يبدو أن رصيد الأسطورة دييجو أرماندو مارادونا كمدير فنى للمنتخب الأرجنتينى قد نفد لدى السواد الأعظم من مشجعى الكرة فى بلاد التانجو، التى باتت تخشى على بطل العالم مرتين من عدم التأهل إلى كأس العالم، ليتحول عملاق الملاعب إلى قزم يجلس على كرسى البدلاء. فسحر مارادونا، قائد المنتخب الأرجنتينى، لم يظهر منه شىء مع تحوله إلى مهمة المدير الفنى، وبدأت الأعين تراه للمرة الأولى شخصاً عادياً، وليس معجزة تمشى على الأرض. وتركت الخسارة المُرّة فى روساريو الأرجنتينية أمام البرازيل 1- 3 منتخب الأرجنتين وإحدى قدميه فى دور فاصل للحاق بركب المتأهلين إلى جنوب أفريقيا والأخرى خارج النهائيات على الإطلاق، مع تبقى ثلاث مباريات للفريق، يدخل اثنتين منها وهو زائر فى جحيمى باراجواى وأورجواى ويستضيف فى الثالثة بيرو أضعف منتخبات القارة فى الوقت الحالى. ورغم أن جاذبية مارادونا تحفز الأرجنتينيين على الانقياد خلف نجمهم الأول والأوحد على مدار 30 عاماً، فإن الأمور لا تسير على نفس منوالها عندما كان يرتدى القميص رقم عشرة ويسجل أهدافاً تفغر لها الأفواه. وقال مارادونا «49 عاماً» بعد خسارة مباراة قمة أمريكا الجنوبية فى نبرة حزينة: «لابد من مواصلة العمل، ليس علينا أن نيأس. سنواجه باراجواى بكل الروح التى لدينا». ومنذ أن تولى مارادونا مسؤولية المنتخب الأرجنتينى لكرة القدم خلفاً للمخضرم ألفيو باسيلى، خاض الفريق خمس مباريات فى التصفيات فاز فى اثنتين منها وخسر فى ثلاثة. وتحتل الأرجنتين المركز الرابع برصيد 22 نقطة، لكنها تبتعد خمس نقاط كاملة عن صاحب المركز الثالث منتخب باراجواى، فى الوقت الذى تتقدم فيه بنقطتين فحسب على منتخبى كولومبيا والإكوادور صاحبى المركزين الخامس والسادس على الترتيب. وبدأ رصيد مارادونا فى قلوب محبيه فى التراجع، وهو ما أكده استطلاع للرأى أجراه موقع صحيفة «لاناسيون»، حيث أكدت نسبة 53% من إجمالى 6478 مشاركاً أن الفريق لن يلحق بركب المتأهلين إلى جنوب أفريقيا، مقابل 29% يعتقدون أن الفريق سيخوض الدور الفاصل أمام رابع الكونكاكاف، فيما تعتقد نسبة 18% فقط أن الفريق سيتأهل مباشرة إلى كأس العالم. وفى استطلاع آخر لصحيفة «كلارين» بعد اللقاء، أكدت نسبة 66.8% أن الأرجنتين لن تتأهل إلى كأس العالم، مقابل %33.2 أبدت اعتقادها بقدرتها على ذلك. لكن الأمر لا يتعلق بالأرقام فحسب، بل إن أغلب التعليقات على منتديات الإنترنت حملت انتقادات قاسية للمدير الفنى. وكتب أحد المشجعين «منذ ربع قرن كانت مهاراتك أعلى وأنت تلعب. فما علاقة ذلك بقدرتك على التدريب؟ دييجو شكراً على الذكريات، لكن عد إلى منزلك». وقال آخر: «من فضلك اصنع لنا معروفاً وارحل الآن، لا تدع هذه المأساة تطول أكثر من ذلك». فى المقابل لا يزال البعض يعتقدون بقدرة من يعد أفضل من ركل الكرة على مر العصور على الخروج من هذا الوضع المتأزم: «هيا يا دييجو. أنا معك على السراء والضراء. الأرجنتين ستتأهل وستقدم أداء ممتازاً فى كأس العالم، وسيكون على كل من ينتقدون الآن الاختفاء وقتها». وقال مارادونا: إنه راضٍ عن أداء الفريق، وإن الوضع ليس كما كان عندما نال الفريق خسارته التاريخية 1- 6 أمام بوليفيا فى مرتفعات لاباز، لكنه يعى أن التأهل «سيكون صعباً». وفى حالة تحقيق الفريق نتيجة سيئة خلال مباراة باراجواى فى أسونسيون اليوم «الأربعاء» قد تتأزم مسألة التأهل أكثر، فى الوقت الذى يعرف فيه المدير الفنى أن منصبه بات على المحك. لكنه أغلق جميع الأبواب أمام أى تكهنات حول استقالته قائلا: «لقد تحدثت مع خوليو جروندون، رئيس الاتحاد الأرجنتينى لكرة القدم، وعلى أن أتكلم مع ابنتى، لكننى سأدفع الفريق إلى الأمام، وإن هذا لا يؤثر فى». وعلى المدير الفنى منح الفريق جرعات من الثقة، لكن عليه قبل ذلك أن يوقظ المارد النائم داخل ليونيل ميسى، الذى لم يصنع بقميص التانجو حتى الآن شيئاً مما يفعله مع برشلونة الإسبانى. وبعيداً عما اعتبره أخطاء أمام المرمى فى مباراة البرازيل، أقر مارادونا بذنبه: «أنا المسؤول عن الهزيمة». لم يكن أحد يتوقع كل هذا الضباب فى أفق المنتخب الأرجنتينى وهو يحاول التأهل إلى كأس العالم، وكأن الجماهير بدأت للمرة الأولى تستوعب أن قدم مارادونا اليسرى أصبحت خارج الحد الجيرى للملعب، ومن موضعه هذا لا يمكنه صنع المعجزات.