عرف المصريون حارة اليهود، حيث عاش بعض من يهود مصر فى أحياء ذات شكل وطابع واحد، اختاروا أن يعيشوا منعزلين عن المجتمع، وفضّلوا أن يعيشوا مع أبناء صنفهم أو جلدتهم من أبناء دينهم وعرقهم، لذلك يُطلق وصف الجيتو عليهم. كما أُطلق أيضا على أحياء الزنوج فى الولاياتالمتحدة، وأطلقه المصريون على أماكن اليهود فى مصر، حيث يعيشون ويختلطون ويتزوجون من بعضهم البعض، ويمتهنون مهنة واحدة أو أكثر، لذلك تكون لهم سمات خاصة بهم تكون نتاج الحفاظ على استمرار العرق والدم والمهنة وطبائعها التى تسم البشر بخصائصها، وهكذا عندما نتحدث عن حارة اليهود فنحن نتحدث عن عالم خاص له سماته وخصائصه التى تميزه عن الآخر. وبناء على ما سبق تتكشف لنا الملامح المميزة لصنف من البشر، اختاروا أن يعيشوا منغلقين غير راغبين فى الانفتاح على لحظة العصر المعاشة، وهى اللحظة الموحدة للبشر وإنسانيتهم، ومما لا شك فيه أن الجيتو أو الحارة أو الحى لا يختص فقط بحياة اليهود فى الماضى القريب أو البعيد، إنما نراه واضحا فى حياة مجموعة من الناس، اختاروا طريقا للوصول إلى غايتهم، سواء كان ذلك الطريق طريقا سياسيا أو مهنيا أو اقتصاديا أو دينيا، فنجد ذلك واضحا فى مفهوم شعب الله المختار، الذى يُعرّف به اليهود أنفسهم، أو جماعة المسلمين الذى يطلق على جماعات إسلامية، لا ترى غيرها يستحق أن يكون هو صاحب الإيمان الأكمل، أو جماعة الأطهار أو جماعة الإيمان، وهى جميعها تسميات تميز أصحابها عن بقية البشر، سواء كان ذلك عن طريق الإيمان المعتقدى، أو اللون أو الجنس أو العرق، كما فعل «هتلر» عندما أطلق على الألمان العرق الآرى الراقى، وكذلك الصهيونية فى وصف اليهود بشعب الله المختار، وكذلك فعل الإخوان المسلمون عندما ميزوا أنفسهم عن الآخرين عبر الرغبة فى بناء دولتهم، وميزوا أنفسهم فى التزاوج من بين أبناء صنفهم، حتى وصل إلى أن أحد أبرز قادتهم تحدث بوضوح عن وجوب زواج الإخوانى من الأخت الإخوانية، معتبرا أن ذلك يدخل من قبيل استبدال ما هو أدنى بما هو خير، فإذا لم يكن ذلك هو العنصرية بعينها، فما هى العنصرية إذن؟ وهكذا نجد أنفسنا أمام جماعة من البشر يؤمنون بدين واحد ويتقربون إلى الله عبر طريق خاص بهم، ويمتهنون مهناً تميزهم، حيث تسود المهن التى تُعلى من شأنهم فى المجتمع، ويسكنون بجوار بعضهم البعض، ويتزوجون من بعضهم، إنهم يختارون طريق حياة الحارة بدلا من المجتمع المفتوح، حيث يتعايش البشر ويعلو الملمح الإنسانى على الملمح العنصرى، ويبرز الملمح الوطنى على الملمح الطائفى، وهكذا نعيش عالم البشر، عالم الكفاءة، عالم القدرات المتساوية، ونبتعد عن أخونة المواقع والأجهزة، فهى ملك لكل الشعب، سواء كان مسلما أو مسيحيا أو يهوديا، أبيض كان أو أسود، رجلا أو امرأة، نعيش عالم عدالة المساواة وليس التمييز. إنه الفرق بين مجتمع الإخوان، حيث تمييز الجماعة، ومجتمع الإنسان ووطن المواطنين.