عندما توفى محمود أمين العالم يوم السبت الماضى تذكرت عبدالعظيم أنيس، وقلت لنفسى كيف سيتلقى الخبر وهو يعانى من محنة المرض الأخير، وفى يوم الخميس أمس الأول لحق عالم الرياضيات والمفكر والمناضل الصلب برفيق شبابه ورفيق كفاحه من أجل الاشتراكية، وقد ارتبط اسم العالم باسم عبدالعظيم أنيس منذ أن صدر كتابهما المشترك «فى الثقافة المصرية» عام 1954، والذى يعتبر رغم حجمه الصغير من النصوص المحورية فى تارخ النقد الأدبى، فقد كان أول تطبيق عربى للماركسية فى نقد الأدب، وأثار مناقشة فكرية مع طه حسين ذاته تعتبر من المناقشات التاريخية الكبرى. ورغم أن الكتاب يتسم بما يمكن اعتباره تطبيقاً ميكانيكياً للماركسية، والأرجح أن المؤلفين الشابين الثائرين أدركا ذلك فيما بعد، فإنه كان البيان التأسيسى للواقعية الجديدة فى القصة والرواية والشعر والمسرح والسينما فى الخمسينيات من القرن الميلادى الماضى، وكانت تجلياتها فى مسرح نعمان عاشور وشعر حجازى وعبدالصبور وأدب يوسف إدريس وسينما صلاح أبوسيف، وغيرهم من كبار المبدعين وعبدالعظيم أنيس هو آخر ثلاثة إخوة من عباقرة مصر فى القرن العشرين كل فى مجاله، فكما كان عالماً فى الرياضيات كان شقيقه محمد أنيس عالماً فى التاريخ، بل وصاحب مدرسة بين المؤرخين المصريين، وكان شقيقه إبراهيم أنيس عالماً فى اللغويات. وبينما عرف محمد أنيس بحكم رواج كتب التاريخ بالمقارنة مع كتب الرياضيات، لم تعرف كتب إبراهيم أنيس مع الأسف الرواج التى تستحقه بين المثقفين وكلما قرأت كتاباً جديداً فى اللغويات من الكتب الكثيرة نسبياً التى صدرت فى العقدين الماضيين، خاصة فى المغرب العربى، أعود إلى كتب إبراهيم أنيس، وأجده قد سبق الجميع، وكانت دراساته عن اتجاهات ما بعد الحداثة أدق وأشمل وأعمق، وتتميز بترجمة المصطلحات على نحو يعبر عن السيطرة التامة على اللغتين الأصلية والعربية مثل ترجمتها عند العقاد ومندور. وقد أتاح لى عملى فى جريدة الجمهورية فى الستينيات حضور مجلس محمد أنيس فى مكتب سامى داود، وكان هذا المكتب بمثابة مدرج فى جامعة، كما أتاحت صداقتى للزميلة العزيزة عايدة ثابت زوجة عبدالعظيم أنيس أن التقى به معها مراراً، وكانت وفاتها إثر عضة كلب ضال فى مطار القاهرة من الفواجع فى حياته، وحياة كل من عرفها رحم الله الجميع بقدر عطائهم الكبير للعمل والمعرفة. [email protected]