لو أننا نحن العرب، نصدر ترابًا إلى العالم، ثم قررنا فى لحظة، وقف تصدير هذا التراب، أو جزء منه على الأقل، لكان فى ذلك ما يكفى، لردع من يتصرف أو يعمل ضدنا.. ولكننا، لحسن الحظ، أو ربما لسوء الحظ، لا أحد يعرف، لا نصدر التراب، وإنما يعيش العالم على إنتاجنا من البترول، أغلى سلعة من نوعها فى أنحاء الأرض، وقد تكون أحيانًا أكثر السلع ندرة وقيمة، كما رأينا فى الصيف الماضى، حين ارتفع سعر البرميل الواحد، إلى آفاق ال 200 دولار، فاهتزت أرجاء الدنيا! ومع ذلك، فما نتفهمه هذه الأيام، وما يجب أن نستوعبه، أن الاستمرار فى تصدير البترول، أصبح للأسف يمثل حاجة أساسية للمنتجين، أكبر مما يمثله للمستهلكين فى أوروبا، وأمريكا، وغيرهما، بما يعنى أن التوقف الكامل عن تصدير هذه السلعة إليهم، على سبيل الاحتجاج والرفض لهذا العدوان الإسرائيلى الأعمى على غزة، قد يلحق الضرر بالمنتجين بيننا، أكثر مما يلحقه بالمستهلكين! وعندما نتكلم عن هذه الورقة فى أيدينا، فنحن نتحدث بينما فى عمق الذاكرة تجربة عظيمة فى أثناء حرب 1973، حيث كان سلاح البترول، وقتها، حاسمًا فى المعركة وداعمًا للعرب فى كل محفل دولى. وليس من الممكن أن نطالب العرب، اليوم، بنفس ما كان منهم، فى هذا الاتجاه، قبل 35 سنة، فالظروف غير الظروف، والعالم نفسه غير العالم، ولكن فى يدنا، رغم كل ذلك، ما نستطيع أن نفعله.. ولو تصادف وكنا مصدرين للأرز، أو القمح، أو حتى الورد، مكان البترول، فإن التلويح بالتوقف عن تصدير جزء مما عندنا إليهم، ثم تنفيذ ذلك، كفيل وحده بأن يكون فيه موقف ورسالة معًا.. موقف ينتقل بنا من مرحلة الكلام، الذى لم يعد يجدى مع هؤلاء الإسرائيليين الملطخة أياديهم بالدماء.. ورسالة تنطق باللغة التى يفهمها الإسرائيليون، وغير الإسرائيليين، وتقول إننا قادرون على أن نفعل لا أن نتكلم فقط، وقادرون على أن يكون لنا إجراء نتخذه، وقادرون، وهذا هو الأهم، على أن نلعب بالأوراق التى فى يدنا، على وجه التحديد، لا التى فى يد غيرنا! لا أحد يطلب من العرب المنتجين للبترول، شيئًا فوق حدود الطاقة والاحتمال، ولا أحد يريد منهم المستحيل، وإنما نريد أن يقال - مثلاً - إن هذا العدوان الأعمى، إذا لم يتوقف فى مدى زمنى حدوده كذا، فإن نسبة تصل إلى 25٪ من إنتاجنا من البترول، كدول مصدرة له، سوف تغيب عن الأسواق العالمية، ابتداء من يوم كذا.. وساعتها سوف يفهم هذا العالم المتخاذل تجاه المجازر فى غزة، أننا جادون فى رفضنا لما يدور على الأرض، تجاه الأبرياء فى قطاع غزة، وأن لدينا ما نبرهن به على هذه الجدية، على الفور! قلنا، ونقول، وسوف نقول، إننا فى مصر، فى يدنا أن نلعب فى الوقت الحالى، بأوراق كثيرة، أهمها ورقتان على وجه الدقة، إحداهما خاصة باستدعاء سفيرنا من تل أبيب، ليكون فى استدعائه رسالة، وهى خطوة سبقتنا إليها موريتانيا، صباح أمس.. وأما الورقة الثانية، فهى إعلان الحكومة المصرية، أنها لا تملك أمام هذه المحارق للأبرياء والأطفال والنساء، إلا أن تمتثل للقضاء، فى الحكم الذى صدر عنه، بوقف تصدير الغاز إلى إسرائيل.. اتخاذ هاتين الخطوتين، أو حتى مجرد التلويح بهما، يكفى لأن يكون له مردود عملى، لدى قادة الحرب فى إسرائيل، الذين يفهمون غير هذه اللغة! أما العرب، فما فى أيديهم - مرة أخرى - بترول، وليس ترابًا!