«ديكور ديمقراطى.. حبر على ورق.. ذر الرماد فى العيون».. أوصاف أطلقها برلمانيون، حاليون وسابقون، على تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات، وملاحظات رئيسه المستشار جودت الملط على الأداء الحكومى، فى الوقت الذى دافع فيه البعض عن أداء الجهاز واستقلاليته وأهمية تقاريره، مؤكدين أنه «جهاز قوى يرأسه شخص قوى». أرجع البعض الآخر عدم جدوى تقارير الجهاز إلى «المناخ العام السائد فى مصر»، وسيطرة الأغلبية على مجلس الشعب، وبالتالى حمايتها لحكومة الحزب، والعمل على نزع أنياب هذا الجهاز الرقابى المهم - على حد قولهم - مما جعل عدداً من النواب يصفون تقارير الجهاز بأنها مثل «الأذان فى مالطة»، داعين إلى تعديل تشريعى يعطى الجهاز صلاحيات أكبر، ويلزم الحكومة بالرد على ملاحظاته، ووضعها محل التنفيذ. وفى هذا الإطار يقول منير فخرى عبدالنور النائب السابق، سكرتير عام حزب الوفد، إن الجهاز يرفع تقاريره إلى رئاسة الجمهورية ومجلس الشعب، ولكن نسبة التقارير المعروضة على البرلمان «قليلة للغاية» وتعرض للمناقشة فى لجان المجلس أو جلسة عامة، تنتهى إلى إقرار بعض التوصيات، وتظل التقارير «حبراً على ورق» - على حد وصفه. ويلفت عبدالنور إلى أن التاريخ المصرى حافل بإجراءات اتخذها البرلمان بناء على تقارير الجهاز، وأشهرها ما تقدم به مصطفى مرعى، عضو مجلس النواب، حول المبالغ المصروفة فى إصلاح يخت «المحروسة» المملوك للملك فاروق، والتى وردت فى تقرير محمود محمد محمود، رئيس الجهاز الأسبق، وكان هذا الاستجواب أحد المسامير الأخيرة التى دقت فى نعش الملكية فى مصر. ويرى حمدين صباحى، رئيس حزب الكرامة «تحت التأسيس»، أن جهود المستشار جودت الملط، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، أشبه ب«الأذان فى مالطة» - على حد وصفه - معتبراً الجهاز «ديكوراً ديمقراطياً». ويقول: هناك تزاوج بين السلطة ورأس المال فى مصر، يؤثر على القرار السياسى، والفساد هو الابن غير الشرعى لهذه العلاقة الآثمة، ويضيف: رغم أن المركزى للمحاسبات ومجلس الشعب سلطتان رقابيتان فإن مجلس الشعب أصبح ديكوراً «للحديث عن الديمقراطية والجهاز ديكوراً للحديث عن الفساد فى مصر». وتكمن المشكلة - من وجهة نظر صباحى - فى النظام الحاكم، والأغلبية التى يمثلها نواب الحزب الوطنى فى البرلمان، فالأغلبية - والكلام لصباحى - ستصادر أى محاولة لإسقاط أى مسؤول، فى ظل غياب قانون يحاسب الوزراء، وغياب التداول الطبيعى للسلطة، ودون ذلك «سنظل فى حالة تنفيث للبخار حتى لا تنفجر الحلة» - على حد تعبيره. ويتفق النائب المستقل كمال أحمد، مع هذا الرأى، مضيفاً أن المشكلة تكمن فى انحياز الأغلبية للحكومة، وبالتالى ينبغى الاعتماد على الأغلبية المطلقة، ممثلة فى الرأى العام، فمن حق جميع المواطنين التعرف على ملاحظات الجهاز وتقاريره وإبداء الرأى فيها، وإجبار الأغلبية البرلمانية على اتخاذ قرار يحقق الصالح العام، مستنداً إلى تقارير الجهاز. ويشير أحمد إلى أن الأجهزة الرقابية تسيطر عليها حالة إحباط، لأنها تبحث فى قضايا كثيرة، وتصل إلى طريق مسدود، بسبب تحالف رأس المال والسلطة، كما أن الأغلبية البرلمانية تعد جناحاً للسلطة التنفيذية، ونسبة كبيرة من هذه الأغلبية رجال أعمال. ويقول إن الجهاز المركزى يقوم بدور كبير، إلا أن المشكلة تكمن فى الأحزاب، التى يعتبرها «شقة وجريدة»، مطالباً الأحزاب بأن تلعب دورها فى التأثير على الرأى العام، ويكون لها مكان فى البرلمان، وليس مجرد تمثيل فردى لرئيس الحزب، حتى يتمكن من الضغط على الأغلبية. ويكشف أشرف بدرالدين، عضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين، عضو لجنة الخطة والموازنة، عن عدم مناقشة تقارير خطيرة للجهاز ويقول: حتى إن النواب لا يعرفون هل وصلت هذه التقارير المجلس أم لا، وإن كان رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات صرح من قبل بأنه يرسل صورة من التقارير إلى الرقابة الإدارية، ويمكنها تحريك دعوى قضائية ضد المسؤولين، إلا أن هذا لا يحدث، وبالتالى نحتاج آلية جديدة لمحاسبة المسؤولين. وتابع: تقارير رئيس الجهاز، كما يقول الملط، على مدار 9 سنين نسخة بالكربون، فالملاحظات تتكرر، والأخطاء والمغالطات ترتكب بالأسلوب نفسه، وهو ما يمثل استخفافاً من الحكومة فى التعامل مع التقارير، وبالتالى نحتاج تعديلاً تشريعياً، يجعل من حق الجهاز تحريك الدعوى الجنائية، ضد المتورطين فى المخالفات التى يرصدها. ويرى أبوالعز الحريرى، النائب السابق، نائب رئيس حزب التجمع، أن تقارير الأجهزة الرقابية - ومن بينها المركزى للمحاسبات - متوقفة على «إرادة القيادة العليا» ويقول: أنشئ الجهاز ليكون أداة رقابة على الهيئات العامة والمال العام، ليجنبها الفساد والتخريب، مثله مثل الأجهزة الرقابية الأخرى التى تجهد نفسها فى تجميع التقارير والقضايا، ولدينا 22 جهازاً رقابياً، ولكن تقاريرها معلقة، متوقفة على إرادة القيادة العليا، مثل بعض قضايا التهرب الضريبى، فالأمر متوقف على وجهة نظر السلطة تجاه الرقابة. ويضيف: «يجب أن يكون الجهاز مستقلاً استقلالاً حقيقياً وليس تابعاً، ويمتلك حرية التصرف تجاه ما يحصل عليه من معلومات وفقاً للقانون، خاصة إن تكررت مخالفات فى مكان معين، وبها شبهة جنائية، ويجب أن ترفع التقارير إلى رئيس الجمهورية ومجلس الشعب، ويسأل رئيس الجهاز عن كيفية تعامله مع الملاحظات الواردة أم أن وظيفته هى رفع التقارير فقط، وإلا يعتبر الأمر عبثياً ولا جدوى منه». ويطالب الحريرى بنشر تقارير الجهاز على شبكة الإنترنت، لتكون متاحة للرأى العام ووسائل الإعلام، قائلاً: «أكثر التقارير متاحة للأجانب وللسفارات الأجنبية وصندوق النقد الدولى، متسائلاً: كيف يعلم الأجانب عن وطننا ما لا نعلمه؟ ويصف الحريرى تقارير الجهاز بأنها «شكلية وهزيلة، والمقصود منها ذر الرماد فى العيون»، مشيراً إلى أن بعض تقارير الجهاز تأخذ وقتاً طويلاً جداً من الجهات المخالفة والحكومة للرد عليها، وبعض الجهات لا ترد، ويضرب مثالاً بتقرير الجهاز عن ميزان المدفوعات فى 2003 الذى تحدث عن إهدار 1300 مليون دولار تحت بند «الصواب والخطأ» ولم ترد الحكومة عليه. فى حين تقول الدكتورة جورجيت قللينى، عضو مجلس الشعب عن الحزب الوطنى، إن الجهاز المركزى يقوم بدور رقابى مهم جداً، ويعبر عن الممارسة الديمقراطية، وتعد المحاسبة من أهم الأدلة على سعى الدولة لترسيخ مبدأ الشفافية، والأهم من ذلك أن على رأس الجهاز رجلاً قوياً، وعندما يختار الرئيس رجلاً قوياً على رأس هذا الجهاز، يعد تقارير قوية جداً، ويجدد له الرئيس بعد انتهاء مدته، كل ذلك معناه أن اختياره لم يكن مصادفة. وتضيف أن تقارير الجهاز مهمة للغاية عندما ترصد مخالفات، وعندها يجب أن نرى مدى تجاوب الأجهزة الحكومية المعنية مع هذه المخالفات.. هل أجرت تحقيقاً؟ هل عاقبت المخالفين؟ هل اتخذت إجراءات وقائية لتفادى وقوع المخالفات فيما بعد؟ وما مصير التحقيقات؟ وتؤكد قللينى ضرورة الاستماع إلى الأجهزة الحكومية بنفس درجة الاهتمام التى يحرص عليها النواب فى تعاملهم مع تقارير الجهاز، مضيفة: تقارير الجهاز ترصد كماً كبيراً جداً من السلبيات، إلا أنه يجب الاستماع للجهتين بنفس القدر، ففى بعض الأحيان يهتم النواب بالاستماع فقط إلى تقارير الجهاز دون الالتفات إلى رد الجهات المعنية على هذه التقارير.