رئيس ضمان جودة التعليم: الجامعات التكنولوجية ركيزة جديدة فى تنمية المجتمع    إتاحة الاستعلام عن نتيجة امتحان المتقدمين لوظيفة عامل بالأوقاف لعام 2023    قطع المياه عن نجع حمادي.. وشركة المياه توجه رسالة هامة للمواطنين    الحكومة: نرصد ردود فعل المواطنين على رفع سعر الخبز.. ولامسنا تفهما من البعض    «حماس» تصدر بيانًا رسميًا ترد به على خطاب بايدن.. «ننظر بإيجابية»    محامي الشحات: هذه هي الخطوة المقبلة.. ولا صحة لإيقاف اللاعب عن المشاركة مع الأهلي    رونالدو يدخل في نوبة بكاء عقب خسارة كأس الملك| فيديو    أحمد فتوح: تمنيت فوز الاهلي بدوري أبطال أفريقيا من للثأر في السوبر الأفريقي"    هل يصمد نجم برشلونة أمام عروض الدوري السعودي ؟    حسام عبدالمجيد: فرجانى ساسى سبب اسم "ماتيب" وفيريرا الأب الروحى لى    هل الحكم على الشحات في قضية الشيبي ينهي مسيرته الكروية؟.. ناقد رياضي يوضح    محامي الشحات: الاستئناف على الحكم الأسبوع المقبل.. وما يحدث في المستقبل سنفعله أولًا    مصارعة - كيشو غاضبا: لم أحصل على مستحقات الأولمبياد الماضي.. من يرضى بذلك؟    اليوم.. بدء التقديم لرياض الأطفال والصف الأول الابتدائي على مستوى الجمهورية    32 لجنة بكفر الشيخ تستقبل 9 آلاف و948 طالبا وطالبة بالشهادة الثانوية الأزهرية    استمرار الموجة الحارة.. تعرف على درجة الحرارة المتوقعة اليوم السبت    اعرف ترتيب المواد.. جدول امتحانات الشهادة الثانوية الأزهرية    صحة قنا تحذر من تناول سمكة الأرنب السامة    أحمد عبد الوهاب وأحمد غزي يفوزان بجائزة أفضل ممثل مساعد وصاعد عن الحشاشين من إنرجي    دانا حلبي تكشف عن حقيقة زواجها من محمد رجب    الرئيس الأمريكي: إسرائيل تريد ضمان عدم قدرة حماس على تنفيذ أى هجوم آخر    "هالة" تطلب خلع زوجها المدرس: "الكراسة كشفت خيانته مع الجاره"    حدث بالفن| طلاق نيللي كريم وهشام عاشور وبكاء محمود الليثي وحقيقة انفصال وفاء الكيلاني    أبرزهم «إياد نصار وهدى الإتربي».. نجوم الفن يتوافدون على حفل كأس إنرجي للدراما    مراسل القاهرة الإخبارية من خان يونس: الشارع الفلسطينى يراهن على موقف الفصائل    عباس أبو الحسن يرد على رفضه سداد فواتير المستشفى لعلاج مصابة بحادث سيارته    "صحة الإسماعيلية" تختتم دورة تدريبية للتعريف بعلم اقتصاديات الدواء    ثواب عشر ذي الحجة.. صيام وزكاة وأعمال صالحة وأجر من الله    أسعار شرائح الكهرباء 2024.. وموعد وقف العمل بخطة تخفيف الأحمال في مصر    العثور على جثة سائق ببورسعيد    الأمين العام لحلف الناتو: بوتين يهدد فقط    سر تفقد وزير الرى ومحافظ السويس كوبرى السنوسي بعد إزالته    نقيب الإعلاميين: الإعلام المصري شكل فكر ووجدان إمتد تأثيره للبلاد العربية والإفريقية    كيف رفع سفاح التجمع تأثير "الآيس" في أجساد ضحاياه؟    "حجية السنة النبوية" ندوة تثقيفية بنادى النيابة الإدارية    ضبط متهمين اثنين بالتنقيب عن الآثار في سوهاج    «الصحة»: المبادرات الرئاسية قدمت خدماتها ل39 مليون سيدة وفتاة ضمن «100 مليون صحة»    وكيل الصحة بمطروح يتفقد ختام المعسكر الثقافى الرياضى لتلاميذ المدارس    وصايا مهمة من خطيب المسجد النبوي للحجاج والمعتمرين: لا تتبركوا بجدار أو باب ولا منبر ولا محراب    الكنيسة تحتفل بعيد دخول العائلة المقدسة أرض مصر    للحصول على معاش المتوفي.. المفتي: عدم توثيق الأرملة لزواجها الجديد أكل للأموال بالباطل    القاهرة الإخبارية: قوات الاحتلال تقتحم عددا من المدن في الضفة الغربية    «القاهرة الإخبارية»: أصابع الاتهام تشير إلى عرقلة نتنياهو صفقة تبادل المحتجزين    «ديك أو بط أو أرانب».. أحد علماء الأزهر: الأضحية من بهمية الأنعام ولا يمكن أن تكون طيور    الداخلية توجه قافلة مساعدات إنسانية وطبية للأكثر احتياجًا بسوهاج    ارتفاع الطلب على السفر الجوي بنسبة 11% في أبريل    «صحة الشرقية»: رفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال عيد الأضحى    وزير الصحة يستقبل السفير الكوبي لتعزيز سبل التعاون بين البلدين في المجال الصحي    مفتي الجمهورية ينعى والدة وزيرة الثقافة    الأونروا: منع تنفيذ برامج الوكالة الإغاثية يعنى الحكم بالإعدام على الفلسطينيين    الماء والبطاطا.. أبرز الأطعمة التي تساعد على صحة وتقوية النظر    «الهجرة» تعلن توفير صكوك الأضاحي للجاليات المصرية في الخارج    رئيس الوزراء الهنغاري: أوروبا دخلت مرحلة التحضير للحرب مع روسيا    «حق الله في المال» موضوع خطبة الجمعة اليوم    بمناسبة عيد الأضحى.. رئيس جامعة المنوفية يعلن صرف مكافأة 1500 جنيه للعاملين    السيسي من الصين: حريصون على توطين الصناعات والتكنولوجيا وتوفير فرص عمل جديدة    الحوثيون: مقتل 14 في ضربات أمريكية بريطانية على اليمن    أسعار الفراخ اليوم 31 مايو "تاريخية".. وارتفاع قياسي للبانيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. يوسف زيدان يكتب: بهتان البهتان فيما يتوهَّمه المطران (7-7) سَوَابِقُ الطَّرَائق ولَوَاحقُ الحقَائِق
نشر في المصري اليوم يوم 08 - 09 - 2009

مع انتهاء هذه المقالة السابعة (الأخيرة) أكون قد اختتمتُ كلامى مع المطران الأمبا بيشوى، ونفضتُ يدى منه بلا رغبة فى المعاودة ولا نية فى الاستئناف، خاصة أنه خدعنى خدعةً كبرى تنم عن ذكاء ودهاءٍ سياسى خطير.
فقد ظل يزعم أنه «يواجه» رواية عزازيل، رأياً برأى وحجةً بحجة، وأكَّد ذلك مراراً فى بيانه الأول (الذى جاء من غير تبيان) وفى كتابه الأعجوبة المسمى: الرد على البهتان (وهو الكتاب الذى رأينا فيما سبق أنه يسيلُ، بل ينزُّ، بهتاناً) وفى أحاديثه التليفزيونية المسلية وحواراته الصحفية اللذيذة.
لكنه فور استجابتى لرغبته فى المناقشة، ومع أول مقالة من هذه المقالات السبعة، توارى فجأةً عن الأنظار! واستتر خلف قسيس يسمِّى نفسه ديسقورس، راح يرد عنه ردوداً لا تعرف الفرق بين الرد والترديد والتردُّد، ويكتب مقالات مهذبة غاية التهذيب، تليق برجل دين مرموق.. وقور.. بنفسه فخور.. يتقنُ إطلاق البخور.. ويكره - مثل سيده - نسطور.
والظاهر أن هذا التوارى والاستتار والاختفاء، هو خدعةٌ معتادة ومنهج مألوف. فمن قبل المطران الأمبا بقليل، صَخِبَ علىَّ القمصُ (عبدالمسيح بسيط) الذى صال وجال ودعا للنزال، حتى أخذه الشطط إلى طريق الأهوال، فاتهمنى علانية بالإلحاد واللادينية!
فاضطرنى إلى اتخاذ الإجراءات القانونية ضده، فاختفى فجأةً عن صفحات الجرائد وقنوات الفضائيات، وهو الذى كان من قبلُ يملأ الأسماع بأعجب الأقاويل وأبدع التهاويل، حتى إنه قال فى اليوم الذى اتهمنى فيه بما سبق ذكره، أقوالاً أعجب، منها أن المسلمات محجبات لأنهن فقيرات! وأن د. محمد سليم العوَّا إرهابى! وأن د. محمد عمارة إرهابى! وأن الفاتح العظيم عمرو بن العاص كان «يلعب بالبيضة والحجر» على حدِّ قول القمص المتحمس: بسيط!
ومع ذلك، فلأننى أعرف أن هذا القمُّص فى الأصل عبدٌ للمسيح وبسيط وطيب، ولأننى كنتُ أحبُّ فيه خفَّة ظلِّه، ودعاباته التى لا يكف عن إطلاقها وراء الكاميرات، ولأننى أعتقد أنه لم يكن يقصد ما يقول، أو هو لم يضبط ما كان بعقله اللطيف يجول، أو هو فقط أراد أن يصول ويطرح نفسه على أنه المهول.. فلذلك كله، أرانى أكثر ميلاً لمسامحة القمص على تطاوله، وأقرب موقفاً لتعذيره. ولذا، فإذا اعتذر عن إساءاته اعتذاراً رسمياً، فسوف أُسقط فوراً الدعوى القضائية التى رفعتُها ضده، وأتنازل عنها فى أول جلسة.
وكذلك الأمر مع الأمبا بيشوى، الذى صرتُ مؤخراً أتفهم أسباب هيجانه وصخبه على عزازيل (الرواية) وأتقبَّل طبيعة الدور المنوط به فى الدفاع عما يسميه العقيدة القويمة والأمانة المستقيمة والتقاليد المستديمة (الصواب لغة: المستدامة!) ولذلك، فسوف أسامحه على ما كان منه، وأغضُّ النظر عن خدعته الأخيرة، بل وسأشرح له عنوان هذه المقالة، بإيجاز:
تعلم يا نيافة المطران أننا، أنت وأنا، لسنا بالطبع أول الناس الذين اختلفوا فى أمر نظروا إليه من زاويتين، وتعلم بالتأكيد أن ما اختلفنا فيه مؤخراً هو بطبيعته أمرٌ خلافى غير محسوم، وقد يختلف حوله من بعدنا آخرون، فهذه (طرائق) مختلفة للنظر، لها فى تاريخنا (سوابق) أدت إلى إقرار (حقائق) معينة، ويجب أن تكون (لواحق) ملزمة لمن أراد أن يناقش أمراً من الأمور، على نحو رشيد.. ولذلك، فسوف أختتم كلامى معك، فى هذه المقالة، بإشارات إلى سوابق الطرائق وما نتج عنها من لواحق الحقائق، وأجعل لك ذلك فى نقاط محددة، بيانها كالتالى:
أولاً: لا يجب يا نيافة المطران الأمبا أن نترك عقولنا نهباً للتوهمات، ولا يجب أن ننهمك فى الخلاف بلا منهج أو قواعد أو آداب فى الاختلاف، انظُرْ مثلاً ما فعله القسيس المسمى ديسقورس، الذى ناب عنك عند اختفائك، حين راح يطنطن ويمخرق ويموِّه (ويزعبب) دون ضابط ولا رابط.
قل له يا نيافة المطران إنه لم يكن موفقاً، ولا متوافقاً مع تعاليم المحبة التى جاء بها السيد المسيح، سواءٌ كان المسيح إنساناً نبياً كما أعتقد، أو كما تعتقد رباً كاملاً وإلهاً لم يفارق لاهوته ناسوته طرفة عين، لا يهم ما نعتقده فيه،
ولا ضرر من تنوع الاعتقادات، فمن طبيعة البشر التنوع، ولكن تعاليم المسيح معروفة، بصرف النظر عن طبيعته التى طالما اختلف الناس حولها، وكان الواجب على القسيس (القَسّ) النائب عنك، أن يراعيها!
ولسوف أعطى لك مثالاً على عدم كماله، من واقع كلامه الذى ظل يغنى به من دون أن يُطرب، ويهوِّل فيه ويهلِّل من دون أن يضرب، وهذا المثال ورد فى المقالة الأخيرة - أو قبل الأخيرة إن كتب بعدها - حين نعى علىَّ أننى سهوتُ عند قراءة المكتوب على صورة المسيح (الآخر) التى وضعتها أنت فى صدر الكتاب المنسوب إليك، سهوتُ يا نيافة المطران فقرأتُ (دميانا) (دميانوس) لأن الخط المكتوبة به العبارة دقيق، لم يكن واضحاً لى بالقدر الكافى، وهذا كل ما فى الأمر، فكيف عالج نائبك هذه المسألة الفرعية التافهة؟
بدأ مقالته بقوله: «سوف أفاجئ القراء بإعلان فضحية كبرى، مؤسسة على براعة (يوسف زيدان ) فى فن صياغة الكذب..» ثم تلا ذلك بقوله المؤدَّب المهذَّب: «سقط (يوسف زيدان) غير مأسوف عليه، وانتظروا مفاجآتى فى السطور المقبلة» وبعدما قدم هذه التقديمات الدالة على أخلاقه القويمة وأمانته المستقيمة، صرَّح بالمفاجأة المنتظرة والفضيحة الكبرى -حسب تعبيره- وذكر أننى قرأت دميانا، دميانوس!
ثم قال موجِّهاً لى كلامه المحترم الذى تحاشى فيه الفحش فى القول، وتجنَّبَ به الفجور فى الخصام، ما نصه: «وكان ينبغى قبل السقوط فى هذه الهوة العظيمة، أن تسترشد بدارس للغة الإنجليزية، أو يكفيك فى هذا الشأن أحد أطفال المدارس الإنجليزية.. فالترجمة الصحيحة للعبارة هى: دير القديسة دميانة» ثم يبلغ القسيس (القس، رقيق الحس) غاية أخلاقه السمحة، حين يقول عقب ما سبق: «ولذا فإننى أدعو (يوسف زيدان) لتخصيص جزء من قيمة الجائزة المادية التى حصل عليها (البوكر) لتعلُّم اللغة الإنجليزية، ربما يفيده هذا مستقبلاً..».
فيا نيافة الأمبا قل لمن ناب عنك إن أسلوبكم غير لائق بكم بالمرة، وإن المسألة لا تستحق كل ما تفضل به من الكلام (الطيب) (المهذب) (الفاضل) خاصةً أنه، وهو المسكين، لم يعرف أن المسألة التافهة هذه، لا علاقة لها أصلاً باللغة الإنجليزية، لأن اللواحق المميزة لأسماء المؤنث والمذكر، بإضافة الألف الأخيرة للاسم المؤنث، وإضافة الواو والسين للمذكر، هى مسألة تخص اللغة اليونانية لا الإنجليزية، ففى لغة اليونان القديمة، كانوا يفرقون بهذه (اللواحق) بين المؤنث والمذكر، فيقولون: دميانا، دميانوس - أوكتافيا، أوكتافيوس.. بُلخاريا، بُلخاريوس.. وهكذا!
فاهدأوا - رحمكم الله- وقولوا للناس قولاً سديداً، وتذكروا أنه من سوابق الطرائق ولواحق الحقائق، قول الشاعر: وتعظم فى عين الصغير صغارها، وتصغر فى عين العظيم العظائم!.. هكذا تحدث المتنبى.
ثانياً: اعلمْ يا نيافة المطران الأمبا الحبر الأسد.. إلخ، أنك لم تردّ قطُّ على رواية عزازيل، ولم تعطِ نفسك الفرصة أصلاً لقراءتها، لأنهم (قالوا لك) أو (نقلوا إليك) أو (أوهموك) بأن الرواية فيها ما يخالف اليقين المتين والحق الأبدى الذى تعتقده أنت، وما هو باليقين ولا بالحق، إلا من زاوية واحدة فقط، هى زاويتك وحدك، أنت ومَنْ حولك.
ومن سوابق الطرائق ولواحق الحقائق، التى سأهديها إليك فيما يلى، قولٌ مضى عليه ثمانية قرون من الزمان، وأرجو منك أن تقرأه معى بتمهلٍ حتى تُدرك مبناه وتمسّ معناه: «وربما أوجبَ استقصاؤنا النظرَ، عُدولاً عن المشهورِ والمتعارف. فمن قَرَعَ سَمْعَهُ خِلاَفُ ما عَهِدَهُ، فلا يُبادرنا بالإنكار. فذلك طَيْشٌ. فَرُبَّ شَنعٍ حَقٌّ، ومألوفٍ محمودٍ كاذبٌ. والحقُّ حَقٌّ فى نفسه، لا لقول الناس له. ولنذكُرْ دوماً قَوْلَهم: إذا تساوتِ الأذهانُ والهِمَمُ، فمتأخِّرُ كُلِّ صناعةٍ، خيرٌ بالضرورة من متقدِّمها..» هكذا تحدَّث ابن النفيس.
ثالثاً: يا نيافة المطران اعلمْ أن ما هلَّلتَ به وهوَّلتَ، من صخبٍ كثير حول مشاهد العشق فى عزازيل (التى لم تقرأها أصلًا) كان أمراً لا أرتضيه لك، وأترفَّع بك عنه، وما كان يجب أن يصدر منك! فقد جاء حديثك فى هذا الموضوع مشوشاً، مؤسفاً، دالاً على أنك معزول عمن حولك، وعمن سبقك. فقد أثير مثل هذا الأمر من قبل، حول كتاب (ألف ليلة وليلة) الذى احتوى على مشاهد أفظع كثيراً مما فى رواية (عزازيل) وتضمن ألفاظاً صريحةً هى أشد على الأسماع مما فى الرواية.
ولذلك ثار البعض ضد (ألف ليلة وليلة) حتى قال لهم عالمٌ قدير، وشيخٌ جليل، هو بالاتفاق واحدٌ من أهم الذين اشتغلوا بالتراث العربى فى القرن العشرين، وقد يكون أهمهم على الإطلاق. قال: «الحديث هذه الأيام عن كتاب ألف ليلة وليلة، مؤسفٌ ومحزنٌ.. ويكشف عن جوانب سيئةٍ، رهيبةٍ، مخيفةٍ، تضاف إلى غيرها من الجوانب التى تندرج تحت عنوان: فَسَادُ حياتنا الثقافية.. إنَّ ما يُثار من أن هذا الكتاب فيه من الألفاظ المكشوفة، ما يمكن أن يُفسد عقول شباب وشابات هذه الأمة، يقدم دليلاً جديداً لهذا السُّخْفِ الذى اخترناه..
فالقضية تتطلب معالجةً أخرى، وبحثاً هادئاً يبدأ بقراءة أجزاء هذا الكتاب، والوقوف طويلاً عند صفحاته، وتأمل عباراته وسطوره ومن حق بعضنا أن يقرأه أو لا يقرأه، لكن ليس من حقنا جميعاً أن نحكم بإلغائه أو بحرقه! إن اتهامكم لهذا الكتاب بأن به ألفاظاً مكشوفة.. هذه الألفاظ فى رأيى لا خوف منها، فهى ألفاظ العلم نفسه، وإذا كان لها تأثيرٌ ضارٌ، فكيف يستخدمها علماء اللغة وأصحابها. أقولُ إنها ليست ألفاظاً ضارةً، وإنها ألفاظ طبيعية وعادية، يستخدمها البشر فى كل مكان، وليس من مصلحة البشر أن يجهلوا مثل هذه الألفاظ، فهى ضرورةٌ من ضرورات الحياة». هكذا تحدَّث محمود شاكر.
رابعاً: إن ما يحيِّرك يا نيافة المطران الأمبا، من انحيازى لآريوس ونسطور. وهى الحيرة التى عبَّرتَ عنها فى عدة مواضع بحواراتك الصحفية ولقاءاتك التليفزيونية، ناهيك عن ورودها أكثر من مرة فى الكتاب المنسوب إليك، هى حيرةٌ فى غير موضوع، وفى غير موضعها. وسوف أشير إليها حالاً، مُوَضِّحاً لك بإيجاز الأمر الذى تعتقد أنه (سر) فتقول دوماً: ما سر إعجابه بآريوس ونسطور؟
وليس فى الأمر سر، بل رؤية موضوعية لمفكرين كنسيين كبار، تتهمهم أنت بالهرطقة، ويتهمك أتباعهم أيضاً بالهرطقة.. غير أننى أنظر إلى المسألة بعيداً عن تلك الاتهامات المتبادلة، فأجد أن الآريوسية قدمت حلولاً عبقرية للمشكلة اللاهوتية المتعلقة بالطبيعتين (الإلهية، الإنسانية) للسيد المسيح، من خلال مفهوم «التبنِّى» الذى قام عليه هذا المذهب الذى قدَّمه الراهب الجليل، مصرى الهوية، ليبى الأصل، شامى الإقامة، إسبانى المنفى، إسطنبولى الاغتيال: آريوس (المتوفى مسموماً سنة 336 ميلادية).
وأما الأسقف الجليل نسطور، فقد قدم تصوراً لاهوتياً من وحى أستاذه الأسقف تيودور المصِّيصى، ومتوافقاً مع طبيعة العقلية العربية العملية التى كانت تسود منطقة الهلال الخصيب، حسبما أوضحت ذلك تفصيلاً فى كتابى الآخير: اللاهوت العربى وأصول العنف الدينى.. بالمناسبة، أرجو منك يا نيافة الأمبا ألا تقرأ هذا الكتاب، وألا تكلف نفسك عناء الانشغال به، لأنه لا يناسب أفاضل الرهبان من أمثالك، فهو كما ذكرتُ بالنص فى مستهلِّه: «لم يُوضع هذا الكتاب للقارئ الكسول، ولا لأولئك الذين أدمنوا تلقِّى الإجابات الجاهزة عن الأسئلة المعتادة، وهو فى نهاية الأمر كتابٌ، قد لا يقدِّم ولا يؤخِّر».
والنسطورية التى تكرهها يا نيافة الأمبا، لا أكرهها، بل أرى فيها كنيسةً عظيمة لا تقلُّ عن غيرها من كبريات الكنائس، وهى التى أدخلت الديانة المسيحية إلى أنحاء قارة آسيا، واشتغل أتباعها بالعلوم والمعرفة والترجمة من اليونانية والسريانية إلى العربية، فكان ذلك مقدمة للنهضة العلمية للعرب المسلمين الذين حملوا مشعل العلم والحضارة خلال القرون الطوال التى ظل العالم فيها مظلماً.. كئيباً.. ممقوتاً! ومن سوابق طريقة نسطور فى فهم الديانة، ولواحق حقائقه التى لاحت فى سماء اللاهوت العربى، قوله: «لا يجوز تسمية العذراء مريم بأم الله، فهى امرأة قديسة ولدت بمعجزة، لكنها ليست أُماً للإله.
ولا يجوز لنا الاعتقاد بأن الله كان طفلاً يخرج من بطن أمه بالمخاض، ويبول فى فراشه فيحتاج للقماط، ويجوع فيصرخ طالباً ثدى أمه. الربُّ كاملٌ، كما هو مكتوب، فكيف له أن يتخذ ولداً، سبحانه، ومريم العذراء إنسانةٌ أنجبتْ من رحمها الطاهر بمعجزة إلهية، وصار ابنها من بعد ذلك مجلى للإله، ومخلِّصاً للإنسان. صار كمثل كوةٍ ظهرت لنا من خلال أنوار الله، أو هو مثل خاتمٍ ظهر عليه النقش الإلهى. وظهور الشمس من كوةٍ لا يجعل الكوة شمساً، كما أن ظهور النقش على خاتم لا يجعل الخاتم نقشاً».. هكذا روى الراهب هيبا فى عزازيل!
وبعد، فيا نيافة المطران، مازالت لك فى نفسى مودة قديمة، ولك من وراء ذلك الوظائف الكنسية الكثيرة والمهام الدينية التى لا تنتهى. وعندى أيضاً عملٌ كثير وانشغالات! فدعنا نكف عن هذا الجدل، عملاً بقوله تعالى (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).
ولعموم القراء أقول، إننى سوف أبدأ من الأربعاء القادم، ولسبعة أسابيع تالية، فى سلسلة مقالات أرجو أن تكون أكثر نفعاً للناس، آملاً أن نُعيد من خلالها النظر والاعتبار فيما ورثناه نحن المصريين، من اعتقادات وأفكار.. سواءٌ كنا مسلمين أو مسيحيين.. فإلى لقاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.