«فالكيرى» اسم مقطوعة موسيقية للموسيقار الألمانى «فاجنر»، كما أن الكلمة معناها فى اللغة الألمانية «الفتاة الأرستقراطية»، لكنها فى فيلم «توم كروز» الجديد والذى يحمل الاسم نفسه محاولة الجنرال الألمانى «كلاوس فون ستوفنبرج» لاغتيال الزعيم الألمانى النازى «هتلر» والتى انتهت بالفشل وإعدام كل المتورطين فيها فى ساحة «بيندلربلك» فى برلين.. الفيلم واجه مشكلات عديدة واعتراضات على تصويره فى المواقع الأصلية للأحداث، خاصة ساحة الاغتيال التى قال عنها وزير الثقافة الألمانى: «هى مكان للتذكر والحداد، وقد تفقد مكانتها وهيبتها كرمز للمقاومة الألمانية فى حال السماح بالتصوير»، لكن فريق عمل الفيلم نجح فى الحصول على تصاريح التصوير، بل استخدم المخرج طائرات ألمانية شاركت فى الحرب العالمية الثانية.. الفيلم تكلفته 84 مليون دولار، واستغرق تصويره عاماً كاملاً فى 70 لوكيشن، ولاقى إشادة من النقاد فى ألمانيا، فى حين تناقضت آراء النقاد الأمريكيين حوله، وقد حقق إيرادات 75 مليون دولار فى الولاياتالمتحدة فقط. عندما تثور على المحتل «الوطنى» بطريقة كلاسيكية ليست تلك هى المرة الأولى التى تتناول فيها السينما محاولة الانقلاب الفاشلة التى تمت فى يوليو عام 1944 على نظام القائد الألمانى «أدولف هتلر» الديكتاتورى قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية بأقل من عام، حيث قدمت السينما الألمانية عام 1955 فيلما عن تلك المحاولة.. لكن ما يعنينا هو التساؤل عن غرض السينما الأمريكية من وراء إنتاج هذا الفيلم فى الوقت الحالى.. فمن المعروف أن الحرب العالمية الثانية كانت مسرحا لعشرات الأفلام الأمريكية ذات الدلالات السياسية سواء المرتبطة بالكيان الصهيونى ومزاعم الهولوكوست «قائمة شندلر» و«عازف البيانو».. أو المرتبطة ببطولات الجيش الأمريكى وقوته «بيرل هاربر» و«إنقاذ الجندى ريان». يقدم الفيلم محاولة كادت تنجح من قبل جنرالات «الرايخ» – الجيش الأحمر الألمانى - لاغتيال «هتلر» وإسقاط حكومته النازية من أجل إيقاف نزيف الدم فى أوروبا.. ويعتمد سيناريو الفيلم على جزء كبير من قواعد كتابة الدراما التاريخية حيث بيان تاريخ كل حدث ومكان حدوثه وأهم الشخصيات التى كانت حاضرة تلك الأحداث سواء الأساسية التى تحرك قراراتها الصراع الدرامى وتتصاعد بالحبكة (تدبير الاغتيال ومحاولة تنفيذ الانقلاب) أو الثانوية التى تمثل جزءا من البيئة الدرامية التى تتحرك داخلها الشخصيات. ويعمد السيناريو طوال الفيلم أن يكون السرد تقليديا جدا كلاسيكياً فى بنائه وتصاعد ذروته ولا يلجأ إلى أساليب سردية مثل الفلاش باك أو التخيل الفانتازى إلا فى مناطق قليلة جدا، حيث استخدم الفلاش باك فيما يخص الجانب الشخصى الأسرى للكولونيل «فون ستفنبرج» (توم كروز) الشخصية المحورية فى عملية الانقلاب، والذى أوكلت إليه مهمة زرع قنبلة فى وكر الذئب (مقر قيادة هتلر الحصين) أثناء اجتماع قادة الجيش الذى كان هو أحد أفراده.. حيث يتذكر فى لمحات قليلة أطفاله وزوجته الذين يمثلون جزءا من الدافع وراء رغبته فى اغتيال هتلر لحمايتهم من شر القتل نتيجة الحرب، إلى جانب فقدانه عينه ويده أثناء معارك شمال أفريقيا مع الحلفاء (تتحول عصابة العين التى يرتديها إلى استعارة بصرية تمثل نيته الخفية فى بعض المشاهد أو رمز انطفاء جانب من نفسيته نتيجة الهزيمة على يد حاكمه الديكتاتور). هذه الشخصية نموذج المواطن القومى الذى يكتشف أن حكومته ما هى إلا أشبه بمحتل «وطني» تضر بلاده وتتسبب فى ضياعها من خلال سياسيات فاسدة ومريعة. وقدم السيناريو قيادة الرايخ بداية من «هتلر» مرورا ب«هملر» و«جوبلز» على أنهم مجموعة من المرضى النفسيين الذين يقودون آلة حرب وحشية لتدمير ألمانيا قبل العالم.. ورغم أنها نظرة تقليدية إلا أنها جاءت موفقة جدا بحكم أنها وجهة نظر صناع الانقلاب التى يتبناها الفيلم. ويركز السيناريو على الدوافع القومية لحركة الانقلاب حيث تدور الأحداث كلها فى أروقة وزارة الحرب وقيادة الرايخ الألمانية دون أى خروج بخط الأحداث على الجبهة أو الساحة العالمية.. ولكن لا يفوت كاتبى السيناريو أن يشيرا أثناء اجتماعات قادة الرايخ إلى الوضع على الجبهات القتالية خاصة الشرقية (مع السوفيت) التى كانت واحدة من كبريات الهزائم الألمانية فى الحرب وراح ضحيتها 330 ألف جندى ألمانى فى معركة «ستالينجراد» وحدها .. أما أسلوب السرد التخيلى فيلجأ إليه السيناريو فقط لشحن المتلقى بحماسة قادة الانقلاب عندما ينقلنا إلى داخل أذهانهم وهم يتصورون خطوات تنفيذ العملية ونجاحهم فى الإطاحة بهتلر والسيطرة على الرايخ وإنقاذ ألمانيا من الهزيمة. اعتمد المخرج «برايان سينجر» على الروح الكلاسيكية نفسها فى رؤيته البصرية للفيلم فقد اتسمت كادراته بالاتساع فى مجملها حيث تظهر صورة هتلر طوال الوقت كخصم حاضر فى الصراع.. خاصة فى مشاهد وزارة الحرب وتقترب أحجام اللقطات من الشخصيات فى لحظات الانفعال الداخلى وكأنها ترغب فى الغوص بداخلهم.. وتبدو حركة الكاميرا محدودة جدا حيث يستلهم المخرج روح الإخراج الأوروبى الذى لا يحرك الكاميرا كثيرا وإنما يقوم بعملية تقطيع مونتاجية كثيفة للانتقال من حجم لحجم داخل المشهد الواحد.. وهو ما يحسب للمخرج حيث فرغ المتلقى تماما لمتابعة انفعالات الحدث وحركة الشخصيات والإثارة التى يبثها السيناريو لا من خلال محاولة معرفة نتيجة الانقلاب فنحن نعرفها سلفا.. ولكن لمعرفة كيف فشل هذا الانقلاب وما هو مصير تلك الشخصيات التى ارتبطنا بقضيتها. ويلجأ المخرج إلى أسلوب الموت المفاجئ للقطة أى انتهاء اللقطة بشكل فجائى على انفجار أو حدث مهم وهو ما صعد بالتوتر الدرامى والإثارة إلى ذروتها خاصة فى مشاهد عملية الاغتيال أو سحق الانقلاب. ريفيو بوستر فيلم «الرقص مع بشير» الاسم الأصلى : valkyrie الاسم التجارى : فالكيرى سيناريو : كريستوفر ماكيوري- ناثان الكسندر إخراج : برايان سينجر بطولة : توم كروز مدة الفيلم : 121 دقيقة