كان اتصالنا بملف الفساد فى البحر الأحمر تلقائيا محضا، حسبما أوضحت فى مقالى الأول حول الموضوع، إذ كنت فى زيارة عمل بمحكمة الغردقة، وفى أحد مطاعم السمك بدأ اتصالى بالموضوع بلقاء عابر مع صديق قديم التقيته وتلقفنا بداية الخيط. ليست لنا مآرب ولا خصومات هناك، تدفقت المعلومات وكأن الناس هناك اكتشفوا أنه يمكن إثارة مشكلاتهم بصدق وموضوعية، ومازلت أتلقى المكالمات والزيارات حتى تضخم الملف لدىّ، حملت ما لدىّ ووضعته بين يدى المسؤولين فى «المصرى اليوم»، وها نحن نواصل حملتنا ضد الفساد، لسنا مع أو ضد، نحن مع الحقيقة وحدها. بعد نشر المقال الثانى اتصل بى هاتفيا المواطن «محمد عطا» قدم نفسه بأنه أحد أبناء الغردقة، ورغم تقديره لما نطرحه من معلومات فإنه أثار نقطة جديرة بالاهتمام، وهى فكرة «تضارب المصالح». وفى نغمة بدت كأنها دفاع عن المقاول المحبوس محمد أبوالنصر فى واقعة اتهامه بتقديم رشوة لموظف عام، قال عطا: «اشمعنى دلوقتى تنهال كل السكاكين على أبوالنصر.. ألم تسأل نفسك يا أستاذ: رغم أن الفساد عمره طويل فى الغردقة من أيام يوسف عفيفى..»، قاطعته: «لكن كل الروايات تقريبا تثمن دور عفيفى فى بناء الغردقة الحديثة»، استمر عطا: «وأيضا أبوالنصر بنى نهضة سكانية، قد تكون لديه فى أعماله بعض التجاوزات، لكن لا بد أن نوضح أنه حصل على تسهيلات وربما تجاوزات لكنه بنى وشيد وساهم فى رسم صورة جميلة للغردقة الحديثة، غيره حصل على نفس التسهيلات ولم يبن شيئا، كثيرون حصلوا على أراض دون حق، منهم من تقدم بطلب ومنهم من لم يتقدم حتى بالطلب!!». لاحظ عطا استغرابى فأكد المعلومة بأن ذكر اسم تاجر ألماس شهير خُصصت له ثلاث قطع متميزة دون أن يتقدم بطلب وربما دون أن يعرف لفترة طويلة أن لديه أراضى فى تلك المواقع حتى بيعت مؤخرا، ومعلوم مدى العلاقة التى كانت تربط بينه وبين المحافظ سعد أبوريدة. نقطة مهمة أخرى أثارها المواطن محمد عطا فى حديثه الهاتفى معى بأن هناك حالة ارتباك حدثت بين الموظفين فى الغردقة، وهناك خوف وهلع مما ينشر هذه الأيام عن الفساد، وختم كلامه بسؤال يحتاج إلى عمق فى التفكير والمعالجة: هل يملك أى موظف صغُر أو كبُر الاعتراض على توجيهات محافظ خصوصا فى حجم سعد أبوريدة؟! أكيد هناك موظفون شرفاء يمتلكون القدرة على التمييز بين احترام المسؤول التنفيذى الأول وبين احترام القانون، ونقدم نموذجا من واقع الغردقة بدأنا معه الحديث، هو اللواء ممدوح بسيونى، مدير الإسكان الأسبق بمحافظة البحر الأحمر، الذى حكى واقعة غريبة ومريبة حدثت مع المحافظ سعد أبوريدة، بدأها بقسم بأغلظ الأيمان أنها حدثت كما يرويها، يقول: «جمعنى لقاء باللواء سعد أبوريدة، والمقاول محمد أبوالنصر، وطلب منى المحافظ أن أكتب مذكرة أشهد فيها بكفاءة وارتفاع مستوى التنفيذ ومطابقته للقيود والمواصفات، وكان هذا ما يتعارض مع حقيقة الحال، حيث إننى سبق أن كُلفت بتولى رئاسة لجنة من المهندسين للمرور على هذه المبانى وسجلت تقريرا أوردت به 42 نقطة سلبية فى التنفيذ وفى الفروق الجوهرية بينها وبين ما تم تنفيذه كوزارة إسكان»، ومضى مدير الإسكان الأسبق فى شهادته المسجلة: «وخارج هذه اللجنة مررت بنفسى على شقة خصصها لى المحافظ الأسبق سعد أبوريدة وكان من باب الاستطلاع، وبعدها قررت أن أسترد المقدم الذى سبق أن سددته، وفى يوم إلغاء التخصيص واسترداد المبلغ دخل المحافظ بمفرده واجتمعنا ثلاثتنا بمكتب المقاول محمد أبوالنصر وفوجئت به يقول لى: «اسمع يا ممدوح دلوقتى مش موجود غيرنا إحنا التلاتة، والكلام اللى حاقوله سر لو خرج بره حتبقى إنت اللى سربته»، وأكمل المحافظ كلامه وقال: «أنا عاوزك تكتب لى مذكرة تشيد فيها بما نفذه أبوالنصر، لأنى على أساس مذكرتك حارفع مذكرة لمعالى رئيس الوزراء أطلب منه تنفيذ خطة الإسكان الخاصة بوزارة الإسكان بالأمر المباشر لمحمد، ويقصد أبوالنصر الحاضر الاجتماع». يكمل اللواء ممدوح شهادته: «وأنا للأسف غلطت وقلت له لو سمحت يا أفندم خرّجنى من اللعبة دى، فتغير وجهه وخرج من المكتب وبدأت الطامة الكبرى، بدأ يرسل زبانيته من مهندسى مجلس المدينة وأعضاء الرقابة الإدارية للتفتيش فى الأوراق والواقع عن أى أخطاء تكون موجودة، ثم أرسل إلى مركز بحوث الإسكان وطلب منهم تقريرا، طبعا تم إعداده لصالح المحافظ وسلامة أعمال المقاول المعجزة، والمقابل قطعة أرض لكل منهم وما سمعناه أنها مخبأة فى خزينة رئيس مجلس المدينة الخاصة به وهذا ما تردد!! وهذه العقود لو تم العثور عليها سنجد أن تواريخها متزامنة مع تاريخ تقرير المركز القومى للبحوث مما يجعلها فى مقام الرشوة!!». لم تكن رغبتى فى معرفة المعلومات التى تتدفق من فم مدير الإسكان السابق فى البحر الأحمر الذى اصطدم بالمحافظ أبوريدة أقل من رغبته هو شخصيا فى الكلام، شعرت أن الرجل يريد أن يصرخ بأعلى صوته وهو ما شجعنى على الاستيضاح عن أسرار العلاقة بين المحافظ سعد أبوريدة والمقاول المعجزة محمد أبوالنصر قال الرجل: «المحافظ أبوريدة يطلب من مدير الإسكان طرح خطة إسكان ثم يأمر بطرحها فى الصحف مناقصات، ويتم تحديد قيمة تقديرية فى مظروف مغلق تعتمد من السلطة المختصة، اللى هى المحافظ برضه ولو افترضنا أن القيمة المقدرة 60000 جنيه للوحدة يقوم المحافظ بتقديمها ب10000 جنيه، ثم تطرح للمقاولين ثم يقوم بإلغائها لأنها أقل من القيمة التقديرية ثم يرسل لرئيس الوزراء مذكرة يوضح فيها أنه تم عمل عدة عروض لم تسفر عن مشتر، وبذلك يطلب طرحها بالأمر المباشر ويسندها إلى المقاول المعجزة محمد أبوالنصر!! رغم أنه لا يجوز إسناد عمليات إليه تتجاوز قيمتها مليوناً وسبعمائة وخمسين ألف جنيه بسبب تصنيفه فى اتحاد المقاولين فئة سابعة، ويتم التغرير برئيس الوزراء وإفهامه أن شركة أبوالنصر للمقاولات تصنف عالميا على غير الحقيقة وكل الأعمال التى تسند إليه تتم بدون أى استقطاعات، سواء كانت ضرائب عامة أو ضريبة مبيعات».