ماذا تفعل لو شاهدت جريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد تتم أحداثها عبر إحدى الفضائيات؟ وماذا سيكون رد فعلك إذا رأيت المسؤولين عن تلك الفضائية بدلاً من توقيع العقوبة يقدمون الزهور للجانى؟! أعتقد أن السكوت وقتها جريمة أكبر رغم عبثية المشهد، هذا هو ما حدث يوم الخميس الماضى على شاشة قناة المحور. المذيعة المحترمة مندوبة التليفزيون المصرى فى الرئاسة، التى كنت أراهن على رصانتها وحرفيتها، تتحول بقدرة قادر إلى صبى عطار وسمسار لأعشاب مدرس ألعاب بتاع ثنى ومد وتدليك وطوابير صباح، الذى يتقمص دور الطبيب على الهواء، تلعب المذيعة دور هتيفة الانتخابات لرجل، كل موهبته فى الضحك على ذقون الغلابة بالبردقوش والينسون، أما تفاصيل الجريمة فهى كوميديا سوداء. سؤال على الهواء للطبيب المزيف مدرس الألعاب، الذى يدعى أنه يعالج بالطب النبوى، رجل يسأل عن مرض الذئبة الحمراء ويتمنى إيقاف علاج الكورتيزون لابنته، يرد مدرس الألعاب بكل ثقة ورباطة جأش وينصحه بإيقاف الكورتيزون وإعطاء العلاج البديل الذى سينقذ حياتها، إنه العرقسوس! ويعلن الضيف العبقرى - لا فض فوه - على الهواء مباشرة أن العرقسوس يحتوى على كورتيزون وإنترفيرون كمان فوق البيعة! وتنبهر المذيعة وتخر ساجدة من فيض عبقرية مدرس الألعاب، ويطرق الضيف خجلاً من إطرائها، وبالطبع سينفذ الأب فرمان الضيف وعلاجه اللوذعى، وتموت المسكينة ابنته، فعلاج الكورتيزون ليس هزاراً فى مرض الذئبة الحمراء، إنه منقذ حياة، وحتى تقليل جرعاته وسحبه بالتدريج فن طبى، وعلم له أسس وقواعد، وإيقافه الفجائى ليس له إلا مردود واحد ونتيجة كارثية هى الموت. السؤال هو: دم مريضة الذئبة الحمراء فى رقبة من ؟! من الممكن أن نتسامح مع صاحب القناة رجل الأعمال المحترم، ونقول إنه غير مسؤول عن كل كلمة فى برامج القناة، بالفعل من الجنون أن نطالب رجل أعمال مشغولاً بمشاريعه بهذا الطلب المستحيل، ولكن فى حالة هذا الضيف بالذات فالأمر مختلف، الجميع يؤكد أن مدرس الألعاب الذى يفتى فى الطب وتم فضحه وكشف ألاعيبه من قبل هو حماية خاصة من صاحب القناة نفسه، وقد احتضنه وفتح له ذراعيه بعد أن طردته جميع القنوات، والمصيبة ليست فى الضيف مدرس الألعاب، فهو كظاهرة قد مات وشبع موتاً، وإنما المصيبة فى المصداقية التى يحاول صاحب القناة أن يضفيها عليه من خلال برنامج، كان من الممكن أن يكون ناجحاً لولا ترويجه للخرافة والزيف والضلالات. إنها جريمة قتل مكتملة الأركان وعلى الهواء مباشرة، والكل صامت، والمأساة أن الكل يطلب منك أن تكون شهيداً، تواجه السهام وحيداً فى الساحة، وساعة الجد يفر الجميع، وأولهم من قتل مدرس الألعاب أبناءهم. يا رجل الأعمال المحترم.. الأسمنت الذى تنتجه مصانعك يبنى جدراناً، ولكن الخرافة التى تروجها برامج فضائيتك تقتل الناس، وأعتقد أن الإنسان أهم من الجدران.
