القضية الرابعة التى تشكل العلاقات المصرية -الأمريكية باعتبارها مباراة تعبر عن شكل جديد من أشكال المباريات الاستراتيجية، هى شكل مباراة «الإشكالية الاستراتيجية»، هى المنهجية المصرية فى بناء القوة الدولية. وجوهر الخلاف المصرى مع إدارة جورج بوش، والذى يعبر بمعنى أكبر عن خط ثابت خلال عصر الرئيس مبارك، هو أن مصر تحرص دائما على ثلاثة معان جوهرية عند التخطيط لبناء قوتها الدولية، أولها: أن تكون هذه القوة معتمدة على أساس إقليمى عربى متين، ثانيها: أن تكون هذه القوة معتمدة على أطر تنسيقية دولية سواء فى مجالات التنمية الدولية بأشكالها المختلفة أو مجالات العلاقات الدبلوماسية الأمنية بآفاقها المختلفة، ثالثها: الحرص الكبير على الاستقلالية المؤسسية مع تنمية القدرة على الدفاع والردع. هذه المعانى والتوجهات التخطيطية الثلاثة اصطدمت بأربعة توجهات أمريكية منذ الإعلان عن بزوغ النظام الدولى الجديد على يد جورج بوش الأب فى 1991 بعد الانتصار الأمريكى على العراق وطرده من الكويت، وبعد الانتصار الأمريكى الاستراتيجى على الاتحاد السوفيتى وتفكيكه وتحويله من قوة عالمية إلى قوة من القوى العظمى بل وقوة عظمى ضعيفة ومتهالكة، هذا الانتصار المزدوج ساهم فى صياغة 4 معايير جديدة للقوة الأمريكية، جاءت لتورث العلاقات المصرية الأمريكية مجالات متنامية من التوتر والتناقض والتى حاولت الدولتان فى عصر مبارك إدارة العلاقات بشكل يخفف من الآثار الجانبية لهذا التوتر والتناقض البنائى، أولها: أن بناء القوة يقوم على أساس عالمى وليس فقط دولى، ثانيها: هذا الأساس العالمى يقوم على أيديولوجية عالمية تدعم وتعمل على تنعيم القوة الأمريكية، فكانت فكرة حقوق الإنسان فى عهد كلينتون الموروثة من إدارة كارتر الديمقراطية، وكانت الديمقراطية وحقوق الأقليات السياسية ونشرها فى عهد بوش الابن، والآن يتبنى الرئيس الحالى باراك أوباما فكرة توسيع مفهوم حقوق الإنسان ليحتوى على مضامين اجتماعية تقدمية وإنسانية بالمعنى الأمريكى وليس الاشتراكى، ثالثها: تبنى منطق تحويلى لدول العالم سواء كان فى إدارة كلينتون وقام على التعايش السلمى والإدارة الجماعية التعددية بين الدول والمذاهب والطوائف فى ظل القوة الأمريكية،أو فى إدارة بوش الابن، واعتمد على الهيمنة العسكرية والدبلوماسية العالمية الصارمة فى بعض الأحيان وشأن بعض القضايا، ويبدو أن أوباما يتبنى توسيع مفهوم كلينتون بإعادة صياغة العالم فى إطار مشابة للتعددية الأمريكية، بإضافة البعد الأخلاقى العالمى، وليس فقط الإنسانى كأساس للهيمنة الأمريكية، رابعا: تبنى منطق ومنهجية عالمية ضد سيادة الدول ليس فقط بغرض إجبار الدول على التعاون الدولى، ولكن والأهم بهدف بناء نظام عالمى جديد ليس أساسه الدولة القومية، ولكن أساسه المجتمعات المحلية. التناقض بين التصورين المصرى والأمريكى فى بناء القوة الدولية يظهر فى ثلاثة مجالات، أولها: هل الدولة القومية هى أساس وحدة التخطيط الاسترايجى أم لا؟ مصر ترى أنها الأساس والضرورية لتوفير أسس العمل المؤسسى الدولى المنصف، بينما أمريكا ترى أنها ليست بالضرورة هى الأساس، بل من المستحسن ألا تكون الأساس لأسباب أخلاقية وعملية يرونها، ثانيها: هل الصراع الدولى هو أساس التفاعل الدولى؟ مصر ترى أن المعايير الجيوبلوتيكية والاستراتيجية يجب احترامها لأنها تقود إلى تعاون وتكامل وظيفى دولى على أسس سليمة، بينما أمريكا ترى أن مبدأ الصراع ليس ضرورى من الناحية المعرفية، بالتالى إذا تم خوضه فيتم بقصد فتح الطريق للاندماج الدولى والعالمى، ثالثها: هل يمكن بناء سلام بين دول الشرق الأوسط؟ ترى مصر أنه يمكن، بينما أمريكا ترى أن المنطقة كما هى الآن غير مؤهلة للسلام، وتحتاج لإعادة هيكلة عميقة وممتدة داخليا وإقليميا ودوليا وعالميا، هنا يتضح الخلاف المنهجى الحقيقى بين مصر وأمريكا بشأن بناء القوة الدولية.