يستطيع الدكتور يوسف بطرس أن يكون أكثر وزراء الحكومة شعبية بين الناس، لو أراد، ولكنه يعرف جيداً، أن تحقيق شعبية من هذا النوع له، أو حتى لأى وزير مالية بوجه عام، يظل على حسابى، وحسابك، ليس اليوم فقط، وإنما فيما بعد.. وهذا هو الأهم! فهو يدرك تماماً، أن المواطن عموماً، لا يجب أن يدفع للحكومة، سواء كان ما يدفعه سوف يكون فى صورة ضرائب بأنواعها، أو أى رسوم مُستحقة أخرى، ويدرك الوزير يوسف أيضاً أن المواطن ينتظر ما سوف تعطيه الحكومة، من خدمات على وجه الخصوص، فإذا تعلَّق الأمر بتحصيل ضرائب ورسوم، من كل مواطن يؤهله دخله لأن يؤدى واجبه فى هذا الاتجاه، فإن المسألة فى العادة تصبح محل نظر! ولو كان يوسف بطرس، بهذا المنطق الذى يعجب القاعدة العريضة من الجماهير، قد قرر تأجيل إصلاح الضرائب الشهير الذى أدخله عليها، خصوصاً ضريبة الدخل ولو كان قد فعل الشىء نفسه مع الجمارك، كما دأب وزراء مالية كثيرون من قبل، لكان قد استحوذ على إعجاب المصريين، وكانت موارد الدولة، فى الوقت نفسه، قد انحسرت فلا تكون هناك خدمات من أى نوع، وبوجه خاص فى مجال التعليم، ثم الصحة، وما بعدهما. سوف يرد واحد ويقول، إن حصيلة الضرائب زادت هذا العام، والذى قبله، ومع ذلك فالتعليم «زفت» والصحة «زفتين».. وسوف أقول إن هذا صحيح بنسبة 100٪، وأن وجود تعليم حقيقى، وصحة حقيقية، لا ينهض بهما عائد ضرائب مرتفع فى عام، ولا عامين، وإنما يحتاج الاثنان إلى موارد عالية، ومتدفقة، ثم إلى «نظام» مستقر يضمن استمرارها، على المدى الطويل، حتى يصل المستوى فيهما إلى ما نطمح إليه. وفى أول يناير المقبل، سوف يكون عليك أن تدفع ضرائب عقارية عن بيتك لأول مرة، وسوف تكون كل شقة يقل ثمنها عن 500 ألف جنيه، مُعفاة من هذه الضرائب، وإذا كانت قيمة الشقة 650 ألف جنيه مثلاً فسوف يدفع صاحبها 13 جنيهاً فى كل شهر.. وقد كان الأستاذ محمود عبدالعزيز، رئيس البنك الأهلى السابق، ولايزال، أكثر الناس دعوة إلى فرض ضرائب تصاعدية على الأغنياء لفترة محدودة للإنفاق على غير الأغنياء، وأظن أن الضرائب العقارية نوع مما يدعو إليه عبدالعزيز، لأن ضرائبك العقارية سوف ترتفع كلما ارتفعت قيمة بيتك، وإذا كنت تملك قصراً قيمته 30 مليون جنيه، على سبيل المثال، فسوف تدفع 30 ألف جنيه سنوياً، وقد ثبت، كما سمعت من خبير متخصص فى هذا الميدان، أن الإحصاءات أكدت أن 96.5٪ من المصريين لن يخضعوا لضرائب العقارات، لأن قيمة عقاراتهم تقل عن حدها الأدنى! وكم نتمنى، لو أن الكبراء والوزراء الذين يملكون شققاً وفيلات فى الخارج قد أسعفوا يوسف بطرس، وقالوا للناس كم يدفعون عنها ضرائب هناك، وكيف أن بعضهم تخلص منها بسبب ارتفاع ضرائبها، وعدم استفادته منها إلا شهراً فى السنة أو أقل! بالقلب وأحكامه سوف لا تتقبل يوسف بطرس، ولا سياسته.. ولكن بالعقل ومقاييسه، سوف تتحمس لما يفعله، وسوف تكون معه!