ظننت مع بدء عملى فى «المصرى اليوم» فى شهر يونيو الماضى، أن عدد الصحفيات فى الجريدة يفوق عدد الرجال بمراحل، فهن منتشرات فى كل مكان، أينما تسر تجد رؤوس الصحفيات بحجاب ومن دون، تسمع أصواتهن جلية، تميز أكثرها وتتوه منك بعضها، بشكل يجعل المكان فى بعض الأحيان كخلية النحل التى لا تكف عن الطنين. ولكننى اكتشفت بمرور الوقت أن المرأة فى «المصرى اليوم» لا تحتل غالبية المقاعد كما كنت أظن. إلا أنى لاحظت عدداً من الأمور، من بينها أن نسبة غير قليلة من الزملاء الشباب والفتيات متزوجون من بعضهم البعض، رافعين شعار «زيتنا فى دقيقنا» و«اللى تعرفه أحسن من اللى ما تعرفهوش». أمر آخر لابد أنه لفت نظر القارئ أيضاً، عبر ترويسة الجريدة، وهو أن الرجل يسيطر على المناصب العليا فى جريدتنا الموقرة، بدءاً من رئيس التحرير، مروراً بمديرى التحرير الأربعة، والمدير الفنى، ونائب رئيس التحرير، ومساعده، وسكرتيره، ورؤساء الأقسام، ومدير الإنتاج، ومدير إدارة التوزيع، ولا يتبقى سوى 3 أقسام فقط ترأسها نساء، هى: الموارد البشرية، وقسم المرأة، ووحدة الملفات، ودمتم. أما الملاحظة الأخيرة والأهم فهى نظرة الزملاء من الرجال للزميلات من النساء، وعلى رأس هؤلاء الأستاذ عبد الحكيم الأسوانى نائب رئيس التحرير، الذى يرد دوماً على من يطلب منه الرقة فى التعامل مع النساء فى الجريدة: «وأين هؤلاء النساء؟ لا أرى سوى كائنات!». ثم يردد الآية القرآنية منصرفاً: «ويخلق ما لا تعلمون». وتارة أخرى تسمعه يقول: هؤلاء من فصيلة «IT» فى إشارة إلى أنهن كائنات لا تعقل، وبالتالى فيجب ألا يؤخذ عليهن. تلك ببساطة هى ملاحظاتى عن وضع المرأة فى «المصرى اليوم». فى البداية قالت محاسن السنوسى: مشكلتى فى الجريدة تتلخص فى عبارة واحدة «الراجل يفهم أحسن من الست» حتى لو لم تكن تلك العبارة صحيحة، والسبب أن الرجال قوامون على النساء، ليس بما أنفقوا فقط، بل حتى فى العمل أيضاً! وهو على عكس ما يحدث فى الخارج، فالناس تثق فى كصحفية أكثر من زملائى الرجال، لأننى أتعامل معهم بمشاعرى، وهو ما يمنحهم الإحساس بأن هناك من يهتم بهم. وأضافت منى ياسين: يزعجنى فى العمل أنه يأخذ منى كل وقتى حتى نفسى، أتوه فى تفاصيله اليومية، التى لا تفرق بين رجل وامرأة فى ظل خبر نسعى وراءه أو حوار نجريه، فنسيت فى ظل كل هذا أننى أنتمى لجنس النساء، أحيانا أتمنى أن أجد الوقت للراحة أو الاهتمام بنفسى فلا أجد. أما ما يزعجنى فى الخارج فهو أن الناس لا تصدق أن تلك البنت النحيلة هى من تكتب فى المصرى اليوم، وأول ما أسمعه فى أى عمل: «على جنب يا شاطرة»، وعندما يعرفون هويتى يتعجبون ويفسحون لى الطريق. وترى سماح عبد العاطى أنه لا فارق بين شاب وفتاة يمارسان مهنة الصحافة، خصوصًا فى «المصرى اليوم»، لكن المهنة تستغرقنا إلى أبعد الحدود وتنسينا حتى المشاركة فى المناسبات الاجتماعية لأسرنا. مشكلتى الحقيقية فى أمى التى ترى فى عملى وما يتطلبه من تأخير أو غياب عن المنزل «قلة أدب» ودائما ما تكرر على سمعى قولها: «ما فيش راجل محترم يقبل إن مراته تشتغل صحفية»، حاولت إقناعها بلا فائدة، أما أنا فنسيت فكرة الارتباط لأنه محتاج وقت. وتابعت ريهام جودة: أنا اتجوزت من زميلى فى الجريدة «حسام صدقة» منذ 6 شهور، والحقيقة لا أجد وقتًا لاستعمال المطبخ فى منزلى، فنحن نخرج للعمل منذ الصباح الباكر ولا نعود إلا فى المساء وبالتالى نأكل فى الجريدة ونطلب الطعام ديليفرى من أى مطعم، وترعبنى فكرة الأمومة لأنها تحتاج وقتاً وتفرغاً لا توفرانه لى مهنتى. وليس لى متاعب سوى ذلك..الرحمة يا رب. وأضافت هبة حسنين: المشكلة فى أى مكان عمل أن الانطباع الأول يدوم، وبقدر سعادتى بالعمل فى الجريدة فإننى أشعر أحيانًا أن الروتين فيها يقتلنى، فأنا لا حب النمطية فى كل شىء، وأحلم بإعادة اكتشاف نفسى فى الجريدة، أما بالنسبة لحياتى الشخصية فأنا أشعر أننى زوجة مختلفة فى «المصرى اليوم»، لأن زوجى ليس زميلى فى الجريدة فقط بل فى القسم نفسه ومكتبه ملاصق لمكتبى، أى أننا مع بعض فى العمل وفى البيت 24 ساعة، وإحساسى بالزواج مختلف الآن، لأننى أمر بتجربة الحمل لأول مرة. وأشارت دارين فرغلى إلى أن المسؤولين فى الجريدة يطلقون على قسم التحقيقات «قسم البنات»، لأن غالبية العاملين فيه من الجنس اللطيف، ورغم ذلك لا يقتنع السادة الرجال من المسؤولين فى الجريدة بأننا قادرات على تحقيق كل ما يُطلب منا من مهام، فينظرون دوما لنا بتشكك لا أفهم سببه، تؤيدهم فى ذلك والدتى، ويخالفهم الرأى فيه والدى الذى يدفعنى للأمام، أما خطيبى فرغم كونه صحفياً فإنه يرى أن الست مكانها الطبيعى البيت. لكننى لن أرفع الراية البيضاء بسهولة. وقالت هدى رشوان: المفارقة بالطبع أننى أغطى كل أخبار المرأة وقضاياها المختلفة، وهى أخبار لا تجد مساحة كبيرة للنشر فى جريدة خبرية سياسية فى المقام الأول، بالإضافة إلى معاناتى فى تربية ابنتى فرح التى لا تتجاوز العامين ونصف العام، فى ظل غياب حضانة مناسبة بجوار الجريدة. أصر على الكفاح للحصول على حق نشر الأخبار النسائية، وأتمنى أن أصبح فى يوم من الأيام رئيسة تحرير مجلة نسائية. أما وفاء بكرى فأشارت إلى أنها تغطى وزارة خدمية هى الإسكان، والجريدة لا تعتمد على الخبر الخدمى بل الخبر المثير، وتلك هى الكارثة، ولا أملك أمامها سوى التمسك بشعار «الصبر جميل» والاستماع لأغنية محمد محيى «أنا ما وصلتش لحاجة.. اتخنقت» وأضافت الشيماء عزت: رغم عشقى للتحقيقات، فإننى سعيدة بعملى فى قسم البرلمان، خصوصًا أننى المرأة الوحيدة فى القسم، وكل من معى من الرجال، ولذا فالتحدى أكبر فى قسم يتعامل مع أخبار البرلمان والسياسيين فى المجلس، أمنيتى أن يحصل كل ذى حق على حقه فى الجريدة. أمومتى جزء مهم فى حياتى وقد تكون الأهم، أترك ابنتى مع والدتى التى تسكن بجوارى لرعايتها، ولكن لو تعارضت أمومتى مع عملى فى الصحافة، فسوف أختار الأمومة. وبعفوية شديدة قالت منار خاطر: أنا الأيام دى محبطة بسبب حاجات كتير، ضعف المرتب، ضعف النشر، إلى جانب الإجهاد من شهور الحمل الأولى، ومطلوب منى فى ظل كل هذا العمل والاجتهاد، وأداء العمل بنفس المعدل. بالطبع خائفة من الفترة بعد الولادة، وأتمنى أن تصدق الإدارة فى وعدها بإنشاء حضانة للصحفيات بالجريدة من الأمهات. أما ألفت عمر فأشارت إلى أن ميكنة العمل «السيستم» فى الجريدة ليست بالأمر السهل، فالنظام فى حاجة لمجهود مضاعف خاصة بعد أن أصبحت المسؤولة الأولى عنه. يتطلب العمل فى مراحله الأولى ساعات من التأخير الإضافى، المشكلة أن أبنائى يشعرون أن العمل أخذنى منهم، فى الوقت الذى سافر فيه زوجى للعمل فى الخارج، وهو ما ضاعف مسؤولياتى كأم. كل ما أتمناه أن تخف المسؤولية حتى أعود لأبنائى مبكراً. وأكدت ابتسام عباس: العمل فى الأرشيف مرهق وليس كما يظن البعض خصوصًا عندما يأخذ بعض الزملاء إجازة ويصبح العبء كله فوق رأسى، أخرج من العمل وأسرع لركوب المترو إلى حلوان، أصطحب ابنتى ذات العامين من عند والدتى، وأقف فى الشارع فى انتظار مواصلة أخرى، لأن المسافة بين بيتى وبين والدتى، تجاوز نصف الساعة، وأعود منهكة وأسارع بإعداد الطعام لزوجى الذى يصل بعدى بساعة، ويا ويلى يا سواد ليلى لو جاء ولم أكن قد انتهيت من الطعام.. ربنا يستر وأعربت نفيسة الصباغ عن سعادتها بقولها: أنا محظوظة فى عملى وزواجى، الحمد لله فى العمل الأمور تسير وفق نظام يريح الجميع فى قسم الخارجى، وفى البيت أسعدنى الله بزوجى خالد البلشى رئيس تحرير «البديل»، الذى يساعدنى فى كل شىء ولا يتوانى لحظة عن مد يد العون، حتى إننى عندما أنجبت ابنى «على»، لم أحمل همه فى الشهور الستة الأولى التى لم يكن على فيها سوى إرضاعه. وحتى عندما أحتاج للسفر من أجل العمل فإنه لا يمانع. فى نفس الوقت الذى تقيم فيه شقيقتى معى فى المنزل وتعاوننى فى العناية بأبنائى. وأضافت شيماء القرنشاوى: الشغل فى الحوادث مش سهل على البنات، محاكم وأقسام، وقضايا ومتهمين، وكله كوم ويوم محاكمة جزارين الحمير كوم تانى، حيث انقضت علىّ زوجة أحدهم وأنا فى المحكمة تريد ضربى و طبعاً جريت. الشغل فى قسم كله رجالة مش سهل.. «بيستهيفونى» ويقللوا من قيمتى مع إنى عمرى ما فوّت شغل ولا ضاع علىّ خبر، ما علينا المهم لما قلت السنة اللى فاتت إنى البنت الوحيدة فى القسم، صعبت عليهم وجابوا لى فاطمة أبوشنب، بالذمة ده كلام. وقالت هبة عبدالحميد، بابا أكبر مشجع لىًَّ فى الدنيا وحاسس إنى حاكون حاجة فى النهاية ونفسى أحقق له أمله. أما ماما فحزينة لأنى أرفض أى عريس يطلب منى التفرغ للمنزل. بس كل شىء قسمة ونصيب. وأشارت تيسير قوايد إلى أن عملها مرتبط بملف الإسلام السياسى، وقالت: لأنى بنت ممكن المصدر يرفض مقابلتى ويجرى الحوار بعد رجائى له على الهاتف، وتلك مشكلة فى العمل، أما فى البيت فأنا الابنة الكبرى، ولى شقيق يصغرنى بثلاث سنوات، يمارس علىَّ الرجولة الشرقية، إن تأخرت فى أحد الأيام يمنعنى من الخروج فى اليوم التالى، وأمى تؤيده لأنها ترى أن عملى كصحفية مهين لى كفتاة. وأشارت ولاء نبيل إلى أنها لا تخبر أسرتها عندما تذهب فى مهمات عمل صعبة أو خطيرة، حتى لا يصيبهم الخوف والقلق، وقالت: أفراد أسرتى لا يعرفون ما قمت به إلا على صفحات الجريدة بعد أن يتم نشره. وفى رأيى أن التحقيقات عمل صحفى رائع وأتمنى أن أواصل فيها رغم صعوبة المناخ الصحفى للبنت. أما شيرين حمدى فقالت: الكثيرون لا يعرفون معنى كلمة «الإخراج الصحفى»، حتى والدى كان يريدنى أن أكون صحفية كى أكون مشهورة، ويقرأ الناس اسمى، لكننى فضلت العمل الذى أحبه وأجيده، وفى البداية لم يتوقع قيادات الجريدة أن تجيد بنت الإخراج الصحفى، لكنهم باتوا يثقون فى أنا وزميلاتى بعد أن أثبتنا جدارتنا، وكله على الله.