من الجوانب الرقيقة المرهفة فى شخصية أحمد بهجت علاقته بالحيوانات. وهو باب بر عظيم يغفل عنه كثيرون الآن. كان أحمد بهجت، منذ طفولته، رحيما بالحيوان. وتزيد هذه الرحمة وتتحقق فى شهر رمضان، حينما كان يعطى طعامه للكلاب الضالة، ويشبع بالحب ومناجاة النجوم. كان هذا الحب مصدرا عظيما لإلهامه بكتاب من أهم وأرق أعماله «قصص الطير والحيوان فى القرآن»، و«حوار بين طفل ساذج وقط مثقف»، هذا غير عدد كبير من المقالات التى تناولت علاقته بالحيوانات عموما وبالكلاب خصوصا. وبرغم خفة دم هذه المقالات، فإنها تعكس مشاعر الوحدة الباطنية التى كان يعانيها هذا الإنسان. ومن أرق مقالاته وأعذبها، وأكثرها إثارة للشجن، قصته مع الكلب الأنثى «قمر». يصفها بأنها جميلة العينين جميلة الشعر جميلة الوجه، عيناها عسليتان وبوزها ممطوط وفيه كبرياء، وذيلها يرتفع لأعلى، كأنه علم على سفينة السندباد. أحبها منذ أول نظرة. وقفت أمامه ذات يوم، نظرت إليه بعينيها الواسعتين الوديعتين، مد يده فطبطب على رأسها فهزت ذيلها، وهذا معناه بلغة الكلاب أنهما صارا صديقين. ولأن بيته لم يكن يخلو قط من القطط والسلاحف والكلاب، مما يترتب عليه ملاحم مرعبة من الصراع الأزلى المغروس فى الغرائز بين الأنواع، فقد كانت قمر تصعد معه الشقة وتنزل معه حين ينزل. لكنها ذات ليلة تشبثت بالبقاء. لم يكن يعرف أنها حامل على وشك الوضع. غادر البيت وفيه كلب وقط وسلحفاة، وعاد فوجد كلبين وقطة وسلحفاة، ولم يلبث عدد الكلاب أن زاد، وعلى امتداد الليل ولدت ثمانية جراء صغيرة تحدث أصواتاً تقع بين وأوأة الأطفال وأنين الكلاب، ووقف هو يشاهد المعجزة. كانت قمر حبا من لون غريب فى حياته، لا يحتاج أى لغة للتعبير عنه، إذا رأته اندفعت نحوه واندفع نحوها، هكذا ببساطة!!. ومن الطريف أن فرط محبته ل(قمر) استفز قارئا اسمه (قمر الدولة) فكتب إليه معاتبا، لاستخدام القمر- رمز الجمال- فى وصف كلبه، فقال مدافعا عنها: «لقد كان تسميتها بالقمر ظلما لها، فالقمر يتحول، يصغر ويكبر، ويتغير، أما هى فقد كانت بدرا فى تمامه، بدرا من الوفاء والعذوبة والسهر والحراسة، وبرغم أنه لم يكن لدىّ ما يستحق الحراسة، فقد ظلت تؤدى واجبها كما لو كانت تحرس كنوز سليمان». فيما بعد ستمرض ( قمر) وسيرى فى نظرتها عكارة النهاية. حينما ماتت أحس بأن رمزا من رموز الوفاء العظيم قد مات بموتها، ونقص الجمال الكلى للكون. عاش أحمد بهجت يتبادل الود مع هذه الحيوانات العجماء، ذات مرة تساءل: ترى من سخره الله للآخر؟ هل سخره الله لهذه الحيوانات كى يطعمها ويعتنى بها، أم أن الله سخرها له لتمنحه ما يتوق إليه كل مخلوق بشرى من حب وحنان؟!