فى الماضى كان دخول وحدات العناية المركزة عبارة عن موت مؤقت انتظاراً للموت الحقيقى، فالفلسفة التى سادت كانت تقول إنه حتماً ستحدث الوفاة داخل العناية المركزة لأن العناية المركزة مجرد ترانزيت للآخرة أو قبر شيك بخراطيم وأسطوانات أكسجين!، كانت الإمكانيات ضئيلة، والتقدم العلمى مازال عاجزاً أمام معظم المشاكل، وتقنيات التعامل مع الحالات الحرجة ضعيفة وبدائية، ولذلك ساد مفهوم «يبوس إيده وش وضهر، كويس قوى إن احنا أنقذنا حياته!»، أما السؤال عن نوعية حياته بعد الخروج من العناية المركزة فإجابتها لم تكن تهم أحداً لأن مجرد تنفسه نعمة وإنجاز وإعجاز، ولكن الآن وبعد التقدم العلمى الهائل فى وحدات العناية المركزة، وإنقاذ مرضى كثيرين كانوا على شفا الموت ثم عادوا لحياتهم العملية والأسرية، كان لابد أن نجيب على هذا السؤال المعلق، ألا نستطيع أن نخرج للعالم إنساناً طبيعياً بعد رحلة العناية المركزة؟، بحيث تتحول الوحدة من القبر الترانزيت بتاع زمان إلى وحدة إعادة تأهيل ومركز صيانة بشرى لبنى آدم صحيح البدن والعقل والنفس، ألا نستطيع الإقلال من أمراض الجهاز التنفسى التى تواجه مريض العناية المركزة، وتحجيم بعض المضاعفات والأخطار التى من الممكن ألا تكون حتمية؟، وقد أرسل لى د. عمرو البدراوى، أستاذ الأنف والأذن والحنجرة، ملاحظة طبية لابد أن تؤخذ فى الاعتبار فى هذا المجال، وأرجو أن تكون ملاحظته بادرة أمل فى مؤتمر كبير يناقش المعوقات التى تواجه المريض الخارج من العناية المركزة، يقول د. البدراوى: «بحكم عملى كطبيب أنف وأذن وحنجره، لاحظت أن هناك ازدياداً فى عدد المرضى الذين يعانون من صعوبة فى التنفس مما استدعى إجراء عمليه شق القصبة الهوائية لإنقاذهم من الاختناق، وعند فحص هؤلاء المرضى وجد أن جميعهم يعانون من ضيق بالحنجرة وعند مراجعة ملفات المرضى وجد أنه لأسباب طبية مختلفة تم دخولهم وحدات العناية المركزة واستدعت حالتهم وضعهم على أجهزة التنفس الصناعى لمدد طويلة. وقد أدى ذلك إلى تهتك غضاريف الحنجرة وبالتالى ضيق مجرى التنفس تدريجيا حتى مرحلة الاختناق. أن هؤلاء المرضى حكم عليهم إما بالتنفس بقية عمرهم عن طريق فتحة بالرقبة مع عدم القدرة على الكلام أو إجراء العديد من العمليات الجراحية الدقيقة لإصلاح الضرر الذى أصاب الحنجرة الذى كان يمكن تجنبه فى المقام الأول إذا تم اتباع القواعد الطبية الصارمة بالنسبة لمرضى الرعاية المركزة. انتهت رسالة د. عمرو البدراوى التى دقت ناقوس الخطر، فلنجعل شعارنا ليس كافياً أن يعيش مريض العناية المركزة ولكن لابد أن يعيش حياة جيدة.