالعوز، وتكفل له ولأسرته مصدر رزق ثابتا، وتحقق له حلمه وهو فى الأربعين من عمره، ولم يلبث أن خرج إلى المعاش، ومن وقتها وقراءة القرآن للمارة هى عمله وشغله الشاغل. أتم رشاد حفظ القرآن بطريقة برايل فى سن 35 سنة، واستغرق منه 5 سنوات كاملة، ومن وقتها والقرآن زاده حسب تعبيره، حيث اعتاد الخروج من بيته فى الصباح الباكر حاملا معه كرسيا خشبيا ومصحفاً مكتوباً بطريقة برايل، يجلس على ناصية شارعه، ويقرأ القرآن بصوت رخيم وترتيل جيد حتى غروب الشمس، ولا يفارق مقعده إلا للوضوء والصلاة، ويعتبر ما يفعله محاولة لتذكير الناس بالقرآن ومساعدتهم لكى يكون كلام الله فى قلوبهم.. هنا تذكر محاولة حرق المصحف فقال بحدة: والله مهما عملوا كتاب الله محفوظ ليوم الدين، وسيأتى اليوم الذى يقع عليهم غضب ربنا. ولإتقانه التلاوة، وحفظه القرآن كاملا، حاول رشاد أن يعمل محفظا للأطفال لكنه اكتشف أن التليفزيون سرق عقولهم، فتراجع عن الفكرة.