تباين أسعار «العملات الأجنبية» في بداية تعاملات اليوم الثلاثاء    الريال بكام.. تابع أسعار العملات اليوم الثلاثاء 11-6-2024    وزير الإسكان يعلن طرح وحدات سكنية جاهزة للاستلام بمشروع "valley towers"    بعد ارتفاعه.. سعر الدولار في 9 بنوك مع بداية تعاملات اليوم الثلاثاء    وزير النقل يتفقد محطة أسوان للسكك الحديدية ويتابع تطوير ورشة أسوان    تشكيل لجنة مشتركة بين مصلحة الضرائب ووزارة المالية لوضع قانون ضريبي جديد    «المالية»: صرفنا 5 مليارات جنيه من «دعم المصدرين» ل360 شركة بمبادرة «السداد النقدي الفوري»    مقتل 4 عسكريين إسرائيليين بانفجار عبوة ناسفة في قطاع غزة    الخارجية الروسية: مشاكل إيرانية وراء تعليق اتفاق التعاون الشامل    روسيا: تحطم مقاتلة من طراز سو-34 ومصرع طاقمها بالقوقاز    مباريات اليوم.. تصفيات كأس العالم.. ودية منتخب مصر الأولمبي.. وظهور رونالدو    طلبة: تعادل بوركينا فاسو مع سيراليون في صالح منتخب مصر    وزير الرياضة في استقبالها.. بعثة منتخب مصر تصل القاهرة بعد التعادل مع غينيا بيساو (صور)    رسميا.. غياب دي يونج عن منتخب هولندا في يورو 2024    اليوم.. محاكمة 19 متهما ب خلية المرج الثالثة    38 سؤالا لن يخرج عنها امتحان الإحصاء لطلاب الثانوية العامة    وصول آخر أفواج حجاج الجمعيات الأهلية إلى مكة المكرمة    50 صورة لنجوم الفن في العرض الخاص لفيلم "أهل الكهف" عن رائعة توفيق الحكيم    وفاة المؤلف الموسيقي أمير جادو بعد معاناة مع المرض    محافظ الأقصر يبحث التعاون المشترك مع الهيئة العامة للرقابة الصحية    للحجاج، نصائح مهمة تحمي من التعب والإجهاد أثناء أداء المناسك    أحدهم مجهول الهوية.. مصرع 3 أشخاص وإصابة 2 آخرين في حادث سيارتين بأسيوط    موعد مباراة منتخب مصر القادمة في تصفيات كأس العالم 2026 والقنوات الناقلة    فلسطين.. إضراب شامل في محافظة رام الله والبيرة حدادا على أرواح الشهداء    موعد ومكان تشييع جنازة وعزاء الفنانة مها عطية    عصام السيد: وزير الثقافة في عهد الإخوان لم يكن يعرفه أحد    عصام السيد: تغيير الهوية سبب ثورة المصريين في 30 يونيو    8 نصائح من «الإفتاء» لأداء طواف الوداع والإحرام بشكل صحيح    عالم أزهري: دعاء «أهل الكهف» مفتاح الفرج والتوفيق من الله.. ويحقق المعجزات    دعاء اليوم الخامس من ذي الحجة.. «اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك»    وزيرة التنمية الألمانية: هناك تحالف قوي خلف أوكرانيا    انتشال عدد من الشهداء من تحت أنقاض منازل استهدفها الاحتلال بمدينة غزة    شغل في القاهرة.. بحوافز وتأمينات ورواتب مجزية| اعرف التفاصيل    حكم الشرع في ارتكاب محظور من محظورات الإحرام.. الإفتاء توضح    ذاكرة الكتب.. كيف تخطت مصر النكسة وبدأت حرب استنزاف محت آثار الهزيمة سريعًا؟    عيد الأضحى 2024.. الإفتاء توضح مستحبات الذبح    كواليس جديدة بشأن أزمة رمضان صبحي ومدة إيقافه المتوقعة    عيد الأضحى في تونس..عادات وتقاليد    آبل تطلق نظارات الكمبيوتر فيجن برو في السوق الألمانية    إيلون ماسك يهدد بحظر استخدام أجهزة "أبل" في شركاته    عمرو أديب: مبقاش في مرتب بيكفي حد احنا موجودين عشان نقف جنب بعض    احتفالا بعيد الأضحى، جامعة بنها تنظم معرضا للسلع والمنتجات    صحة الفيوم تنظم تدريبا للأطباء الجدد على الرعاية الأساسية وتنظيم الأسرة    مصر ترحب بقرار مجلس الأمن الداعي لوقف دائم لإطلاق النار في غزة    عيد الأضحى 2024.. إرشادات هامة لمرضى النقرس والكوليسترول    الحق في الدواء: الزيادة الأخيرة غير عادلة.. ومش قدرنا السيء والأسوأ    بعد تصريحاته المثيرة للجدل.. إبراهيم فايق يوجه رسالة ل حسام حسن    تحذير عاجل ل أصحاب التأشيرات غير النظامية قبل موسم حج 2024    «جابوا جون عشوائي».. أول تعليق من مروان عطية بعد تعادل منتخب مصر    التحقيق في إصابة 4 أشخاص في حريق مبنى على طريق إسكندرية مطروح الساحلي    قصواء الخلالي: وزير الإسكان مُستمتع بالتعنت ضد الإعلام والصحافة    إبراهيم عيسى: طريقة تشكيل الحكومة يظهر منهج غير صائب سياسيا    بالصور.. احتفالية المصري اليوم بمناسبة 20 عامًا على تأسيسها    وفد من وزراء التعليم الأفارقة يزور جامعة عين شمس .. تفاصيل وصور    منتخب السودان بمواجهة نارية ضد جنوب السودان لاستعادة الصدارة من السنغال    هل تحلف اليمين اليوم؟ الديهي يكشف موعد إعلان الحكومة الجديدة (فيديو)    وزيرة الثقافة تفتتح فعاليات الدورة 44 للمعرض العام.. وتُكرم عددًا من كبار مبدعي مصر والوطن العربي    عالم موسوعي جمع بين الطب والأدب والتاريخ ..نشطاء يحييون الذكرى الأولى لوفاة " الجوادي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تمجيد المرأة والعقل الأجنبى.. وتحقير أنفسنا وزوجاتنا
نشر في المصري اليوم يوم 09 - 11 - 2010

انتشرت فى السنين الأخيرة ظاهرة تحقير الذات وتمجيد الأجانب والأجنبيات، من أمريكا إلى اليابان والصين، مرورا بفرنسا وإنجلترا وهولندا وغيرها، ما إن تسافر واحدة أو واحد من المنتشرين فى الصحف المصرية والإعلام المرئى والمسموع حتى يعود يروى عن العظمة هناك، لا أقول عنها «عقدة الخواجة» التى نشأت فى ظل الاستعمار القديم، بل عقدة جديدة نشأت فى ظل الانفتاح على البضائع الأجنبية التى غزت الأسواق المصرية. من أغشية البكارة الصينية وفوانيس رمضان، إلى أكياس القمامة الأمريكية، وفول مدمس كاليفورنيا.
حين دخلنا سجن السادات فى مذبحة سبتمبر 1981 لم نعرف أسباب الاعتقال، فلم تكن هناك محاكمات ولا سؤال ولا جواب، جاءت العربات المصفحة العسكرية البوليسية وأخذونى إلى سجن النساء بالقناطر الخيرية، لكن الإشاعات كانت تسرى من بين القضبان، سمعت السجانة تقول إن جريمتى هى مقال نشرته جاءت فيه هذه العبارة «حين هبطت إلى مطار القاهرة دهشت لأرى اسم شركة أجنبية مكتوبا فوق ظهور العمال المصريين الذين يكنسون الأرض، هل أصبحنا عاجزين عن كنس قمامتنا؟ هل أصبحنا نستورد كل شىء من المقشة والجاروف إلى الخبز وعصير البرتقال والفول المدمس؟».
همست السجَّانة فى أذنى.. السادات قرأ كلامك وقالهم هاتوها، ارموها فى السجن مع الكلاب، ناوى لكم ع الموت يا ضكطورة، لكنى كنت واثقة أننى سأعيش إلى الأبد، من أين جاءتنى هذه الثقة؟ ربما صوت أمى فى طفولتى لا يفارقنى «نرمى نوال فى النار ترجع سليمة»، أدت الهزائم المتكررة التى منيت بها بلادنا إلى فقدان الثقة بالنفس، والانبهار بقوة الأعداء وتفوقهم، لكن أحد أسباب الهزيمة هو فقدان الثقة فى النفس منذ الولادة، داء ينخر فى عقل الطفلة والطفل الذى يتربى على الخوف من الموت، والحرق فى النار مثل الخروف، يقترن الخوف بالطاعة والولاء للسلطة فى البيت والدولة، حلت كلمة «الولاء» فى القرن العشرين مكان كلمة «العبودية» فى القرن التاسع عشر، وفى هذا القرن الحادى والعشرين حلت كلمة الانتماء بدل الولاء، تخترع النظم الحاكمة فى كل مكان وزمان كلمات بريئة جميلة للتغطية على القبح والجريمة، هناك أسباب كثيرة تمنع العقل من الإبداع والخلق فى كل المجالات، أهمها الخوف من التمرد على السلطة فى البيت والدولة، لم يبدع العقل الأوروبى فى العلم والفن إلا بعد التحرر من الخوف، أولها الخوف من قمع السلطة السياسية والدينية. خاضت أوروبا حروبا دموية طويلة ضد سلطة الإقطاع التى مثلتها الكنيسة، انهزم الإقطاع ومعه الكنيسة ودخل العقل الأوروبى آفاقا جديدة, عجز العقل المصرى (والعربى عامة) عن الإبداع فى مجال العلم خلال القرون الأخيرة، لم نسهم فى اكتشاف الكهرباء أو الطائرة أو علوم الجينات أو علوم الإلكترونيات والتليفون الموبايل، وعلوم نشوء الكون والطاقات الذرية والنووية وموجات خلايا المخ الفكرية القادرة على تحريك الأجسام المادية، هذه العلوم تبدو لنا معجزات ننبهر بها ونحكى عنها بإكبار عظيم، مع السخرية من أنفسنا والإحساس بالضآلة أمام عظمتها، بعض الناس فى بلادنا ينقلون ما يكتب فى الصحف الأوربية والأمريكية دون تشغيل عقولهم، لم يتعلم عقلنا تشغيل نفسه بنفسه، لأننا نتعلم منذ الولادة أن عقلنا ناقص بالطبيعة غير قادر على الخلق. كلمة خلق تفزعنا، لأنها من اختصاص الآلهة وليس البشر، كلمة إبداع أيضا تفزعنا، ترتبط فى وجداننا بالبدع والضلال.
يحترم الرجل العربى أو المصرى زوجته الأجنبية، يعاملها على قدم المساواة، يثق فى عقلها، تلقى امرأة مثل وزيرة الخارجية الأمريكية احتراما كبيرا فى جميع الدول العربية بما فيها دول النفط التى تفرض النقاب والخمار والخيمة السوداء على نسائها، تجلس الوزيرة الأمريكية واضعة ساقا فوق الأخرى أمام الملوك ورؤساء الدول العربية، قد يتعرى جزء من فخذيها، كما كان يحدث مع كوندوليزا رايس ومادلين أولبرايت، ملوكنا ورؤساؤنا يجلسون أمامها فى أدب شديد، يتكلمون بصوت خافت وهى ترفع صوتها وتضحك بأعلى صوتها، كما تفعل هيلارى كلينتون هذه الأيام.
يقولون عن المرأة باللغة العربية أو المصرية العامية «مرة»، فى السجون يأمرون الرجل السجين بأن يقول عن نفسه «أنا مرة»، نوع من التعذيب والإذلال للرجل أشد من الضرب أو الكى بالنار، أو نفخه بالهواء مثل العجلة الكاوتش، أو تغطيس رأسه فى جردل ماء حتى تطلع روحه.
الكاتبة الأجنبية تنال الاحترام والتبجيل فى بلادنا، يقولون عنها مفكرة أو فيلسوفة، تنبهر بها النخب فى بلادنا، ها هى الكاتبة ناعومى وولف، التى نشرت مقالاً بالإنجليزية منذ أيام قليلة، تنتقد فيه قرار الحكومة البريطانية بخفض تمويل الجامعات بنسبة تصل إلى 40%، ينال التخفيض أساسا من العلوم الإنسانية منها الفلسفة والأدب والشعر، تشن ناعومى وولف حربا على هذا الاتجاه الذى يحترم الكيمياء والطب والهندسة، ويحتقر الفن والأدب والشعر والفلسفة وغيرها من التخصصات العقيمة المنحلة، هذه الردة فى التعليم التى بدأها الحزب الجمهورى فى الولايات المتحدة بقيادة رونالد ريجان منذ الثمانينيات من القرن العشرين ثم انتقلت إلى بريطانيا، مع تصاعد اليمين إلى الحكم وتغيير نظام التعليم ليخدم السوق، ويمنع تفتح العقل أو نشوء مجتمع مفتوح.
منذ نصف قرن من الزمان، نشرت كتبا ومقالات (موجودة فى المكتبات حتى اليوم) عن ضرورة الربط فى مناهج التعليم بين العلم والفن، بين الطب والأدب والموسيقى، بين العلوم الطبيعية (الفيزياء، الكيمياء، البيولوجيا، التشريح) وبين العلوم الإنسانية (الفلسفة، التاريخ، الآداب، الفنون التشكيلية، الرقص، الموسيقى، المسرح، السينما).
فى كلية الطب (قبل وبعد التخرج) فى منتصف القرن الماضى، كتبت ضد الفصل بين الطب الجسدى والطب النفسى والرياضى، بين الطب العلاجى الباطنى أو الجراحة، وبين الطب الوقائى والصحة العامة والطب الشرعى، بل إننى طالبت بتدريس الفلسفة والموسيقى والأدب فى كليات الطب، من أجل تخريج طبيبة أو طبيب إنسان متفتح العقل والوجدان، ينظر إلى مهنة الطب كعمل إنسانى وليس كعمل تجارى لبناء العمارات والقصور، وقد تم اتهامى بواسطة النخب الحاكمة بالجهل أو الشيوعية أو الشغب والشطط، لكن حين تقول كاتبة أجنبية هذه الأفكار نفسها بعد مرور نصف قرن فهى مفكرة عظيمة، ورائدة تستحق التقدير، يفتحون لها مجالات الإعلام والصحف، لنشر كلامها ومناقشته بواسطة النخب فى بلادنا.
منذ عشرين سنة أقوم بتدريس مادة جديدة أطلقت عليها اسم «الإبداع والتمرد»، تقوم على إلغاء الفواصل بين الأشياء، أى ربط العلم بالفن، والطب بالأدب، والجسد بالعقل بالروح بالمجتمع، والمادى باللامادى، والبيولوجيا والكيمياء بالأدب والموسيقى، والطبيعة بما وراء الطبيعة، وغيرها من الروابط الضرورية لعلوم المستقبل وفهم نشوء الكون. هذا هو الطريق لبناء العقل الإنسانى المفتوح، الذى يصنع شعوبا حرة مبدعة متمردة على الظلم والكذب والنفاق، لا يمكن خداعها أو تخويفها أو قمعها بأى سلطة فى البيت أو الدولة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.