نشرت «المصرى اليوم» منذ أقل من أسبوعين، عرضا لمحتوى الكتيب الصادر عن مجلس الوزراء المعنون «60 إنجازا فى 60 شهرا»، والذى يتضمن ما أنجزته الوزارة منذ أن تم تكليفها.. وتعقيبا على التقرير قدمت «المصرى اليوم» أرقاما مغايرة لما جاء فى تقرير الوزارة.. وهو ما ترتب عليه رد من مجلس الوزراء تم نشره يوم الاثنين الماضى، فحواه «أن مجلس الوزراء لا يتباهى بإنجازاته».. «وأن نشر الكتيب هو لبث روح الأمل والتفاؤل بالمستقبل انطلاقا من أن أى تحسن فى مجالات التنمية سينعكس بالقطع على مستوى معيشة المواطنين، ولذا فإننا نتوقع من الرأى العام ردود الفعل الموضوعية لهذه الإنجازات، ونقدا بناءً لاتجاهات الحكومة بما يساعدنا على وضع تصور المرحلة المقبلة لاستمرار البناء على الإيجابيات وتدارك السلبيات». وفى ضوء الرد وتوضيح الهدف من الكتيب، فإنه من حيث المبدأ ليس لى اعتراض على فكرة أن نبث الأمل فى نفوس مواطنينا.. بيد أن الأمر متى ارتبط بمجالات التنمية المتعددة وانعكاسها على مستوى المعيشة فإن ذلك يحتاج إلى معالجة من نوع آخر.. كيف؟ (2) بداية لابد من الاتفاق على مجموعة من المبادئ تم استخلاصها من خبرات الآخرين التنموية منذ الحرب العالمية الثانية وإلى الآن، ومن هذه المبادئ ما يلى: ■ إن التنمية الحقيقية هى «تنمية متصاعدة» تقوم على أساس «كيفى» لا «كمى»، بمعنى أنها تحدث بحق نقلات كيفية فى الواقع بأبعاده الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والروحية.. وعليه لم يعد مقبولا فى كل أدبيات التنمية الاكتفاء بالجانب «الرقمى» و»الكمى» كما جاء فى الرد.. فالأرقام لابد أن تُدعم بمؤشرات كيفية تعكس التقدم الذى طرأ. ■ إن العملية التنموية عملية مركبة، لأنها لا تتعامل مع الجوانب المختلفة كل على حدة وإنما باعتبارها «حزمة» متقاطعة ومتداخلة.. فلا توجد تنمية اقتصادية من دون تنمية ثقافية ولا توجد تنمية سياسية بغير تنمية اجتماعية وهكذا.. وبالمثل الأنشطة النوعية (كالصحة والتعليم..) فكلها يجب أن تكون مرتبطة معا فى إطار رؤية تنموية واحدة. ■ وفى المجمل فإن التنمية «مشروع حضارى شامل» لا يقتصر على إحداث نمو كمى أو انتعاش اقتصادى: مالى بالأساس.. أو بناء أشكال تحديثية لم تزل الثقافة السائدة غير معدة للتعامل معها. فى ضوء ما سبق يمكن أن نقول إن الإشكالية تتجاوز فى الحقيقة مدى صحة الأرقام أو عدم صحتها إلى الرؤية التى تحكم العملية التنموية فى مصر.. كيف؟ (3) أتصور أن المنطق العام الحاكم هو البناء والتوسع الكمى، فإذا أخذنا قطاع التعليم- مثلاً- فسوف نجد الوزارة مشكورة تقوم ببناء مئات المدارس وآلاف الفصول- فى كل عام- لكن لا أحد يتحدث عن جودة التعليم وعن نوعية التدريس ومن قبل الرؤية الحاكمة للعملية التعليمية وعلاقة العملية التعليمية بالعملية التنموية ككل ثقافيا وسياسيا واجتماعيا.. وهل انعكست العملية التعليمية- بالأخير- فى إحداث تجديد حضارى شامل لبنية المجتمع فى مواجهة الجهل والغيبيات والأساطير والأوهام.. وتبنى قيم تعين المجتمع وأفراده على التحرر من كل ما يعوقهم ودعم المشاركة مثلا على كل مستوياتها.. وهو ما يفسر فى ظنى لماذا لا يحس المواطن بأى إنجازات رقمية تحققت على أرض الواقع بالفعل لأنها فاقدة القدرة على إحداث تحولات نوعية فى حياتهم. لقد كنت أتمنى عندما حدثت الأزمة المالية العالمية أن تتم مراجعة السياسات التنموية فى مصر فى ضوء النقد الذاتى الذى تم من قبل الدول الغربية المتقدمة التى تقوم بمراجعة نفسها بحثا عن نموذج رأسمالى يكون أكثر عدلا.. وأذكر أننى فى دراسة حديثة قمت بها بعنوان «قصة الليبرالية الجديدة: من البداية إلى انتهاء الصلاحية».. قد أشرت إلى أنه كيف أعلن فوكوياما مطلع هذا العام، الذى وصفته بكاتب النهايات، يعلن- كما أعلن قبل 20 سنة نهاية التاريخ- نهاية النيوليبرالية.. التى أدت لتوسيع الفجوة بين الأثرياء والفقراء من جهة، وإلى الأخذ بمنهج كان تم انتقاده منذ عقود يدمج بين مفهومى النمو والتنمية.. كم نحتاج إلى لغة الكيف.