كنت قد طرحت الأسبوع الماضى فكرة قيام بعض طلاب الدراسات العليا باقتباس أجزاء مطولة من الإنترنت أو من مصادر أخرى ودمجها فى متن خطة البحث المقدمة للتسجيل لدرجة الماجستير أو الدكتوراه. انتشرت هذه الظاهرة بحيث إنها لم تعد سرقة علمية بل استعانة «طبيعية» بمصادر علمية. ومع تحول الإنترنت إلى مستودع للأفكار ولآلاف الكتب والمراجع والأبحاث لا يمكن للمشرف أن يصل إلى المصدر المحدد الذى قام الطالب بالاقتباس منه. والمواجهة بالطبع لا تؤدى إلى أى شىء، فالطالب يصر أنها أفكاره ولغته، وأنه «مش حرامى والله العظيم»، كما أن مثل تلك المواجهات تحول الأمر من وجهة نظر الطالب إلى مسألة شخصية بينه (أو بينها) وبين المشرف. كيف يتعامل إذن المشرف مع الأمر؟ ليست لدى أى إجابات سوى مجرد اجتهادات لا أتوقع أن تكون صالحة للجميع. هناك سياق يشعر فيه الطالب بأنه قد وقع فى مأزق فيقرر أن يتوجه إلى مشرف آخر، وللأسف سيجد هذا الطالب المشرف الذى يقبل الأمر كما هو دون الالتفات إلى فكرة «الاقتباس»، فالمشرف أحيانا لا يشعر بالاطمئنان إلا بعد أن يجمع حوله العديد من الطلاب. وغالبا ما يتوجه طلاب «االاقتباس» لذلك المشرف الكريم «الطيب» المتسامح الذى لا يهتم بصغائر الأمور من قبيل «الاقتباس». وهناك مشرف آخر قد ينتبه فعليا أن ما قدمه الطالب مقتبس من مصدر ما لكنه يتغاضى عن الأمر ويوافق على خطة البحث، وهو فى هذا لديه كل المبررات الأخلاقية والدينية، منها أنه لابد أن يأخذ بحسن النوايا، وأنه ليس هناك دليل مادى (أى المصدر الذى تم النقل منه) على قيام هذا الطالب بالاقتباس. وهناك مشرف - وهو من القلة - يصر على توجيه الطالب الوجهة السليمة وهو فى هذا يتبع ضميره العلمى والبحثى ويعلم تماما أن ما يفعله مغامرة لن تحسم لصالحه فى أغلب الأحوال. فالطالب حر تماما فى اختياره للأستاذ الذى سيقوم بالإشراف على رسالته، مع مراعاة التخصص بالطبع. المشكلة أن هذا الأستاذ يعلم جيدا أن ما سيرفضه يقوم غيره بقبوله فورا، وهو ما يثبت للطالب أنه على حق وأنه ليس هناك أى مشكلة سوى فى الأستاذ نفسه الذى رفض «الاقتباس». لم يعد «الاقتباس» مجرد حالات فردية استثنائية بل تحول إلى ظاهرة غالبا ما يحاول الجميع تجاهلها خوفا من العواقب، وهؤلاء هم أول من يقوم بنعى البحث العلمى وبنعى المرحلة المتأخرة التى وصل إليها فى بلادنا. لكنها مجرد كلمات فهم يحتلون المرتبة الأولى فى قائمة من تقع عليه المسؤولية، وإذا قبل الأستاذ «اقتباسا» فى خطة البحث فعليه أن يتوقع اقتباسا أطول وأضخم فى الرسالة نفسها، وليس من حقه بعد ذلك أن يقوم بنعى البحث العلمى. فقد قبل مختلف أشكال الاقتباس بحيث إن الطالب نفسه لا يمكن أن يعتبر ما يقوم به يدخل فى بند السرقة العلمية. وإذا كانت رسائل الماجستير والدكتوراه تتكدس على الأرفف فى الجامعات سنويا وقليل منها يخرج إلى النور، وإذا كانت الجامعة المصرية لم تحتل مكانة متقدمة حتى الآن على قائمة أفضل الجامعات فى العالم، وإذا كانت وزارة التعليم العالى والبحث العلمى مشغولة بأمور لا علاقة لها بالبحث العلمى (الجودة الإدارية وإنشاء الجامعات الخاصة على سبيل المثال) فلا يجب أن يزيد الأستاذ الجامعى الأمر سوءا عبر قبول ما لا يجب قبوله، فإذا كان هو نفسه لا يهتم بمكانته كباحث ومشرف علمى عليه أن يضع فى اعتباره أنه مسؤول عن صنع مستقبل الطالب. تزيين الأمور هو ما يفسد كل شىء، فالاقتباس من مصادر دون الإشارة إليها أو التنويه عنها لا يعنى سوى «سرقة علمية». تجميل الأمر يحول السرقة إلى سلوك عادى بحيث إنها لم تعد سرقة.