نقول إن سلوك الإدارة الأمريكية في ظل باراك أوباما تجاه مصر وفق النموذج الذى نقترحه، وهو نموذج «الوقائع غير المألوفة أو النادرة» من منظور الممكنات فى صناعة السياسات العامة، أى النموذج الذى يساوى بين الظن بشأن الحالات المفترض حدوثها، والحالات غير المفترض حدوثها فى تسلسل الأحداث فى السياق الأعم من التفاعل، نقول إنه سيكون هناك اضطراب وعدم اتساق فى التوقعات بالنسبة لصانع القرار الاستراتيجى المصرى، وهذا للأسباب التالية: أولاً: تتكون إدارة أوباما من 3 مجموعات من المنفذين للسياسات الخارجية والاستراتيجية، المجموعة الأولى: مجموعة المحافظين المعتدلين، وهم من غير المحافظين الجدد، ولكن لهم علاقات من الاستماع والتشاور مع المحافظين الجدد، ومنهم وزير الدفاع روبرت جيتس، ومستشار الأمن القومى الجنرال جيمس جوزنز، والاثنان عملا فى إدارة جورج بوش الابن حيث عمل الأول وزيراً للدفاع، والثانى الذى ظل يتمتع بثقة رامسفيلد وزير الدفاع الأسبق ووزيرة الخارجية المنصرفة كوندوليزا رايس، حيث عمل مبعوثاً خاصاً لبوش لشؤون أمن الشرق الأوسط، وكان قائدًا أعلى لحلف الناتو. المجموعة الثانية: مجموعة مناصرى الرئيس الأسبق كلينتون، وعلى رأسهم، هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية التى طرحت خلال حملتها الانتخابية سياسات خارجية مختلفة عن أوباما، وجريج كرييج، المستشار القانونى للبيت للأبيض، والمدعى العام، إريك هولدر. والمجموعة الثالثة: المخلصون لأوباما، وعلى رأسهم جوزيف بيدن، نائب الرئيس الأمريكى، الذى عمل لفترة طويلة كرئيس لجنة الشؤون الخارجية فى الكونجرس الأمريكى، وله مواقف واضحة ضد سياسات جورج بوش، وكان من أنصار كلينتون عندما كان رئيساً للجنة الشؤون التشريعية الدستورية بالكونجرس من قبل وسوزان رايس، رئيس وفد أمريكا فى الأممالمتحدة، وعينت فى موقع وزير وجانت نبولتانوا، وزيرة الأمن العام، وهى الوزارة الجديدة التى خلقها جورج بوش بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وكانت من المرشحين لأن تكون نائباً لأوباما قبل اختيار بيدن بدلاً منها، ورهام أمانيول، رئيس موظفى البيت الأبيض، الذى حارب فى الجيش الإسرائيلى، ومن أنصار التفاوض بين الإسرائيليين والفلسطينيين من أتباع السلطة الوطنية وروبرت جيتس، مدير الاتصالات فى البيت الأبيض. بالطبع هناك مدير المخابرات المركزية ورئيس المخابرات القومية ومدير مكتب المباحث الفيدرالية، سيكونون من فريق المخلصين لأوباما، ثانياً: منذ اللحظة الأولى ظهرت علامات التوتر والشد بين أعضاء هذا الفريق الكبير، فظهر التنافس بين سوزان رايس التى عملت كمستشارة للشؤون الخارجية فى حملة أوباما الانتخابية، وكانت تأمل فى أى من منصبى وزير الخارجية أو مستشار الأمن القومى، ولكن لم تحصل على أى منهما، فضلاً عن أنها من كبار مؤيدى فرض عقوبات صارمة على السودان بخصوص مسألة دارفور، وهيلارى كلينتون حيث شكل كلّ منهما فريقاً لمراجعة السياسات الخارجية وإعداد الوزارة لتتناسب مع الأولويات الجديدة لإدارة أوباما. ثالثا: أكد أوباما أن أولويته الأولى ستكون الاقتصاد الأمريكى وإنقاذ الطبقة الوسطى الأمريكية كما أكد معنيين مهمين فى صناعة السياستين الخارجية والاستراتيجية دون القول بسياسات محددة تفصيلية، أولاها أهمية التفاوض كإطار عام للحركة الأمريكية فى العالم، ثانيتها أهمية هيكلة الموارد الإقليمية والعالمية كآلية لممارسة الضغوط الاستراتيجية، فى قول آخر إن منطق إعادة البناء الذى يتبناه أوباما يتطلب إعادة هيكلة أنماط الاتصال والارتباط بالعالم وعالم الأعمال العالمى، مما سيخلق اضطراباً عالمياً من نوع جديد، رابعاً: من المرحج ألا يكون الامتزاج بين هذه المجموعات الثلاث سهلاً أو يسيرًا، الأمر الذى سيولد وقائع عدة من عدم اتساق ومناخاً من عدم التوقع داخل الاستراتيجية الأمريكيةالجديدة.