فجأة وبدون مقدمات وجد نفسه متهمًا فى قضية قتل طفل.. ومطلوب أمام المحكمة فى قضية شهيرة، تناولها الرأى العام.. طرفاها، الأول جمعيات حقوقية عن الطفل الضحية ويدعمها الرأى العام، والثانى، ضباط الشرطة.. تتذكرون جميعًا قضية طفل «شها»، والتى اتهمت فيها أسرة الطفل رجال الشرطة بإلقاء القبض على ابنها وتعذيبه حتى الموت داخل حجز قسم مركز المنصورة فى أغسطس الماضى. مرت الأيام وتحولت القضية إلى المحكمة، واعتقد الجميع أن المتهمين من رجال الشرطة، إلا أن المفاجأة كانت عندما بدأت المحكمة أولى جلساتها، تبين أن المتهم فى القضية هو الدكتور محمود شمس الدين، طبيب القلب بمستشفى المنصورة، الذى وقع الكشف الطبى على الطفل الضحية، وفى الجلسة الثانية أصدرت المحكمة حكمها ببراءة الطبيب من الاتهامات المنسوبة إليه. وقالت بالنص فى حيثيات حكمها «هناك متهمون حقيقيون لم يقدموا للمحاكمة الجنائية.. أهملوا فى أداء عملهم بعدم تنفيذ توصية الطبيب المتهم بعرض المجنى عليه على مستشفى الصدر، مما يقتضى الحكم ببراءة المتهم مما نسب إليه من اتهام.. وإحالة الأوراق للنيابة العامة لتقديم المتهمين الحقيقيين فى واقعة وفاة الطفل داخل مركز شرطة المنصورة. هكذا جاءت حيثيات المحكمة التى أصدرت حكمها بالبراءة.. مما يثير تساؤلات لدى الرأى العام والطبيب البرئ.. لماذا كنت أنا المتهم؟.. هل أنا كبش فداء لضباط الشرطة؟ ما ذنبى لأعيش فى خوف وقلق ماذنب ابنى الصغير بأن يقرأ فى الصحف عن محاكمة أبيه.. وكأننى ارتكبت جريمة؟ أسئلة كثيرة دارت فى رأس الطبيب فى أول ليلة ينام فيها بعد حكم البراءة.. بعد تأكده من أن القضية قد انتهت.. تفاصيل كثيرة رواها الطبيب ل «المصرى اليوم» فى السطور التالية: جاءنى الشاب المحبوس - والكلام على لسان الطبيب - على ذمة قضية فى حالة إعياء شديد، إلى المستشفى. أرسله لى طبيب السجن، وعرضوه على بصفتى الطبيب النوبتجى لجراحة القلب والصدر يومها فى المستشفى. وبالكشف عليه اكتشفت أن لديه مشكلة فى الرئة اليسرى، وقررت إجراء أشعة على صدره، وأخذت عينة من سائل الغشاء المحيط بالرئة اليسرى، ووجدته يعانى من تجمع صديدى كبير جدًا، وعلاجه يستلزم تركيب أنبوبة صدرية، وبالفعل ركبت الأنبوبة له فى الجهة اليسرى من الصدر، وتمت إزالة 1600 سم صديد، وبدأ يتعافى ويعود إلى حالته الصحية الطبيعية، ولا توجد لديه مشاكل طبية أخرى، وبعدما انتهيت قررت تحويله إلى مستشفى الأمراض الصدرية، نظرًا لأن حالته كانت معدية، وكانت هناك خطورة من تواجده على المرضى الآخرين.. وانتهى دوري. وكل الأقوال التى ذكرتها فى المحكمة أثبتت براءتى هى نفسها التى ذكرتها أمام النيابة العامة، بما فيها الأوراق الرسمية التى تم تحويل المريض بها إلى المستشفى، وتاريخ التحويل فى 30 يوليو، وكذلك تاريخ دخوله إلى مستشفى الصدر فى 3 أغسطس، أى بعد التحويل بعدة أيام، ولا أعرف أين تم وضعه، وهل إذا كان قد وضع داخل التخشيبة فى العراء والبرد دون عرضه على أى أطباء من عدمه، وبعدها بشهرين أو ثلاثة، اكتشفت إقحامى فى قضية قتل خطأ، ولم أعرف إلا قبل نظرها أمام المحكمة بيومين، ولم يصلنى الإعلان إلا فى وقت متأخر حتى لا أستطيع توكيل محام للدفاع عن نفسى، وإثبات براءتى.. تسلمت الدعوى يوم سبت، بينما كان قد تحدد لها جلسة الاثنين الذى يليه لبدء نظرها، وكأنه فخ نصب للإيقاع بى. وفى الحقيقة - وما زال الكلام للطبيب - لم أشعر أننى كبش فداء للمتهمين الأصليين فى القضية، تم تقديمه لإخراجهم منها، خاصة أننى شخص يستطيع الدفاع عن نفسه، ويثبت براءته، ولا يمكن تقديمى ككبش فداء لأحد. وكنت أثق فى براءتى خاصة أن ضمير القضاء المصرى لا يزال مستيقظًا، وكنت متأكدًا من حصولى على حكم بالبراءة، لثقتى فى عدالة القضاء.. وأنها مسألة وقت لا أكثر، ومحاولة دنيئة لإغلاق القضية، خاصة أننى لم أرتكب أى شىء، ووقفت أمام القضاء على أننى مذنب، دون ارتكاب أى جريمة، ولكن القضاء وأحكامه العادلة التى تتمتع بها مصر وتتسم بالنزاهة والعدل ظلت تتحكم فى عقلى، لهذا كنت مطمئنًا للبراءة. فى بداية القضية لم تعلم اسرتى أى شىء عن هذا الموضوع ولم أخبرهم خوفًا من أن يصيبهم القلق، والخوف علىّ، ولكنهم عرفوا بعد ذلك من الصحف التى بدأت تتناول القضية، وتنشرها، وعلموا أننى متهم فى قضية قتل خطأ، وأن الصحف بدأت تنشر أننى قاتل، ومتهم دون أى اتهامات أو مستندات، أو إثبات ما ينشرونه، لدرجة أن بعض الصحف نشر كلامًا لا علاقة له بالقضية من الأساس، وليس من واقع المحاضر الرسمية وتحقيقات النيابة العامة، واكتشفت أن لدينا صحفًا لا تتحرى الدقة وبها أخبار ليست صادقة، كنت أقرأ ما يكتب عنى، واكتشف أنه غير صحيح وليس له علاقة بالقضية من الأساس.. دون الرجوع إلى سؤالى أو سماع أقوالى، فكانت بعض الصحف تنشر من خارج القضية، وتجاهلنى الصحفيون، ولم أتخيل أن الصحافة المصرية تتعامل مع القضية بهذه الطريقة. لم أشعر بأى خوف، ولكن كنت أشعر بضيق، لأن أى شخص يمكن أن يلفق القضايا لآخرين.