غزة.. تاريخ من القدسية التى تمزج بين الأمل والألم، إنها مدينة الأحزان والحلم والمحبة، وغزة هى ثانى أكبر مدينة فلسطينية، وهى تحتضن واحداً من أقدم المساجد وأعرقها، والتى يرجع تاريخها إلى عصور ما قبل الإسلام ومنها المسجد العمرى الكبير، الذى يعد أقدم وأعرق مسجد فى غزة. يقع المسجد وسط غزة القديمة بالقرب من السوق القديمة بحى الدرج، الذى كان يسمى سابقاً حى بنى عامر نسبة لقبيلة بنى عامر العربية التى سكنته بداية الفتح الإسلامى. يعد هذا الحى من أقدم الأماكن فى قطاع غزة، وقبل أن يقوم هذا المسجد فى هذا المكان كان هناك معبد وثنى ومع انتشار المسيحية تحول إلى كنيسة وألحق بالكنيسة صنف من الغرف الصغيرة لبيع الشموع والبخور. ومع قدوم الإسلام ظلت الكنيسة مبنى مهجوراً لفترة، ثم تم إعماره وتحويله إلى مسجد، ليصبح أقدم وأكبر المساجد فى غزة عندما فتحت المدينة أيام الخليفة عمر بن الخطاب ولذلك سمى بالجامع العمرى الكبير بهذا الاسم نسبته لعمر بن الخطاب رضى الله عنه، وفى ظل وجود المسجد أصبحت تلك الغرف الصغيرة والتى كانت ملحقة بالكنيسة سوقاً للذهب، خاصة أن صناعة الذهب مهنة قديمة تدر دخلاً لآلاف الأسر الفلسطينية قبل الحصار الإسرائيلى. وفى كتاب «إتحاف الأعزة فى تاريخ غزة»، وصف الشيخ عثمان الطباع، الجامع العمرى الكبير بأنه من أعظم الجوامع وأقدمها وأحسنها وأمتنها، فقليلاً ما يوجد له نظير فى بلاد الشام. يقوم المسجد العمرى على 38 عموداً من الرخام وأسطوانات مثبتة البناء، فى وسطه قبب مرتفعة وتبلغ مساحة المسجد حوالى 4100 متر مربع ومساحة فنائه 1190 متراً مربعاً. شهدت الكتابات المنقوشة على أبواب المسجد وجدرانه تعاقب الملوك والوزراء وأهم اللمسات التى وضعوها على هذا المسجد، ففى عام 697 ه/ 1281م أنشأ السلطان «لاجين» سلطان المماليك باباً ومئذنة وجاء الناصر محمد ليقوم بتوسيع المسجد كما أنه تم تعميره فى العهد العثمانى أثناء الحرب العالمية الأولى. حل الخراب على المسجد الذى تهدم القسم الأعظم منه وسقطت مئذنته، وفى 1926م/1345ه جدد المجلس الإسلامى الأعلى عمارة الجامع تجديداً شاملاً وأعاد بناءه. ويحتوى المسجد العمرى الكبير على مكتبة مهمة فيها العديد من المخطوطات فى مختلف العلوم والفنون، حيث ترجع نشأة المكتبة إلى الظاهر بيبرس فكانت تسمى فى السابق مكتبة الظاهر بيبرس، ويوجد فى المكتبة أكثر من 20 ألف كتاب كما أنها احتوت على نوادر الكتب والدواوين مثل ديوان ابن قزاعة الغزى الصوفى، وكتب للشيخ الطباع وكتب الشها وغيرهم من علماء غزة الأجلاء وبالطبع مسجد أثرى كالمسجد العمرى من الضرورى أن يضم فى مكتبته بعض المخطوطات، حيث يوجد فى مكتبة المسجد العمرى 132 مخطوطة ما بين مصنف كبير ورسالة صغيرة، ولكن هذه المخطوطات فى حالة سيئة للغاية نتيجة تعفنها وتآكل بعضها بسبب الإهمال وعدم الصيانة. المسجد العمرى الكبير ليس المسجد الوحيد الذى يصرخ «واه معتصماه » وإنما مساجد غزة كلها تصرخ، خاصة بعد أن تحولت الآن الصلاة فى مساجد المدينة إلى مغامرة محفوفة بالخطر.
