فى مصر توجد علاقات غريبة بين الأشياء، وينعكس هذا على مزاح المصريين العبثى القليل تلك الأيام، فتجد من يقول لك ما علاقة الكمبيوتر بالحفرة والإجابة: الكمبيوتر حاسب آلى.. والحفرة حاسب تقع! وبعيداً عن المزاح تنتشر عناوين أصبحت معتادة بيننا كعلاقة رأس المال بالسياسة وعلاقة الفن برجال الأعمال.. ووسط زحام العلاقات غفل الكثيرون عن تلك العلاقة القوية التى تكمن بين رغيف الخبز المدعم والطبيب الذى يعمل فى الجهاز الحكومى!! وهنا تتسرع لتجيب «الألوان.. الطبيب بيلبس أبيض والرغيف أسود.. صح؟»خطأ! فالواقع أن الطبيب مدعم كالرغيف.. فالمؤسسات والوحدات الصحية الحكومية تعتمد فى الأساس على أطباء حديثى التخرج قليلى الخبرة من المكلفين فى وزارة الصحة.. يتخرج الطبيب غير متخصص فى جامعات تكاد تكون نظرية لقلة التدريب بها، واعتمادها الأساسى على الحفظ والتلقين فيكون بعد تخرجه مضطراً للعمل فى القطاعات الحكومية ليتقاضى راتباً زهيداً، لا يكفى المواصلات المهينة إلى أماكن الوحدات النائية البدائية، التى لا يتوافر بها إمكانيات، أو اتصال مباشر أو غير مباشر بأطباء متخصصين أكثر خبرة، ولا يتوفر له فيها أدنى قدر من التدريب اللازم.. بل إن لائحة القوانين فى وزارة الصحة تمنع الطبيب المكلف من التخصص والتدريب فى الجامعات حتى على نفقته الخاصة، وتجبره على الانتظار ليبدأ تدريبه المهنى المسمى «النيابة» يكون قد تحول فى تلك الفترة من شاب قادر على التعلم والعمل إلى موظف يعمل برتابة وينصح بالوصفات الشعبية.. والواقع أن للرغيف المدعم أهمية قصوى لدى الدولة، فلولا وجوده فى أول الطابور الصباحى للأفران لانقلبت الدنيا، ولم تقعد ولربما تزعزع الكيان «الملصم» لصبر المواطنين.. يشكو من يشكو سوء الرغيف، ويصوره البعض بالكاميرات للسخرية من حجمه ويباسته ولونه الأفريقى، ولكن لا أحد ينكر أنه موجود، ولا يتمرد الكل على سوئه بالقدر الذى سيكون إن لم يجدوه.. أما الطبيب الشاب فلا تأبه الدولة إن كان يخدم المواطنين الخدمة الصحيحة السليمة أم لا؟!.. إنما دوره أن يسد جوع المواطنين للعلاج.. ولكن ما يميز الرغيف عن الطبيب أنك تستطيع من نظرة عين، مهما كان مستوى ثقافتك، معرفة أنه سيئ ولا يؤكل.. فى حين نأكل ونشرب الطبيب كل يوم دون أن ندرى!! كما أن الرغيف جماد.. والطبيب إنسان يأمل بعد تعب السنين أن يعيش حياة كريمة، وأن يتطور علمياً ومادياً.. إن الطب فى مصر مأساة بمعنى الكلمة، تدمر فيها طاقة شباب الأطباء القادر على التعلم والعمل والعطاء، وتهضم بها معدة المواطنين سواء رغيف الجهل أو قلة الخبرة المدعمة المختومة بختم النسر!! فالحل فى نظرى هو تغيير رداء الطبيب للون الرغيف.. أو استيراد أطباء من أوكرانيا!. ابتسام شلبى- الإسكندرية [email protected]