مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو 2024    الذكاء الاصطناعى.. ثورة تكنولوجية في أيدى المجرمين الجدد    بعد قفزة مفاجئة.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بالصاغة    «نتنياهو» يمضي وحده| واشنطن تنأى بنفسها.. وبايدن يحجب القنابل الأمريكية عن إسرائيل    الاحتلال يواصل إغلاق معبري رفح وكرم أبو سالم (فيديو)    من أجل بطاقة السوبر.. ماذا يحتاج برشلونة لضمان وصافة الدوري الإسباني؟    ملف يلا كورة.. موقف شيكابالا من النهائي.. رسائل الأهلي.. وشكاوى ضد الحكام    أحمد سليمان يكشف عن مفاجأة الزمالك أمام نهضة بركان    هل يشارك لاعب الزمالك في نهائي الكونفدرالية بعد وفاة والده؟    شبانة يهاجم اتحاد الكرة: «بيستغفلنا وعايز يدي الدوري ل بيراميدز»    36 ثانية مُرعبة على الطريق".. ضبط ميكانيكي يستعرض بدراجة نارية بدون إطار أمامي بالدقهلية-(فيديو)    «مش هيقدر يعمل أكتر من كدة».. كيف علّقت إلهام شاهين على اعتزال عادل إمام ؟    يوسف زيدان يفجر مفاجأة بشأن "تكوين": هناك خلافات بين الأعضاء    لطيفة تهنئ عادل إمام بعيد ميلاده: بحبك ل آخر يوم في حياتي    فاروق جعفر: واثق في قدرة لاعبي الزمالك على التتويج بالكونفدرالية.. والمباراة لن تكون سهلة    تحرك جديد.. سعر الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    يوسف زيدان يهاجم داعية يروج لزواج القاصرات باسم الدين: «عايزنها ظلمة»    " بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    بعد اختفائه 12 يومًا.. العثور على جثة الطفل أدهم في بالوعة صرف بالإسكندرية    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» .. موضوع خطبة اليوم الجمعة    مدارس النصيرات بغزة في مرمى نيران الاحتلال ووقوع شهداء    فصائل عراقية تعلن استهدف موقع إسرائيلي حيوي في إيلات بواسطة الطيران المسير    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    أحمد السقا يكشف عن مفاجأة لأول مرة: "عندي أخت بالتبني اسمها ندى"    شريف الشوباشي: أرفض الدولة الدينية والخلافة الإسلامية    محافظ جنوب سيناء ووزيرة البيئة يوقعان بروتوكول أعمال تطوير مدخل منطقة أبو جالوم بنويبع    محافظ الغربية: تقديم الخدمات الطبية اللائقة للمرضى في مستشفيات المحافظة    الدراسة بجامعة القاهرة والشهادة من هامبورج.. تفاصيل ماجستير القانون والاقتصاد بالمنطقة العربية    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    براتب 1140 يورو.. رابط وخطوات التقديم على وظائف اليونان لراغبي العمل بالخارج    كارثة تهدد السودان بسبب سد النهضة.. تفاصيل    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    حالة الطقس اليوم على القاهرة والمحافظات    ماذا قالت نهاد أبو القمصان عن واقعة فتاة التجمع وسائق أوبر ؟    قوات الإنقاذ تنتشل جثة مواطن سقط في مياه البحر بالإسكندرية    تركيب المستوى الأول من وعاء الاحتواء الداخلي بمفاعل محطة الضبعة النووية    عاجل - واشنطن: مقترح القمة العربية قد يضر بجهود هزيمة حماس    براميل متفجرة.. صحفية فلسطينية تكشف جرائم إسرائيل في غزة    شروط الحصول على المعاش المبكر للمتقاعدين 2024    بعد الانخفاض الأخير لسعر كيلو اللحمة البلدي.. أسعار اللحوم اليوم الجمعة 17-5-2024 في الأسواق    ورشة عمل إقليمية تحت عنوان «الذكاء الاصطناعي مدخلاً لإعادة هندسة منظومة التعليم»    المظهر العصري والأناقة.. هل جرَّبت سيارة hyundai elantra 2024 1.6L Smart Plus؟    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    كلمت طليقى من وراء زوجي.. هل علي ذنب؟ أمين الفتوى يجيب    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الجمعة 17 مايو 2024    كمال الدين رضا يكتب: الكشرى والبط    اسكواش - خماسي مصري في نصف نهائي بطولة العالم    بعد عرضه في «كان» السينمائي.. ردود فعل متباينة لفيلم «Megalopolis»    كاميرا ممتازة وتصميم جذاب.. Oppo Find X7 Ultra    بنده السعودية.. أحدث عروض الهواتف المحمولة حتى 21 مايو 2024    الأمير تركي بن طلال يرعى حفل تخريج 11 ألف طالب وطالبة من جامعة الملك خالد    تعرف على.. آخر تطورات الهدنة بين إسرائيل وحماس    ميلاد الزعيم.. سعيد صالح وعادل إمام ثنائي فني بدأ من المدرسة السعيدية    طريقة عمل بيكاتا بالشامبينيون: وصفة شهية لوجبة لذيذة    للحفاظ على مينا الأسنان.. تجنب تناول هذه الفواكه والعصائر    تنظم مستويات السكر وتدعم صحة العظام.. أبرز فوائد بذور البطيخ وطريقة تحميصها    لا عملتها ولا بحبها ولن نقترب من الفكر الديني.. يوسف زيدان يكشف سر رفضه «مناظرة بحيري ورشدي»    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد 40 عاماً على وفاته: عبدالناصر لايزال يحكم مصر

40عاماً مرت على رحيله، ورغم التغيرات التى شهدها المجتمع المصرى ظلت أياديه حاضرة سلباً وإيجاباً، فالزعامة التى طغت على القلوب، حتى لحظتنا هذه، أنتجت أيضاً ميراثا مازلنا نعيش فصوله، الزمن لم يتحرك كثيرا فى مسائل عدة.. المسار الرئاسى الذى رسم عبدالناصر تفاصيله لم يتغير،
الحاكم الفرد يختار خلفه بعيدا عن الشارع حتى ولو كانت هناك تعديلات دستورية، والاشتراطات فى الأخيرة تكرس لنفس المسار عند انتقال السلطة، ومن «الحاكم الفرد» إلى نسبة العمال والفلاحين التى قدمها الحاكم لشعبه دلالات على حضور الزعيم، بظلال أفكاره حتى على المثقفين، والجهاز الإدارى المتضخم لم يكن كائنا خرافيا، بل خلقته الحاجة للاستقرار فى دولة «ناصر»، ونجنى ثماره المرة حالياً، وخلق نظام «ناصر» ظاهرة اللجوء للرئيس، فوجدناه دائماً شخصاً مركزياً تدور الدنيا من حوله، وترتبط جميع الأشياء بإشارته وتعليماته، بدءا من رسم الخريطة السياسية حتى بناء مستوصف أو كوبرى مشاة، والسلسلة طويلة، تمتزج بألوان الارتباك والتخبط والغموض، فما نعيشه صنيعة الأمس.
كل الأحداث الراهنة تقول إن القطار الذى انطلق فى الخمسينيات لايزال يسير على نفس القضبان، وإن عبدالناصر لايزال يحكم مصر، والتفاصيل فى سطور هذا الملف.
اللجوء للرئيس «بدعة» عمرها نصف قرن
فى أرشيف الرئيس عبدالناصر أكثر من 30 ألف شكوى وصلته من مصريين بسطاء كانوا يريدون حلولا لمشاكلهم ولم يجدوا غير الرئيس منقذا لهم، وكان الرئيس يحتفظ بتلك الشكاوى فى الأرشيف الملحق بمنزله، ومنذ ذلك الحين، إلى الآن، والرئيس دائما هو المنقذ، اعتاد الناس اللجوء إليه فى السراء والضراء، وعند الفوز فى مباراة أو بطولة يهدى اللاعبون الفوز له، وعند البلاء لا يجدون غيره يتجهون إليه.
فى الماضى كان المصريون يلجأون للأولياء والمشايخ يشكون أحزانهم وهمومهم والآن أصبح الرئيس– أى رئيس– هو الملجأ الآمن، فقد وضع عبدالناصر المبدأ وسار على نهجه السادات ومبارك، وأصبح شعار المصريين «الرئيس هو الحل»، وهكذا هدم عبدالناصر الأسوار العالية التى أقامتها الملكية بينها وبين الشعب وفتح كل أبوابه للمصريين شاكين ولاجئين، وفى الوقت نفسه تمسك بكل السلطات الإدارية، ومنح لنفسه الصلاحيات كافة.
كان الرئيس الراحل يؤمن بالمركزية الشديدة فى الحكم، وربما كان لا يثق بشكل كاف فى معاونيه من الموظفين الإداريين فى الدولة، فجمع السلطات والصلاحيات لنفسه، وسن القوانين والدساتير التى تؤيد ذلك، ومن هنا نشأت فكرة «الرئيس هو الحل»، فكل القرارات تبدأ وتنتهى من عنده، وهى نفسها القوانين والدساتير التى مازالت تحكمنا إلى الآن.
والغريب أن الرئيسين السادات ومبارك أعجبتهما الفكرة، فسارا على نهج سلفهما واستحوذا على كل السلطات والقرارات، ورغم رفع الرؤساء الثلاثة شعارات اللامركزية، ألا أنها بقيت مجرد شعارات وكلمات رنانة تقال فى الخطب واللقاءات الصحفية، وتعطلت شؤون البلاد فى أحيان كثيرة حتى يقرر الرئيس. وفى الوقت الذى يلوم فيه الكثيرون عبدالناصر على مركزيته وتحكمه فى كل شىء وعشقه للجوء الناس إليه فإن الكاتب صلاح عيسى يرى العكس تماما ويقول: يجب ألا نظلم الرئيس ونتهمه بمثل هذه الاتهامات لأن فكرة اللجوء إلى الرئيس أصبحت شائعة فى وسائل الإعلام ومستندة على خطأ فى المعلومات، فمسألة تكرار اللجوء إلى الرئيس والذهاب إليه فى كل شىء سواء كان كبيرا أو صغيرا تعود لطبائع الأمور فى النظام الرئاسى المصرى فمصر جمهورية نظامها دستورى وهو نظام يمنح الرئيس الكثير والكثير من السلطات والصلاحيات، والرئيس فى الدستور المصرى له فصلان كاملان، فصل ركز حوله كحاكم للدولة له أن يتخذ إجراءات استثنائية وحكم بين السلطات، وفصل آخر باعتباره رئيسا لجميع السلطات الإدارية فى البلد.
ويضيف عيسى: «إذن ليس هناك أى مخالفة دستورية فى تركز السلطات فى يد الرئيس فهو الذى يعين الوزراء وكبار المسؤولين وهو أيضا الذى يقيلهم وهو الذى يعين السفراء ويقبل الأجانب منهم، هو إذن له يد طولى فى اتخاذ القرارات كافة طبقا للدستور، ومن هنا فإن فكرة اللجوء إليه طبيعية جدا فنحن أمام نظام دستورى يطلق يد الرئيس فى جميع الصلاحيات، وإذا أردت أن تتكلم عن عدم اللجوء للرئيس، فإنك ستتحدث عن نظم دستورية مختلفة مثل الجمهورية البرلمانية فالحاكم فيها يحكم ولا يدير وبها سلطات واسعة للبرلمان، لكن فى ظل نظامنا الدستورى لا عجب أو عيب فى أن يلجأ الناس للرئيس إذا أخطأ أحد معاونيه أو أخطأ الوزراء. ويرى عيسى أن ثورة يوليو والرئيس عبدالناصر ليس لهما أى علاقة بتلك الظاهرة التى أصبحت متفشية فى مصر لكن المسؤول الأول عنها هو الدستور الذى وضعته الثورة ورجالها، الذين اختاروا فكرة هيمنة السلطة التنفيذية على كل السلطات الأخرى ودمجها فى شخص الرئيس.
سألته: وهل هذا الدمج السلطوى فى الشخصية الرئاسية له علاقة بطبيعة شخصية الرئيس عبدالناصر المتحكمة فى كل شىء؟ وهل كان يسعى هو لتملك جميع السلطات؟
قال: لا، ليس له علاقة مباشرة بشخصية عبدالناصر نفسه لكن له علاقة بكل الثورات التحررية فى ذلك الوقت، التى كانت ترى تجميع كل أدوات السلطة والحكم فى يد الثوار، فحركات التحرر الوطنى بصفة عامة كانت تؤمن بتركز السلطة الواسعة فى يد رجالها ثم تعمل على التنمية الشاملة لعلاج مشاكل الفقر والجهل والتخلف، وكلها كانت موجودة فى مصر، وساد لديهم جميعا اعتقاد بأن الديمقراطية تعطل مشاريع الثورة، وانتشر مفهوم الديمقراطية الاجتماعية عن مفاهيم الديمقراطية السياسية، وهذا ما طبقه عبدالناصر، ووقتها عندما اتخذ تلك القرارات لم تكن بدعة. ويضيف عيسى أن عبدالناصر لم يخطئ، فقد كان نتاج زمنه وعصره ومرحلته التاريخية، وما فعله كان موائما لزمنه، ولكن أن يستمر هذا الوضع حتى الآن فهذا هو غير الملائم لزمننا، وتلك هى الخطورة.
«الزعيم» حضّر عفريت «الحكم الفردى».. ولم يصرفه
فى فبراير 1954 وصلت الخلافات بين مجلس قيادة الثورة من جهة، والرئيس محمد نجيب من جهة أخرى إلى ذروتها، وقرر المجلس فى 14 فبراير إعفاء نجيب من كل المناصب التى يشغلها، ثم أذاع فى 25 فبراير بياناً، يشرح فيه الأسباب التى دعته لاتخاذ القرار.
اتهم مجلس قيادة الثورة محمد نجيب بمحاولة تكريس حكم الفرد، وقال فى بيانه: «لقد حاولنا بكل الطرق الممكنة طوال الشهور العشرة الماضية أن نقنعه بالرجوع عن طلباته هذه التى تعود بالبلاد إلى حكم الفرد المطلق، وهو ما لا يمكن أن نرضاه لثورتنا، ولكننا عجزنا عن إقناعه عجزاً تاماً».
وبعد إقالة نجيب تولى جمال عبدالناصر السلطة، ودخلت مصر مرحلة جديدة من «حكم الفرد المطلق»، لم يعترض عليها مجلس الثورة كما فعل مع سلفه، واستمر هذا الحكم بعد وفاة الرئيس عبدالناصر قبل 40 عاماً، لم تعرف مصر خلالها سوى رئيسين، وصل كل منهما إلى كرسى الرئاسة بموت سلفه، وباختيار منه قبل وفاته.
يقول د. رفعت السعيد، رئيس حزب التجمع، إنه رغم مرور 40 عاماً على وفاة الرئيس جمال عبدالناصر فإنه يتحمل المسؤولية كاملة عن استمرار حكم الفرد فى مصر، وانتقال السلطة بهذا الشكل.
ويضيف: «كان هناك حكم فردى قبل ثورة يوليو، إلا أن ما بعد الثورة يتحمل مسؤوليته عبدالناصر وحده، لأنه لم يسمح لرأس بأن يعلو أو حتى يتساوى مع رأسه، وإنما أطاح بكل الرؤوس، حتى رؤوس رفاقه فى مجلس قيادة الثورة، وكان يعمل على تكريس إرادة واحدة ووحيدة هى إرادته».
ويتابع: «عبدالناصر كرس فكرة أن رئيس الدولة يصبح رئيساً لكل شىء، والقادر على فعل كل شىء، والمتحكم فى كل شىء، واخترعت له الشرعية الثورية، وهى تعنى تحكيم عقلية الثورة التى تعادى كل من ينتقد زعيمها، الذى تتلخص فيه الثورة، وبالتالى فعبدالناصر يتحمل المسؤولية كاملة عن استمرار هذا النموذج من الحكم حتى الآن، قد يتصور البعض أننا نهاجمه، إلا أننا فقط نحذر من تكرار هذا النموذج».
ويقول د. وحيد عبدالمجيد، المحلل السياسى والاستراتيجى: «عبدالناصر وضع الأساس لحكم الفرد فى النظام السياسى المصرى، فبعد ثورة يوليو أدرك أن قادة الأحزاب التى كانت موجودة قبل الثورة يصعب التعاون معهم، فاتجه إلى بناء نظام فردى وجد أساسه القانونى فى دستور 1956، لكن لا ننسى أن هذه المرحلة فى العالم شهدت شيوع أشكال مختلفة من أدوار القادة الأفراد، الذين تمتعوا بقدرات غير عادية فى كثير من البلاد، وهم الذين يطلق عليهم القيادات الكاريزمية وهى القيادات التى تتمتع بجاذبية شديدة لدى الجمهور، وتمتلك قدرة على التأثير فى عواطف الناس وعقولهم، وكان عبدالناصر واحداً من هؤلاء فى مرحلة لم يكن الحكم الفردى فيها فى مصر غريباً، ولهذا كان الحكم الفردى مقبولاً من الأغلبية الساحقة من الناس، وكان الناس يؤيدون عبدالناصر ويحبونه بإرادتهم رغم أنه لم يوفر لهم حرية الاختيار».
ويضيف: «حُكم عبدالناصر مصر إذن كان حكماً فردياً مطلقاً، مستنداً إلى شرعية ثورة يوليو، التى بدأت تتهاوى بعد نكسة يونيو 1967، التى حاول بعدها القيام بعدد من الإصلاحات فى نظام حكمه، ظهر بعضها فى البيان الشهير الذى ألقاه فى 30 مارس 1968، والذى اعتبره برنامج عمل للمرحلة المقبلة، ففى هذا البيان اقترح عبدالناصر أن يتضمن الدستور الجديد الذى يناقشه مجلس الأمة وقتها مادة تنص على: (قيام الدولة العصرية وإدارتها، لأن الدولة العصرية لم تعد مسألة فرد ولم تعد بالتنظيم السياسى وحده)، وأضاف عبدالناصر إليها: (يجب أن يكون واضحاً أن رئيس الجمهورية يباشر مسؤولية الحكم بواسطة الوزراء، وبواسطة المجالس المتخصصة التى تضم خلاصة الكفاءة والتجربة الوطنية)، وكأن الرئيس عبدالناصر ينتقد بنفسه نظام حكم الفرد الذى استند عليه طوال فترة حكمه، وتوفى عبدالناصر قبل أن يكتمل الدستور الجديد، وبعد 18 عاماً قضاها حاكماً فرداً، يتمتع بكل الصلاحيات، حتى اختيار الرئيس الذى سيخلفه، انتقلت مقاليد السلطة إلى نائبه الأول، أنور السادات، الذى ورث شرعية يوليو عن سلفه، ومعها نظرية (الحاكم الفرد)، التى طورها دستورياً بإلغاء المادة 52 من الدستور، التى كانت تمنع ترشيح شخص واحد رئيساً للجمهورية لأكثر من دورتين، ليصبح من حقه الترشح لمدد متتالية مدى الحياة، إلا أن القدر لم يمهله لاستكمال حتى دورته الثانية».
ويتابع عبدالمجيد: «الحكم الفردى استمر بعد عبدالناصر فى غياب مقوماته المرتبطة بشخصية ناصر وقدرته وقيادته الكاريزمية، وبالرغم من أنه أخذ ينحسر فى العالم، فإن مصر أصبحت من البلاد القليلة جداً فى عالم اليوم التى تعرف حكماً فردياً من خلال دستور يجعل رئيس الجمهورية هو مركز النظام السياسى والفاعل الوحيد فيه، ويحظى بسلطات لا يستطيع أحد أن يمارسها مجتمعة، وهذه هى المشكلة».
لكن د. عمرو هاشم ربيع، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، لا يحمل عبدالناصر «وحده» مسؤولية استمرار الحكم الفردى فى مصر، ويرى أن هذا الحكم الذى كان ضرورة فى الخمسينيات والستينيات، لم يكن هناك أى مبرر لاستمراره بعد الستينيات، ولم يكن هناك أى مبرر للاستمرار فى الحكم بشرعية يوليو، لأن أى شرعية لم تعد تبرر، وأى نظام لا تبرره إلا شرعية دستورية، على حد قول هاشم، الذى أضاف «أنه حتى شرعية يوليو لم تكن مبرراً لاستمرار عبدالناصر فى الحكم حتى وفاته، فكثير من الأنظمة فى أفريقيا بدأت بثورات، وانتهت بحكم ديمقراطى حقيقى».
وبعد مقتل الرئيس السادات، تولى الرئيس مبارك، الذى اختاره السادات نائباً له قبل وفاته، مقاليد السلطة، وتوقع البعض انتهاء مسلسل حكم الفرد فى مصر، إلا أنه لايزال مستمراً حتى الآن، كما يقول د. عمرو هاشم ربيع: «مازلت أتذكر خطاب الرئيس مبارك فى مارس 1982، حينما أعلن أنه لن يستمر فى الحكم أكثر من دورتين، ومكث 6 دورات لا تزال مستمرة حتى الآن»، وعلى غير عادة من سبقوه، لم يختر الرئيس مبارك نائباً على مدار 28 عاماً، وقام بتعديلات دستورية فى 2005، جعلت تولى منصب الرئاسة بالانتخاب وليس بالاستفتاء.
وعما إذا كانت هذه التعديلات الدستورية كفيلة بإنهاء حكم الفرد فى مصر يقول د. وحيد عبدالمجيد: «التعديلات شكلية، وهزيلة، لم يحدث أى تأثير فى الهيكل الأساسى للدستور، وبالتالى لن يحدث تغيير فى النظام السياسى»، أما د. عمرو هاشم ربيع فيرى أن «التعديلات الدستورية فتحت الباب للتوريث أكثر، وتعمل على استمرار حكم الفرد، لأنها شجعت على استمرار حالة الخلل فى التوازن بين سلطات الدولة الثلاث لصالح السلطة التنفيذية».
واستمرار حكم الفرد فى مصر سيتم فى 3 حالات - بحسب د. عمرو هاشم ربيع - أولاً بقاء رئيس الجمهورية الحالى، ثانيتها التوريث السياسى، ثالثتها توريث الدم، أما د. وحيد عبدالمجيد فيتوقع أن «ينحسر حكم الفرد فى مصر بعد الرئيس حسنى مبارك، نتيجة التغيرات التى تحدث فى المجتمع الآن، ونتيجة أن أى رئيس قادم سيكون الخلاف عليه كثيراً للغاية، ونتيجة أن التحولات التى تحدث فى مصر الآن ستفرض فى وقت ما تغييراً يؤدى إلى إما تعديلات دستورية كبيرة أو دستور جديد لا يقوم على الحكم الفردى»، أما د. رفعت السعيد فيقول: «تغيير نظام الحكم الفردى فى مصر لن يتم بإدانة عبدالناصر، ولكن بإدانة أى محاولة لاستمرار هذه الفكرة».
50% عمال وفلاحين: أغلبية تحمى مقعد الحاكم.. ومشاركة وهمية فى السياسة
«تحالف قوى الشعب العاملة».. لا أحد يعلم على وجه الدقة طبيعة نوايا القائمين على ثورة 23 يوليو فى التعامل مع ذلك الشعار الذى أطلقه الرئيس جمال عبدالناصر ضمن العديد من الشعارات التى أطلقت فى تلك الفترة، ولكن الشىء المؤكد كما يقول المؤرخون لذلك العهد، أن هذا الشعار كان ذا تأثير بالغ فى الحياة السياسية وفى الشارع المصرى الذى عبرت عنه تلك الفئة بعمالها وفلاحيها الذين كانوا يتجاوزون نسبة 85 % من تعداد الشعب المصرى وقتها.
التاريخ يروى أن تلك الفئة كانت تشعر بالتهميش قبل الثورة، وفجأة وجدت من ينادى بحقوقها ويمنحها وجوداً، حتى لو كان وهمياً أو على الورق، فى الحياة السياسية، فكيف لا تدعم إذن من منحها ذلك الوجود؟ وهكذا كانت العلاقة بين سلطة ساعية للاستئثار بالحكم، وفئة موهومة بأنها تحكم، وزادت الكارثة عندما صاغ الطرفان تلك العلاقة فى الدستور ليأتى الباب الأول فى تكوين مجلس الشعب مؤكداً على تكوينه من 448 عضواً، يتم اختيارهم بطريق الانتخاب المباشر السرى العام، على أن يكون نصفهم على الأقل من بين العمال والفلاحين. وتصفق قوى الشعب العاملة لذلك القرار وتردد فى كل هبة لها تمسكها بمكاسب الثورة التى منحت البسطاء فرصة ممارسة السياسة، والحلم فى الوصول والترقى لقمة الحكم حتى لو من دون خبرة، غاضين الطرف عن أن الثورة أعدمت اثنين من العمال فى كفر الدوار هما «خميس» و«البقرى» لمجرد قيامهما بمظاهرة عمالية، بدعوى أنهما من أعداء الثورة الشعبية.
لم تكتف الثورة فى تلك الفترة بمنح الفلاحين والعمال نصف مقاعد مجلس الشعب، ولكنها حددت صفات من يدخل البرلمان من تلك الفئة، فنص الدستور على أنه يُقصد بالفلاح من تكون الزراعة عمله الوحيد ومصدر رزقه الرئيسى، ويكون مقيما فى الريف، بشرط ألا يحوز هو وزوجته وأولاده القُصر، ملكا أو إيجارا، أكثر من 10 أفدنة. والعامل هو من يعمل عملا يدويا أو ذهنيا فى الزراعة أو الصناعة أو الخدمات، ويعتمد بصفة رئيسية على دخله الناتج عن هذا العمل، ولا يكون منضما لنقابة مهنية أو مقيدا فى السجل التجارى أو من حملة المؤهلات العليا ويستثنى من ذلك أعضاء النقابات المهنية من غير حملة المؤهلات العالية، وكذلك من بدأ حياته عاملا وحصل على مؤهل عال.
وهكذا حققت طبقة العمال والفلاحين مكاسب، قد تكون مناسبة لعصرها، كما يرى العديد من الخبراء، ولكنها لم تساهم فى تطوير الحياة الديمقراطية فى مصر أو تفعيل المشاركة السياسية لكل فئات المجتمع، بل على العكس فقد تم استغلال تلك المظاهر فى تهديد أى محاولة شعبية للخروج على النظام كما حدث على سبيل المثال فى مظاهرات 1968 التى طالبت بمحاكمة المتسببين فى وقوع نكسة 5 يونيو 1967، حين خطب الرئيس عبدالناصر فى جمع عمالى، مؤكداً أن المثقفين يريدون أن ينقضّوا على مكاسب العمال. وهو ما يفسره البعض بأن الثورة لم تستخدم ورقة العمال والفلاحين فى تقسيم المجتمع وتمييز فئاته فحسب، ولكن فى استخدامها ضد بعضها بهدف الاستئثار بالقرار السياسى وحماية من يجلس على مقعد الحكم.
ولعل هذا التمييز كان سبباً فى رفض القانونيين تلك المادة ورفع بعضهم دعاوى قضائية بعدم دستوريتها، من بينها الدعوى التى أقامها جمال صلاح إبراهيم إسماعيل المحامى منذ عدة أعوام، للفصل فى عدم دستورية نسبة 50% من العمال والفلاحين لعضوية مجلسى الشعب والشورى والمطالبة بإلغائها ومنح حرية الترشح أمام جميع الفئات للشعب المصرى، مؤكداً تعارضها مع نص الدستور على المساواة بين المواطنين فى الدولة، وإخلالها بمبدأ تكافؤ الفرص ليكون الترشح لمجلس الشعب على أساس الكفاءة لا المهنة أو الصفة. ولكن لم يلتفت أحد لتلك الدعوى ولم يُفصل فيها.
وهو ما برره البعض من بينهم السفير عبدالله الأشعل بعدم رغبة النظام الحالى فى فتح باب التعديلات الدستورية التى من الممكن أن تمتد- طبقا للمطالب الشعبية- للمواد المحددة لطريقة انتخاب رئيس الدولة واختياره، ليس هذا فحسب ولكن وجود50% من العمال والفلاحين بين أعضاء مجلس الشعب يمنح النظام والحكومة تأييداً وهمياً لقرارات وقوانين لا يرضى عنها الناس، تماماً كما حدث فى عهد الرئيس عبدالناصر لتمارس هذه الطبقة وهم الحكم والمشاركة فى اتخاذ القرار، وبخاصة أن تلك الفئة لم تعد تحمل الصفات التى نص عليها الدستور فى تحديدها، فأى عضو فى مجلس الشعب من الفلاحين يمتلك الآن مئات الأفدنة وليس 10 فقط، وكذلك العمال الذين أصبح بعضهم ينتمى لرجال الأعمال.
هذا هو أحد التفسيرات التى يراها البعض مبررة لعدم اقتراب الحكومة من ظاهرة 50% عمال وفلاحين، ولكن هناك تفسيراً ثانياً يعتمد على فكرة عدم معاداة النظام للعامة أو تغيير مواد فى الدستور تمنح الناس الإحساس بتغيير مبادئ الثورة وشرعيتها، دليل هذا الرأى تعرض بعض مواد الدستور المصرى للتعديل فى عهد الرئيسين السادات ومبارك، إلا أن أحداً منهما لم يقترب من تلك المادة المحددة لاختيار أعضاء مجلس الشعب.
فى السبعينيات أوكل الرئيس السادات مهمة وضع دستور جديد للجنة مكونة من 120 عضوا من أساتذة وفقهاء القانون ومستشارى محكمة النقض ومجلس الدولة وبعض الشخصيات العامة وسميت «اللجنة الدائمة لصياغة مواد الدستور»، إلا أنها لم تقترب من المادة 87 الخاصة بنسبة 50% عمال وفلاحين. ومنذ عدة سنوات وحينما قرر الرئيس مبارك تعديل بعض مواد الدستور الخاصة بتطوير العمل البرلمانى وتفعيل دور مجلس الشورى، وتعديل المادة 76 الخاصة بطريقة ترشح واختيار رئيس الجمهورية، لم يقترب التعديل من فئة العمال والفلاحين.
ويبدو القول بأن السبب فى تمسك الحكومات بتلك النسبة حفاظاً على حقوق قوى الشعب العاملة أو خوفاً من غضب الناس من إلغائها- يشوبه بعض السذاجة، والسبب أن حقوق تلك القوى باتت غير عاملة وفى تدهور مستمر- كما تشير كل الأرقام والدراسات والأحداث.
فالفلاح لم يعد ينتج من قوت يومه الكثير، كما بات خاضعاً لسياسات حكومات غير مهتمة بتطويره أو تطوير مهنته، ولعل قضية استيراد القمح، واعتصام الفلاحين أمام مجلس الشعب للمطالبة بتوفير مياه الرى لزراعاتهم، أو ضرورة توفيق أوضاعهم مع ما يقترضونه للقيام بالزراعة، خير دليل على ذلك، بالإضافة للعمال الذين تواصلت اعتصاماتهم على مدى العامين الأخيرين أمام مجلس الشعب للمطالبة بحقوقهم التى لم يحصلوا عليها. ليس هذا فحسب، بل إن أعضاء مجلس الشعب من الفلاحين والعمال أنفسهم لم تبدر عنهم أى بادرة فى السنوات الأخيرة لإبداء مساندتهم لفئتيهما اللتين ينتمو لهم. وخير دليل على ذلك أننا لم نر أو نسمع عن عضو مجلس شعب من فئة العمال احتج على قرارات الخصخصة أو البيع المستمر لشركات الدولة بلا شفافية أو ترو أو ضمان لحقوق العامل. وكأن الصفقة التى عقدها نظام الرئيس عبد الناصر مع هؤلاء لا تزال مستمرة، استئثار بحكم مقابل سلطة وهمية،
لذا هُوجم الدكتور البرادعى من قبل قيادات العمال الرسمية بمجرد إعلانه ضرورة إلغاء نسبة 50% عمال وفلاحين فى مجلس الشعب، إلى الحد الذى وصف بعضهم التصريح بالتهريج السياسى وأنه محاولة لاغتصاب الحقوق السياسية لهذه الفئة العاملة. وتناسى هؤلاء أن بلداً كالبرازيل يحكمها الآن حاكم ينتمى للعمال وصعد لسدة الحكم عبر ممارسة عمل نقابى جاد دون أن يدخل البرلمان البرازيلى عبر نسبة ال50% عمال وفلاحين.
التعيين فى الحكومة.. «الجيش» الذى لا يعمل
«عبدالناصر لم يمت.. كلنا عبدالناصر»، هكذا هتف السادات فى الاتحاد الاشتراكى عام 1971 بعد توليه السلطة، مؤكدا أن ناصر لايزال حيا بسياساته وقراراته وأفكاره، صحيح يردد البعض أن السادات سار على سياسات ناصر ب «أستيكة»، خاصة ما يتعلق بالاشتراكية، إلا أن السادات صاحب الفكر الرأسمالى لم يستطع التخلص من سياسات التعيين التى وضعها عبدالناصر، الذى فتح باب التعيين الحكومى لأى خريج وكل خريج حتى تضخم الجهاز الإدارى بالدولة - تجاوز الآن 5.7 مليون موظف لا نحتاج منهم فعليا سوى ل 600 ألف موظف فقط، وأصبح الجهاز على وشك الانفجار، وهذا بسبب شعار أطلقه عبدالناصر منذ أكثر من 50 عاماً، ولايزال طوقاً يلف رقبة كل من يفكر فى الاقتراب من آلاف الموظفين العاطلين الذين يمثلون أكبر حركة بطالة مقنعه فى تاريخ مصر، إنه شعار «الأمن الاجتماعى»، الذى آمن به السياسيون كفكرة، للحفاظ على سلامة أمنهم السياسى.
كانت الثورة تريد أن تضمن ولاء وحب الناس لها، وكانت تود لو تمحو كل أشكال الفقر الذى عانى منه الزعيم عبدالناصر وهو صغير فقرر تقديم رشوة لشعبه تزيد من شعبيته، وتوسع من أمنه واستقراره ففتح باب التعيين على مصراعيه للجميع دون أى مراعاة لمدى استيعاب الحكومة كل هذا التضخم من الموظفين، كما يؤكد الدكتور صلاح جودة، مدير مركز الدراسات الاقتصادية، قائلا: إن فتح باب التعيينات فى تلك الحقبة لا يمكن أن يفهم إلا أن يكون رشوة من القيادة السياسية للشعب لضمان الولاء.
وأضاف: اتخذ رجال الثورة الأحرار طريقاً مخالفاً لما كانت مصر تسير عليه منذ عام (1923)، عندما كان هناك وجود لحياة سياسية حرة ومناخ ليبرالى على كل المستويات سواء السياسى أو الاقتصادى أو المالى أو الاجتماعى أو الثقافى، ومنذ عام 1955 التاريخ الحقيقى لانتهاء حكم الأسرة العلوية وانتهاء الدولة الليبرالية المصرية، كان التوجه السياسى هو المحرك الأساسى للدولة على كل المستويات سواء الوظيفى أو الاجتماعى أو الثقافى أو الاقتصادى، وكان من نتاج ذلك تأميم جميع المصانع، مثل جميع مصانع شركات بنك مصر (38) شركه، وشركات أحمد عبود باشا، وهى (6) شركات تعمل فى مجال الأسمدة والأسمنت والملاحة والتعدين وتكرير السكر وخلافه، وشركات (محمد ياسين)، وكانت عبارة عن مجموعة المصانع التى تعمل فى الزجاج بكفاءة تضارع كفاءة المصانع فى (لندن) و(هولندا)، وشركات سيد جلال، نائب باب الشعرية السابق، ووسائل المواصلات بالقاهرة والمحافظات، وكانت ملك (أبورجيلة) و(ساويرس) وتأميم كل البنوك وشركات التأمين والصحافة والمدارس والإرساليات، وأعلنت الثوره أن هذا التأميم لصالح الشعب، ويجب أن تعود ثروات الشعب إلى أصحابها، وتم تعيين أصحاب الحظوة والنفوذ وأهل الثقة رؤساء لهذه الشركات، بدلا من أصحاب الخبرة، وكانت البداية قيام الرؤساء الجدد بتعيين عدد كبير من الأهل والأصدقاء والأقارب وغير ذلك، حتى قيام الثورة بتبنى الخطة الخمسية الأولى (1962- 1967)، وفى هذه الأثناء وبعد الانفصال الذى حدث بين (مصر وسوريا) عام (1961) أرادت القيادة السياسية أن تزيل آثار ذلك عن نفوس المصريين فتعهدت بتعيين الخريجين سواء من الجامعات أو المعاهد أو المدارس التجارية أو الزراعية فى الوحدات الحكومية وشركات القطاع العام، وكان ذلك بمثابة رشوة للشعب، ومنذ ذلك التاريخ عرفت مصر البطالة، وكانت لها أسماء معينة مثل (البطالة المقنعة)، وهذه البطالة أن تكون هناك وظيفة يمكن أن يقوم بها شخص واحد فقط والمعين لها (10أفراد) وكان ذلك السبب الرئيسى فى خسارة جميع شركات القطاع العام، وكانت الإشكالية زيادة وتضخم وترهل الجهاز الإدارى بالدولة حتى بلغ الآن (5.7) مليون موظف لا نحتاج منهم سوى ل (600) ألف فقط أى أن الدولة مكبلة بنحو 6 ملايين موظف وعامل يعدون بمثابة عبء على موازنة الدولة لأنهم لا يقومون بعمل حقيقى.
ويضيف: إنه بعد مرور (60) عاما على الثورة وحوالى (عشرين) عاما على سياسات الإصلاح الاقتصادى نجد هناك بعض الأصوات التى تنادى بنفس شعارات العهد القديم التى ثبت يقيناً أنها شعارات (لا تغنى ولا تسمن من جوع) وأن هناك دولاً أخرى نفضت عن نفسها هذه المخلفات مثل روسيا (حاليا) (الاتحاد السوفيتى سابقا) والصين وماليزيا، وغيرها من الدول التى كانت تعد بمثابة الإمام للحياة الاشتراكية، ولكنها عرفت الخطأ الذى وقعت فيه وبالتالى أخذت باقتصاديات السوق ونجحت وحققت معدلات نمو كبيرة.
ويتابع: هناك مجموعة من الحلول، أولا: علينا أن نعلم أن منظومة التعليم يجب أن تخرج لنا منتجاً تتم الاستفادة منه فى سوق العمل، وكليات كثيرة مثل (التجارة) و(الآداب) و(معاهد التعاون التجارى) وجميع الأكاديميات والمعاهد التجارية والإعلام وغير ذلك. كل هذه التوعيات من التعليم عليها ألا تقبل أكثر من (5%) من حجم ما تقبله حاليا لرفع كفاءة المستوى العلمى للخريج حتى تكون له فرصة كريمة فى سوق العمل، ويجب التوسع فى المعاهد الهندسية والزراعية والدراسة الصناعية والمهنية حتى نصنع طبقة جديدة من العاملين الأكفاء بدلا من استيراد العمالة من دول شرق آسيا، خاصة فى مجال الغزل والنسيج.
معاداة الملكية الخاصة ميراث ناصرى وحضور طاغٍ
على الرغم من قرارات الخصخصة وتشجيع الخطاب الرسمى للدولة لكل ما يمت للقطاع الخاص بصلة، ومساهمة هذا القطاع بنحو 85% من الناتج المحلى لمصر، فإن نظرة بعض المصريين إلى لقب «رجل أعمال» لا تزال على عهدها بأفكار ثورة يوليو وقائدها الرئيس جمال عبدالناصر، المتشكك فى كل رأسمال لا تملكه الدولة ولا تسيطر عليه. ولعل السبب فى استمرار تلك النظرة ارتباط السلطة برأس المال فى عهدنا الحالى بشكل تخطى حاجز الشبهات ليصل إلى توجيه الاتهامات بل اللجوء لساحات المحاكم أيضاً.
كانت النظرة لرجال المال قبل يوليو 1952 يملؤها فى غالب الأمر التقدير والاحترام وبخاصة للمخلصين منهم لقضايا مصر، والمساهمين فى النشاط الاجتماعى، فلا أحد ينسى على سبيل المثال مشروعات طلعت باشا حرب رائد الاقتصاد الحديث ومؤسس العديد من الشركات التى حمل كل منها اسم «مصر»، فى مقدمتها بنك مصر وشركات الغزل والنسيج فى المحلة الكبرى، وشركة الطيران الرسمية، حتى استوديو السينما، وبالإضافة لطلعت حرب كان هناك الكثير من الاقتصاديين الذين اعتبرتهم ثورة يوليو جزءاً من عهد بائد يجب القضاء عليه، خاصة أنها كانت قد وضعت مبدأً من بين مبادئها الستة نص على القضاء على سيطرة رأس المال والقضاء على الإقطاع، ولذا كانت نظرة الثورة لرجال الأعمال على أنهم من أصحاب النفوذ والاستغلال دون تفرقة بين القوى المخلصة منهم وبين من قاموا باستغلال الناس بالفعل.
ومع تصاعد شعارات «ارفع رأسك يا أخى» و«كلنا ولاد تسعة» و«تحالف قوى الشعب العاملة»، انتقل العداء الرسمى لرجال المال والصناعة والتجارة للمواطنين. وهو ما هيأ المناخ العام فى مصر لقرارات التأميم التى صدرت عام 1961 لتؤمم قطاعات واسعة من الاقتصاد المصرى فى المجالات الصناعية والتجارية وحتى الخدمية، مع إشراك العمال فى مجالس إداراتها، لتكون قرارات التأميم حجر تغيير النظام الاقتصادى فى مصر بل تغيير النظرة للعاملين به. وهى القرارات التى قال عنها الدكتور حسن عباس زكى، وزير الاقتصاد فى تلك الفترة، فى حوار سابق له مع «المصرى اليوم»، إنها كانت غير مدروسة وكان يفضل عليها قانون الضريبة التصاعدية ولكن لم يستمع له أحد.
استمر حال الاقتصاد المصرى على وضعه حتى منتصف السبعينيات حينما بدأ عصر الانفتاح الاقتصادى الذى لم يفتح الباب لاستيراد كل شىء وحسب، ولكنه جاء أيضاً بمصطلح «رجال الأعمال»، الذى لم تعرفه مصر لا قبل الثورة ولا بعدها، فقبل عام 1952 كان يطلق على تلك الفئة مسميات أخرى من بينها «رجل الاقتصاد» أو «رجل الصناعة». وهكذا استوردت مصر من الخارج لقب «رجل الأعمال»، الذى تشير الموسوعة البريطانية إلى نشأته فى أوروبا حديثاً مع ظهور المصانع ذات الخامات القليلة والإنتاج الكثير، التى أفرزت فئة من الاقتصاديين رفضوا تسمية أنفسهم «التجار»، لما تحمله الكلمة من إشارة لمحدودية النشاط والثروة، ولم يَخْلُ هذا اللقب من دلالات سلبية نتجت عن بعض الممارسات غير القانونية، وهو ما استوردته مصر أيضا فى عهد الانفتاح لتتشوه صورة ر«جل أعمال» فى نظر العامة الذين ظلوا على ذات موقفهم المتشكك فى تلك الفئة رغم تحول النظام الاقتصادى للدولة. ساعد على ذلك الكثير من القضايا التى تم الكشف عنها ونظرها القضاء، ومن أشهرها قضايا شحنات الغذاء الفاسدة التى نفذها توفيق عبدالحى، وتغول نفوذ البعض الآخر مثل عثمان أحمد عثمان الذى قيل إنه كان دولة داخل الدولة.
فى النصف الثانى من الثمانينيات ظهرت حالة من التغير فى النظرة لرجال الأعمال اختلفت عن مثيلتها التى سادت فى النصف الأول من تلك الحقبة، كان السبب فيها وجود عدد من المشاريع الكبيرة التى لفتت الأنظار لوجود حركة حقيقية فى التصنيع والبناء. وبرز العديد من الأسماء التى لفتت الأنظار ولكن سرعان ما عاد تخوف المصريين من تلك الفئة والتشكك فيها مع ما حدث من تزاوج بين أصحاب السلطة وأصحاب المال، وهو ما يعبر عنه الدكتور أحمد ثابت، أستاذ السياسة فى أحد أحاديثه بالقول إن النظام السياسى المصرى أصبح دولة لرجال الأعمال الذين يسيطرون على النفوذ السياسى بشكل يمنحهم القدرة على اختراق القانون أو تحقيق مصالحهم الاقتصادية الشخصية المباشرة، وكان أكبر مثال على ذلك قانون الاحتكار الذى تأخر صدوره سنوات كثيرة وحينما تم إقراره فى مجلس الشعب خرج مشوها لحماية البعض منهم، مؤكداً أن قمة الفساد أن تجتمع السلطة مع رأس المال.لا يقتصر تواجد رجال الأعمال على علاقتهم القريبة من السلطة فى عصرنا الحالى ولكنه يمتد لرغبتهم فى خوض انتخابات مجلسى الشعب والشورى أو عضوية ورئاسة الأحزاب، أو اختيارهم فى مناصب وزارية أو الجمع بين أكثر من مهمة. فاليوم لدينا رجال أعمال يشغلون مناصب مهمة وهم فى ذات الوقت أعضاء بمجلس الشعب، وأبرز مثال على ذلك المهندس أحمد عز، أكبر مالك لمصانع الحديد فى مصر، رئيس لجنة الخطة والموازنة فى مجلس الشعب، وصاحب المهام العديدة داخل الحزب، وهناك وزير الإسكان الحالى، ووزير السياحة السابق أحمد المغربى، صاحب الأنشطة المتعددة فى عالم السياحة، ووزير النقل السابق، محمد منصور الذى تتعدد أنشطته الاقتصادية.
لم يكن تولى رجال الأعمال المناصب البارزة فى الدولة السبب الوحيد وراء سوء النظرة الموجهة لهم، بل تورط بعضهم فى قضايا فساد ونفوذ، لعل أشهرها، وهى منظورة الآن أمام المحاكم، تورط هشام طلعت مصطفى، رجل الأعمال الشهير، عضو مجلس الشورى السابق، فى قضية مقتل سوزان تميم.
ورغم تلك النظرة فإنه لا يمكن تطبيق القاعدة على كل رجال الأعمال واتهامهم جميعا بالفساد أو اللصوصية على حد تعبير الدكتور هانى السبكى، استشارى الطب النفسى، الذى يرى أن هناك رجال أعمال صالحين يستفيد منهم المجتمع فى صورة تشغيل أيد عاملة، أو إنتاج سلع مختلفة، وإلا لما اعتمد عليهم الاقتصاد المصرى ولا شهدنا تلك الطفرة الاقتصادية التى نعيشها رغم عدم إحساس الكثير من المصريين بها.
ولكنه يضيف: «المشكلة فى العلاقة بين بعض من يسمون أنفسهم رجال أعمال وبين النظام الحاكم للدولة، وتوغلهم بين صفوف النظام بشكل يسىء للنظام من جانب ويتهمه بالفساد، ويشكك المواطن العادى فى نوايا رجال الأعمال من جانب آخر حتى لو ساهموا فى الأنشطة الاجتماعية بين الحين والآخر، والعلاج بسيط للغاية أن يبتعد أصحاب المال عن عالم السلطان والنفوذ السياسى».
القومية العربية.. حلم تحول بعد «ناصر» إلى عقدة
تبقى القومية العربية المشروع الأكبر الذى سعى إليه نظام عبدالناصر والحلم الأكبر الذى حشد قواه السياسية والعسكرية والفنية لتحقيقه، انعكس ذلك على وجدان المواطن المصرى وقتها فآمن بالفكرة وردد نشيد «وطنى الأكبر»، ورحب بالوحدة المصرية السورية التى تم الإعلان عنها فى 22 فبراير 1958، بتوقيع ميثاق الجمهورية المتحدة من قبل الرئيسين السورى شكرى القوتلى والمصرى جمال عبدالناصر. اختير عبدالناصر رئيسًا والقاهرة عاصمة للجمهورية الجديدة.
وفى عام 1960 تم توحيد برلمانى البلدين فى مجلس الأمة بالقاهرة وألغيت الوزارات الإقليمية لصالح وزارة موحدة فى القاهرة أيضًا. أنهيت الوحدة بانقلاب عسكرى فى دمشق يوم 28 سبتمبر 1961، وأعلنت سوريا قيام الجمهورية العربية السورية، بينما احتفظت مصر باسم الجمهورية العربية المتحدة حتى 1971 عندما سميت باسمها الحالى جمهورية مصر العربية، الوضع الحالى يؤكد أن ما تبقى من القومية العربية لدى النظام السياسى المصرى بعد أزمة الجزائر والمناوشات المتتالية مع قطر وسوريا لا يتجاوز أوبريت «الحلم العربى».
يرى الدكتور محمد رفعت، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، فى جامعة الإسكندرية أن فكرة القومية العربية اغتيلت فى عهد عبدالناصر، وأن تفكك الوحدة عام 1961 لم يكن سوى نواة لاغتيال الفكرة بالكامل عقب نكسة 1967، ويقول «تم وضع مخطط لاغتيال القومية العربية ونجحت بالفعل عقب نكسة يونيو، وبقى مصطلح «القومية العربية» و«الوحدة العربية» مجرد ورقة من ضمن الأوراق العربية التى يتم إبرازها وتداولها فى حالات الفشل والانتكاسات فقط، لأن هزيمة عبدالناصر فى القومية العربية كانت هزيمته الأكبر، والنظام الحالى ليست له علاقة بالقومية العربية وإنما يستخدم المصطلح فقط فى المناسبات الرسمية، وانعكس ذلك على المواطن المصرى الذى لم يعد يؤمن بالقومية العربية، فإهانة المصرى فى البلاد العربية وتعرضه لمضايقات أثر على العقل الجمعى المصرى وجعله رافضا كل ما هو عربى».
تخالف الكاتبة سكينة فؤاد الرأى السابق وتصر على أن القومية العربية لم تفشل فى عهد عبدالناصر، لكنها حوربت فقط، وتقول «المشروع القومى العربى ظهر موازيا للمشروع الصهيونى فكان لابد من الخلاص من عبدالناصر كشخص حتى يمتد المشروع الصهيونى ويفرض هيمنته ويتكون ما يسمى الشرق الأوسط الجديد ويصبح الوطن العربى مجموعة من الكيانات المتشرذمة».
وتضيف سكينة فؤاد أن فكرة القومية العربية ليست اتحاد مجموعة من الدول المتجاورة التى يجمعها تاريخ مشترك فقط، لأن الدول الأوروبية لم تكن بينها القواسم المشتركة الموجودة بيننا ونجحت فى الاتحاد، وأساس القومية هو تكوين اتحاد قائم على المصالح والمنافع المشتركة، وهو ما لا يدركه العرب الآن لأنهم يسعون إلى حالة من الرضا الأمريكى.
وعن اتجاه «مصر للمصريين» تعلق سكينة «مصرية مصر لا تتعارض مع فكرة القومية العربية لأن من يقول إن مصر أعطت دون مقابل يتناسى ما أخذته مصر فى حربى 1956 و1973 من دعم عربى، لكن الديكتاتوريات الحاكمة اهتمت بذواتها وانكمشت على نفسها. ويرجع الدكتور عمار على حسن فكرة القومية العربية إلى ما قبل عهد عبدالناصر، ويقول «فكرة القومية العربية تسبق النظام الناصرى ولا يجب أن نحصرها فى شخص عبدالناصر فقط، فالشعوب العربية فكرت دائما فى هذا المشروع لكى تصبح من الأمم الكبرى.
ويضيف عمار على حسن أن سبب فشل مشروع قومية عبدالناصر هو أفكاره الخيالية بحصر فكرة القومية فى دولة واحدة برئيس واحد ولم تتطور إلى فكرة الدولة القطرية التى تعمل على تنسيق مشترك من أجل مصالح مصر الحيوية وأمنها القومى.
مواطن فى ال«70»: لو «ناصر» زرع صح كان حصد صح.. لكن «الزرعة باظت» منه
قالها أولا الرئيس جمال عبدالناصر، وجاء السادات ليؤكد عليها، وتبعهما مبارك على الخطى، لكن فارقا كبيرا بين منهج الثلاثة فى الحفاظ على «اللامساس» ففى حين وضع ناصر أسس ذلك الشعار، وشعر به المواطن، سار السادات على الأساس نفسه، ولم يطوره، فتوقف إحساس المواطن به، بينما نشط مبارك فى ترديد الشعار، وإن تحول إلى النقيض تماما، وانسحب الأداء نفسه على كل الشعارات التى وضع ناصر حجر أساسها، ولم يستكملها أحد من بعده.
ومع مطلع العام المقبل، يتم المواطن محمد حسين حجازى عامه السبعين، ومع احتفاله بيوم مولده، قطع على نفسه عهدا منذ أن كان صبيا يشارك زملاءه الطلاب حركة الجهاد ضد الاستعمار وقال: تفتكروا ممكن الواحد يعيش لحد ما يبقى عنده 70 سنة؟.. لو ربنا كرمنى وعشت للسن ده هاكتب كتاب أحكى فيه تاريخ مصر من وجهة نظر مواطن.
يشرح حجازى فكرته ويقول: التاريخ يكتبه الحكام بأفعالهم، وأغلبها إما ضد المواطن أو لصالحه، ولم يفكر أحد كيف ينظر المواطن إلى هذه الأفعال، وهل يشعر بها، أم تمر مرور الكرام، لذا قررت أن أحكى تاريخ مصر الذى عاصرته، بصفتى مواطنا، أحب زعيما، وكره حاكما، وشجع قرارا، ولم يستطع أن يقف ضد آخر، وتلقى كل ما حدث لمصر بمنطق أنه «لا راد لقضائه»، وفسرت أحلامه اليومية الآية الكريمة «وما تدرى نفس بأى أرض تموت».
يوم لا ينساه حجازى، عندما خرج فى جنازة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، دموعه تسبقه ولسانه لا يتوقف عن ترديد «لا إله إلا الله عبد الناصر حبيب الله».. بكى فى الجنازة قبل 40 عاما وهو يتذكر ما فعله الرجل له كمواطن، والمزايا التى قدمها لفئة المواطنين، وبكى أيضا عندما تذكر حاله الآن، وما آل إليه بعد رحلة كفاح تجاوزت نصف قرن.. حجازى يحمل عبد الناصر مسؤولية الأحوال الآن، ويبرر موقفه هذا: «أصله لو زرع صح كان حصد صح، لكن الزرعة باظت منه». حجازى لم ينف أنه ليس ناصريا، لكنه أكد: «ولا ساداتى ولا مباركى»، ويقول: عمرى ما اتحسبت على رئيس جمهورية، أنا محسوب على مصر، وهم موظفين عندى كمواطن، وعند مصر، يبقى إزاى اتنسب لحد فيهم؟.. وأضاف: كل الإنجازات التى تحققت لنا كمواطنين فى عهد ناصر، فشلت بعد وفاته، وتجاهل من جاء بعده ذلك البناء الذى وضعه ناصر، فلم يكملوه، بل انهار منهم، ولم يبق منه سوى لافتات وشعارات.
يتذكر حجازى أحد هذه الشعارات «سأحافظ على مجانية التعليم».. ثم يبتسم: فعلا عشنا خمس سنوات والتعليم مجانى، ثم فرض الغلاء نفسه على كل شىء، وأصبح دخول المدرسة للقادرين فقط، وعرفنا التسرب من التعليم، وجاء السادات ولم يغير كثيرا فى الواقع، ولم يحافظ على مجانية التعليم التى رفعها ناصر شعارا من شعارات الثورة، لكنه حافظ على الشعار، وربما ردده أكثر مما ردده صاحب الفكرة الأصلية، الغريب حقا أن الشعار مازال موجودا حتى الآن، فى زمن وصلت فيه مصروفات الحضانة لأكثر من 5 آلاف جنيه، وعرفنا فيه كل أنواع التعليم، وتوقفت فيه جودة التعليم على قيمة المصروفات المدفوعة.
كان حجازى ينتظر ثورة تصاحب شعار التعليم المجانى، لأن التعليم أساس النهضة، لكنه فؤجى بالعكس: «والنبى العيال اللى رايحين جايين على المدارس فاهمين حاجة؟!.. دى البهايم بتفهم عنهم».. واسترسل: حاول عبدالناصر أن يحقق الأهداف ال6 لثورة يوليو، وبالفعل حقق فى عهده 5 أهداف، لكنها لم تستمر من بعده، أما الهدف السادس وهو الديمقراطية، فلم يتحقق حتى الآن، وما تحقق منه فى عهدى السادات ومبارك، مجرد قشور، لا تفى بالهدف الذى وضعته الثورة وقت انطلاقها.
ويتذكر حجازى فى خطبة من خطب ناصر، أنه وعد بأن يعود بالأسعار إلى أسعار سنة 61، وبالفعل وفى بعهده، لكنها كانت المرة الأخيرة، فرغم الحفاظ على شعار «لا زيادة فى الأسعار» طوال خمسين عاما، فإن الأسعار تزيد يوما بعد آخر، دون مبرر وبشكل هيستيرى، وكل يوم نقرأ الشعار فى إحدى الصحف القومية، «لامساس» وعندما ننزل لتطبيقه، نجد أسعارا أخرى.
ويضيف حجازى : قالها عبدالناصر قبل سنوات «صحة المواطن خط أحمر» لذا أتاح العلاج المجانى فى المستشفيات، واستمر السادات ومبارك على النهج نفسه، بل تطور الوضع على أيديهما، فلم تعد المستشفيات تقدم العلاج والكشف مجانيا فقط، بل أصبحت تُريح المواطن من حياته، فيدخل المواطن المستشفى على قدميه، لكنه يخرج منها على ظهره، وعرفنا أنظمة علاج كثيرة على نفقة الدولة، تضر صاحبها أكثر مما تنفعه.
احنا بنينا السد العالى» كان يرددها وهو يتذكر كلام عبدالناصر ووعوده بأن السد سيتيح لنا إنتاج الكهرباء، وأن سعر الكيلو منها لن يتجاوز مليمين، وتحققت وعود ناصر فى حياته وحافظ عليها السادات بعض الشىء من بعده.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.