فى غيبة أعضاء مجلسى الشعب والشورى، وتحت ساتر كثيف من إلهاء الرأى العام بأهوال أنفلونزا الخنازير، تحرك أصحاب الاحتكارات الضخمة فى مجال صناعة الأسمدة بالتنسيق مع شعبة تجار الأسمدة باتحاد الغرف التجارية، وانتزعوا موافقة الحكومة على تحرير تجارة الأسمدة بدءاً من يناير المقبل.. وتؤكد شواهد عديدة أن ضغوط كبار المنتجين والتجار الذين يملكون كل أدوات التحكم فى أسعار الأسمدة، بدأت بمجرد الإعلان عن أن الاقتصاد العالمى فى طريقه للتخلص من الآثار الكارثية للأزمة المالية التى ضربت العالم كله فى الربع الأخير من عام 2008، ودفعت أعتى الدول الرأسمالية إلى الإسراع بتأميم العشرات من المؤسسات والشركات المالية والصناعية وإدارتها لصالح المجتمع كله. وما إن بدأت التقارير الاقتصادية تشير إلى تعافى الاقتصاد العالمى من هذه الأزمة حتى أخذ الحيتان الكبار فى مصر وضع الاستعداد للانقضاض مرة أخرى على أسواق السلع الحاكمة وتحقيق أرباح فاحشة فى أسرع وقت ممكن. والمريب فى الأمر أن أصحاب الشركات والتجار لم ينتظروا مجىء أول يناير، فسارعوا إلى تنفيذ قرار تحرير تجارة الأسمدة بدءاً من الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر الماضى، حيث فوجئ الفلاحون والمزارعون فى كل محافظات مصر بامتلاء مخازن التجار بالأسمدة الأزوتية وعلى رأسها النترات التى تنتجها شركات قطاع الأعمال المملوكة للدولة، خصوصاً شركة أبوقير للأسمدة، التى كان كل إنتاجها مخصصاً لبنك التنمية والائتمان الزراعى والجمعيات التعاونية الزراعية بقرار وزارى صارم، وكان إنتاجها يخرج من المصنع مطبوعاً على عبواته: معبأ خصيصاً لبنك التنمية والائتمان الزراعى، حتى لا تكون هناك أدنى فرصة لظهوره العلنى فى مخازن التجار. كيف ظهرت الأسمدة بهذه السرعة الخاطفة فى مخازن التجار قبل أكثر من ثلاثة أشهر من بدء تطبيق قرار تحريرها؟ ومتى قامت شركة أبوقير بتغيير طباعة العبوات والحديث عن قرار التحرير لم يخرج للعلن إلا منذ 15 يوماً فقط؟ الحقيقة أننا أمام تمثيلية سمجة، لم يبذل أصحابها أدنى جهد فى إجادة تمثيلها، لأنهم فى أمان مطلق من الحساب أو المساءلة، فلن يحاسب وزير الاستثمار رئيس مجلس إدارة شركة أبوقير، ولن يتدخل وزير الزراعة لحماية المزارعين من غول الاحتكارات الذى أخذ وضع الاستعداد لافتراس الفلاحين، ولن يتدخل اتحاد الجمعيات التعاونية الزراعية إلا لتحصيل عمولته عن كل شيكارة أسمدة يشتريها فلاح.. والحديث الدائر الآن على ألسنة المسؤولين فى وزارة التجارة والصناعة عن آليات مراقبة الأسواق وتشجيع المنافسة ومنع الاحتكار ليس أكثر من تكرار تافه لوعود وهمية لن يفى بها أحد. والنتيجة أن مأساة غلاء أسعار الأسمدة عام 2007 فى طريقها للتكرار، وأن مزيداً من الفلاحين سيعجزون عن شراء الأسمدة، وأن سوق استخدام حمأة الصرف الصحى فى التسميد ستنتعش مرة أخرى، وسوف يشهد المصريون خلال 2010 غلاء غير مسبوق فى أسعار السلع الغذائية، بدأت بوادره تلوح فى تحريك أسعار العصائر ومنتجات الألبان بنسب تراوحت بين 5 و15٪ خلال الأسبوع الأول من بدء العام الدراسى. من يرحم الشعب المصرى المنهك والفقير والمغلوب على أمره من حفنة رجال أعمال انتهزوا انشغال أجهزة الدولة بمشروع التوريث واختطفوا السلع الحاكمة واحتكروها لصالحهم؟ وما الذى سيفعله الوريث المنتظر عندما ينظر حوله فلا يجد غير خرابة تشغى باللصوص والجوعى؟ [email protected]