فى خضم مشاكلنا الكثيرة والمتلاحقة التى باتت تحاصر كلاً منا فى حياته اليومية من دون تمييز، وتسبب الضيق من تراكم المشاكل، والقلق مما سوف يأتى به الغد من مشاكل جديدة، واليأس- ربما- من عدم القدرة على إمكانية عبور هذا الواقع وتجاوزه إلى ما هو أفضل.. تأتى ذكرى حرب أكتوبر لتجدد الأمل فى أن هذا الشعب قادر«بالعلم» و«التخطيط» و«التماسك الوطني» و«الانضباط التنظيمى» فى أن يحقق نجاحات وإنجازات.. وأن هذه المبادئ هى المدخل لأى تقدم حقيقى.. ولعل هذه هى الخبرة الأساسية والحقيقية لعملية العبور بما حملت من أفكار مبدعة على مستوى التخطيط والتقنيات التى تم استخدامها من جهة، وبما شهدت من تضحيات غالية على أرض الواقع، لتجاوز المانع المائى وحائط بارليف الذى كان منيعا.. ولعل هذا هو الدرس الأكبر المستفاد ألا وهو أنه مهما كانت العوائق والموانع هناك دوما إمكانية لتجاوز واختراق كل من هذه الموانع والعوائق.. إنه الأمل الذى يمكن أن نستعين به فى مواجهة الواقع لعبور الضيق والقلق واليأس. (2) من ضمن المبادئ الأربعة التى ذكرتها (العلم والتخطيط والتماسك الوطنى والانضباط التنظيمى) والتى يمكن أن نعتبرها أركانًا أساسية للتقدم واستطاعت أن تجسدها عملية العبور..سوف أركز- وبسبب المساحة المتاحة- على مبدأ «التماسك الوطنى»، فليس من الممكن أن تدخل مصر حربا إلا وكل مكوناتها حاضرة بغير تمييز، إنه التجسيد العملى لما يعرف فى أدبيات المواطنة «بالاندماج الوطنى».. وهنا تجدر الإشارة إلى نص من النصوص التى أعتبرها تاريخية وجديرة بأن تدرس وتنتشر على أوسع نطاق حيث تعبر عن المواطنة بشكل عملى. مواطنة يمارسها كل المصريين معا من أجل حقوق وطن. أعنى بهذا النص هو التوجيه الصادر من قيادة الجيش والذى يقول بما يلى: «ثقتى فيكم بغير حدود، أثق فى كفاءتكم، أثق فى إيمانكم بالله، وفى قضيتكم، قضية المصير- أن نكون أو لا نكون..».. لم يعد هناك طريق مما نحن فيه إلا أن نشق الطريق نحو ما نريد عنوة، وبالقوة تحت أفق مشتعل بالنيران. وفى هذا يقول الله تعالى، وهو أصدق القائلين: «إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون فى سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا فى التوراة والإنجيل والقرآن. ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذى بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم» صدق الله العظيم. واستمع يا أخى إلى ما جاء بإنجيل متى (10: 39) فى هذا المقام أيضا: «من وجد حياته يضيعها، ومن أضاع حياته من أجلى يجدها» ويؤكد النداء على الوحدة والتعاون والانضباط ويطالب الجنود بما يلى: «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين». «الحق الحق أقول: إن من يسمع كلامى ويؤمن بالذى أرسلنى فله حياة أبدية ولا يأتى إلى دينونة بل قد انتقل من الموت إلى الحياة» إلى الأمام أيها الرجال، إلى الأمام أيها الأبطال، سدد خطاكم على طريق النصر، لتتحقق على أيديكم الحرية والعزة لكم ولمصر. «أيها المقاتل البطل «إن المعركة القادمة ستحدد مصير مصر وكرامة مصر، ومستقبلها لمدة لا تقل عن مائة عام». (3) لم تفرق الحرب بين مصرى وآخر وحافظت المؤسسة الوطنية العسكرية على التماسك الوطنى وحضور كل المصريين فى حرب مصيرية من أجل الوطن.. لقد راعى التوجيه العسكرى للحرب مصر التعددية على أرضية الوطن الواحد والرابطة الوطنية من أجل النصر للجميع.. لذا كانت النتيجة أن يستشهد أحمد حمدى وشفيق مترى سدراك.. وأن يقدم غريب أحمد وشنودة نموذجا فريدا فى القتال المشترك فى مواجهة العدو.. وتتوالى القصص حول المقدم باقى صدقة الذى ساهم بفكرة مبتكرة لتفتيت الساتر الرملى.. إلخ.. إن حرب أكتوبر تمتلئ بالقصص الجديرة بأن تعرفها الأجيال الجديدة والتى من شأنها أن تبث الأمل وتدفع سخف الكلام حول اللامساواة بين المواطنين. إن ما أنجزه «جيشنا الوطنى» جدير بأن يبقى حيا فى ذاكرتنا الوطنية من أجل المستقبل.. وجدير بالمعرفة بشتى الوسائل.