أول لقاء لى مع الشيخ الشعراوى كانت له قصة طريفة.. من عادات الشيخ أنه كان يجلس فى بيته على الأرض، مستنداً إلى الحائط.. سابحاً فى ملكوت الله.. أهل بيته نبهوه إلى وجود ضيوف من التليفزيون.. نظر إلينا مرحباً وأمر لنا بالشاى والجنزبيل.. انتظرنا قرابة ساعة حتى يسمح لنا بالاشتباك معه فى حديث.. المريدون المقربون للشيخ طلبوا منا أن نصبر حتى يخرج من خلوته.. طال الانتظار حتى رأيناه ينظر إلى محدثه، وهو يقدمنى له فلان الفلانى مذيع التليفزيون.. أيامها كنت أقدم برنامج أمانى وأغانى، وكان برنامجاً مرحاً أحدث ضجة وقتها، لأنه أفرج عن الأغانى الشبابية المليئة بالحيوبة والبهجة.. سألنى الشيخ: ماذا تقدم فى التليفزيون؟.. وقعت فى حيص بيص.. ماذا أقول للرجل.. أمانى وأغانى؟!.. ربما يتصور أننا مهرجون وبعيدون عن الثقافة الجادة والكلام العميق.. فى واحد على مليون من البليون من الثانية قلت له على الفور: أقدم برنامج صباح الخير يا مصر.. ولم تكن للبرنامج شهرة واسعة حينها، إذ كان فى حلقاته الأولى.. تهلل وجه الرجل، وانفرجت أساريره وصاح: الله الله.. صباح الخير يا مصر.. أروع كلمة قيلت.. مصر.. مصر ذكرها الله فى كتابه العزيز خمس مرات، وأفاض الرجل وتجلى وصهلل.. وكانت فرصتنا للاشتباك معه فى حديث جميل.. كان الرجل لمّاحاً وسريع البديهة وخفيف الظل.. يوجه كلامه إلى الحضور، ويجيب على الأسئلة قبل أن يطرحوها، فيقول لهذا تزوج، وللآخر لا تطأ الشبهات وكل من حلال، وللمرأة الشاكية من زوجها اصبرى واحتسبى.. نسيت أن أقول إن الحديث معه كان «أرض أرض»، كنا جلوساً طوال الوقت على السجادة والحصيرة، وكأنه كان يخشى فتنة الفيلات والقصور، ويأخذ نفسه بكثير من الشدة والاخشوشان، ويرى أن كل نعمة زائلة إلا نعمة الإيمان.. وكانت فرصة لأسأله: ما هى الجائزة الكبرى للمؤمن؟ قال الشيخ: الجائزة الكبرى للمؤمن هى أن يرى النعمة فى الدنيا والمنعم فى الآخرة.. قبل حديثى معه قال: اقعد أنت ورزقك، فالأحاديث أرزاق وفتوح.. ربنا يفتح.. وقد فتح الله عليه عندما سمع اسم مصر فأفاض وتجلى، وقد فتح الله عليه أيضاً عندما أصر على أن تكون عزومة الغداء.. كباب وكفتة. [email protected]