حالة من الرعب والدهشة والذهول فى آن واحد انتابتنى الأسبوع الماضى جعلت العديد من الأسئلة تدور فى مخيلتى وعلى رأسها: هى البلد رايحة فين؟.. الموقف الذى تعرضت له كان من ابنتى ذات الأعوام الثلاثة التى رفضت أن تذهب إلى الحضانة «بيبى كلاس» خوفا عليها من أنفلونزا الخنازير شأنى شأن غالبية المصريين، أى أنها لم تحتك ببشر من خارج المنزل. وفى يوم عادى مثل كل أيام ربنا جلست أرسم معها وأقوم بتلوين بعض الرسومات الأخرى ونلعب، وقمت بتقبيلها وفوجئت بأن هذه الطفلة التى لا تزال تنطق الكلمات بطريقة مضحكة تقول: «ماتبوسنيش يا بابا علشان إنت راجل».. الدهشة عقدت لسانى وقالت لها والدتها بشكل عفوى وبلهجة حاسمة قاطعة: دا بابا يا مريم.. ومر الموقف ولكننى ظللت أفكر فيما حدث والأسئلة تعصف بذهنى ويتردد بداخلى ما الذى جعل طفلة صغيرة تردد جملة مثل تلك الجملة.. وبالبحث والتفكير وجدت أن ابنتى أكثر احتكاكها المعرفى بالتليفزيون وبالقنوات الفضائية التى تذيع أفلام الكارتون مثل توم وجيرى وهى قناة عربية معروفة، ويليها العديد من البرامج التى أقل ما توصف به أنها متطرفة وتدميرية وتقوم بتسميم أفكار وعقول الأطفال الذين يشاهدونها فى هذه السن التى لا تعرف على أقصى تقدير إلا كلمات مثل: عيب يا ولد، عيب يا بنت، بلاش تعمل كده، وعلى هذا المنوال من أصول التربية البسيطة. مثل هذه القنوات تتسبب فى إنتاج أجيال فاسدة لا تفيد نفسها أو وطنها وبالتالى من السهل استقطابها لأن مثل هؤلاء الأطفال الذين هم بالتأكيد مبرمجون منذ الصغر على أفكار تكفيرية يكونون فى الكبر إرهابيين كارهين لمجتمعاتهم وللعالم من حولهم متجهة أنظارهم إلى ما هو أبعد مما هو على الأرض بدلا من تنمية أفكارهم بكل ما هو مفيد ويساعد على الابتكار والحب والتعلم والتسامح والعطاء وينبذ الكراهية والتعصب والتطرف الدينى وإنكار الآخر. وليس أدل على ذلك إلا حالة مقدم البرامج الذى كفَّر– بتشديد الفاء– عددا من الزملاء الليبراليين المحترمين الذين يملكون أفكارا تنير الطريق أمام الجهلاء، وهو الذى وصفه صديقنا وزميلنا العزيز الدكتور خالد منتصر فى مقال مهم نشره فى «المصرى اليوم» قبل عدة أيام- أقتبس منه هذه الفقرة التى أعجبتنى- بأنه «مذيع ليست له قضية، ضحل الثقافة، عديم الموهبة، كل همه أن يقبض القرشين وخلاص، ليستضيف من يهاجمون الليبرالية وحرية الفكر ليقبضوا فى النهاية ظرف الألف جنيه من فلوس صاحب القناة العلمانى الذى ائتمن هؤلاء على ماله، والأهم على احترام فكر العقل!». من وجهة نظرى أنه لا ذنب له فيما اقترفت يداه وعقله- إذا كان له عقل– لأنه ترعرع على نفى الآخر وتشبع بفكر إرهابى وهابى لا يرى إلا نفسه فيه ولا يصدق إلا تفكيره الشيطانى الذى زين له عقله أنه تفكير مستنير، وفى رأيى أن مثل تلك المواقف ومثل هؤلاء البشر هم نتاج طبيعى لمجتمع تحلل وانحطت ثقافته وتعليمه وتربيته وغالبية مجالات وأنشطة الحياة فيه. المهم أن عصور الازدهار تأتى بعدها عصور الانحطاط، وهو وضع طبيعى ونتيجة تلقائية، لتعود بعد ذلك عصور الازدهار بعد أن يختفى هؤلاء ونعود إلى النور بعد أن رفعوا شعار «خليك فى الضلمة» بعد أن كان «خليك فى النور». المختصر المفيد لا تأسفن على غدر الزمان لطالما رقصت على جثث الأسود كلاب ما قصدها تعلو على أسيادها لكنما تبقى الأسود أسوداً والكلاب كلاب [email protected]