عندما دخل شاب يرتدى معطفا طويلا من الجلد الأسود المبنى الإدارى لنادى كايزرسلاوترن الألمانى لكرة القدم عام 1978، لم يكن مسؤولو النادى يصدقون ما يرونه. فالشاب لم يكن من لاعبى الفريق الأول بالنادى، كما أنه لم يكن واحدا من الجمهور ولكنه كان واحدا من أبرز اللاعبين الواعدين بمنتخب جمهورية ألمانيا الديمقراطية وكان فى الليلة السابقة فقط قد لعب لناديه البرلينى دينامو فى مباراة ودية أمام كايزرسلاوترن الذى كان متصدرا ترتيب الدورى الألمانى وقتها. ولكن إذا كان مسؤولو كايزرسلاوترن قد دهشوا لوجود اللاعب لوتس أيجندورف فى مكتبهم فقد كانت صدمتهم أكبر بكثير عندما سمعوا سبب مجىء اللاعب إليهم. فقد أوضح أيجندورف «22 عاما» أنه استغل الفرصة خلال تواجده فى متجر تسوق فى طريق عودته إلى برلين ليركب سيارة أجرة ويتوجه إلى كايزرسلاوترن طالبا اللجوء السياسى. ولم يكن أيجندورف بالتأكيد أول رياضى يدير ظهره لبلده طالبا اللجوء السياسى فى دولة غربية. فبعد ابتعاده عاماً كاملاً عن الملاعب للإيقاف بعد اللجوء السياسى، انضم أيجندورف لصفوف كايزرسلاوترن حيث لعب لسنوات عديدة قبل انتقاله لصفوف آينتراخت براونشفيج. وبينما كان لاعبا بصفوف الفريق الألمانى الشمالى تعرض أيجندورف لحادث سيارة ومات بعدها بيومين متأثرا بجراحه. وبمجرد وقوع الحادث بدأت الشائعات تنتشر حول تورط الشرطة السرية بألمانياالشرقية، شتاسى، فى حادث قتله. ولاشك فى أن مسؤولى ألمانياالشرقية كان لديهم أكثر من سبب للسعى إلى إسكات أيجندورف. ومن بين هذه الأسباب أن أيجندورف كان لاعبا لديهم بفريق دينامو الذى كان خاضعا لسيطرة إيريش ميلكه رئيس جهاز “شتازي”، كما أن أيجندورف كان كثير الكلام عن الرعاية الحكومية للرياضة فى ألمانياالشرقية. ورغم أن التحاليل أوضحت أن نسبة الكحوليات بدم أيجندورف كانت أعلى بكثير من الحد الأقصى المسموح به للقيادة، فقد نفى أصدقاؤه الذين قضى معهم ليلة الحادث صحة هذا الأمر تماما مؤكدين أنه لم يتناول سوى القليل من الجعة فى تلك الليلة. ولاشك فى أن أيجندورف كان تحت مراقبة ال«شتاسى» منذ انشقاقه، وحتى زوجته التى بقيت فى ألمانياالشرقية كان يتجسس عليها من يطلق عليه «الفاتن» أو «لوثاريو» وهو شخص يقوم بالتجسس على شخص آخر من خلال إقامة علاقة عاطفية معه. وبعد انهيار حائط برلين اتضح أن ميلكه أمر ما لا يقل عن 50 شخصا بالتجسس على أيجندورف فيما بين مارس 1979 ومارس 1983 لجمع معلومات عن جميع نواحى حياة اللاعب. وأمضى الصحفى ومخرج الأفلام الوثائقية هيريبرت شفان أشهرا عديدة بين الملفات فى أرشيف «شتازى» القديم بعد عام 1990 للوصول إلى حقيقة ما تعرض له أيجندورف، ورغم أن معظم الملفات الخاصة باللاعب تم تدميرها فقد وجد شفان ملفا يثبت أن أيجندورف مات مقتولا. وقال شفان: «توجد وثيقة مهمة يطلق عليها: الوثيقة المسمومة. هذه الوثيقة تثبت أن أيجندورف مات مسموما كما توضح الوثيقة أن هذا السم يسبب العمى عند التعرض المفاجىء للضوء.. أعتقد أن هذا يعنى أن سيارة ما قد تضىء كشافاتها فجأة مما يسبب العمى المؤقت لسائق سيارة أخرى».