إن إعادة بناء المدارس والمستشفيات والعمار سهل لا يتطلب إلا أموالاً تتدفق من الدول المختلفة، أما بناء الإنسان العربى فيحتاج إلى تغيير تام فى المفاهيم، إن كل هذا الإعمار سيديره الإنسان، وهنا علينا الاهتمام بتنمية العنصر البشرى، وهذا يحتاج إلى تواجد: المصداقية، المسؤولية، روح التعاون، تجاوز الذات، التوازن بين القيم المتوارثة والقيم الحديثة، واعتبار الدين معاملة أكثر منه طقوسًا. إن الأخلاق والقيم هما العنصران الأساسيان لنهضة أى أمة، وليست بالغنى والفقر، وللأسف إن كرامة وآدمية الإنسان العربى، الذى تعرض للظلم والقهر من الاستعمار الأجنبى، مازال يعانى من الظلم بعد غياب الاستعمار، مما أدى إلى تدهور فى القيم والأخلاقيات، ولحسن الحظ أن الأخلاقيات ليست وراثية ولكنها بيئية، ومن ثم يمكن تغييرها بالقدوة. يجب أن يختفى السلوك السلبى، اللامبالاة، العزلة الاجتماعية، الفجوة بين المواطن والحاكم، التدين السطحى الطقوسى، يجب أن ننمى الصدق، الأمانة، العلم، التسامح، ولا ننسى أن أساس العولمة هو الربح والمال والكسب السريع مع التغاضى عن القيم والأخلاق. لقد سببت العولمة انحدارًا فى الديمقراطية وحقوق الإنسان والقيم الجمالية والحضارية، دعونا لجمع أهل العلم والثقافة والإعلام للنهضة بمنظومة القيم والأخلاق والتى تحتاج إلى القدوة، والإصرار والعزم، أن يعود الإنسان العربى إلى الإنسانية، التسامح، القيم، الأخلاق، الكرامة، الشهامة، وأن نبدأ بأن يكون كل قدوة فى مكان عمله حيث يتحلى بالمصداقية، روح الفريق والبعد عن إيثار الذات وأن تسود المجتمع العربى روح العدل. لقد حاول اتحاد الأطباء النفسيين العرب مع الزملاء فى غزة فى إعادة التوازن النفسى للمعاناة البشرية لأطفال غزة، بإرسال القوى البشرية من المتخصصين فى السلوك الإنسانى فى مجموعات تستمر حتى يتم فتح معبر رفح، لأن إعمار البناء يختلف تمامًا عن إعمار المواطن الغزاوى! وكما قال دانتى: «الدرك الأسفل فى جهنم محجوز لأولئك الذين يتخذون موقف الحياد عندما تتعرض القيم للخطر». إن إعادة إعمار الإنسان العربى ربما تفوق فى أهميتها إعادة إعمار البنيان.
