إن الحقيقة المثبتة فى العصر الحديث واحدة، ومفادها أن الحرية لا تُمنح، وأن نيل المطالب لا يكون بالتمنى وإنما تؤخذ الدنيا غلابا، وأن الله سبحانه وتعالى قد نبهنا فى كتابه الكريم إلى أنه سبحانه لا يُغيّر ما بقوم حتى يُغيّروا ما بأنفسهم.. ولكن يبدو أن كثيراً من المصريين- بكل أسف- قد استسلموا، وبدأوا يتعايشون مع الفساد الذى استشرى كالنار فى الهشيم، ويتم تأصيله فى الشخصية المصرية، فالكل أصبح مستفيداً: السارق الكبير ينعم بما سرق، والمسروق الغافل رضى بالفتات الذى يُلقَى إليه.. والبطش الغاشم من قوى الأمن يتربص بكل من تسول له نفسه أن يفكر أو أن يسأل.. والأخطر من كل هذا وذاك أن أفراد النخبة المثقفة، وما تبقى من الطبقة المتوسطة الفرعية، قد انقسموا على أنفسهم. وإذا انتقلنا إلى الغالبية العظمى من المصريين فسوف نجد الأمية الأبجدية والثقافية تقف حجر عثرة فى طريق التفكر والتدبر.. ونأتى إلى السؤال الذى نوجهه إلى كل قادة الفكر والمثقفين المخلصين فى هذا البلد: إلى متى هذا الصمت.. وما الحل؟.. أرى أن الحل فى أنه لابد من التحرك الإيجابى الآن وليس غداً لتوعية الشعب بما يحاك له، وبحقوقه الشرعية والتى قالها الزعيم أحمد عرابى منذ أكثر من مائة وثلاثين عاماً.. لقد خلقنا الله أحراراً ولم يخلقنا تراثاً أو عقاراً، ولابد من توحيد الصفوف لأحزاب المعارضة الحقيقية ومنظمات المجتمع المدنى المدافعة عن حقوق الإنسان وحق المواطنة والحق فى العيش بكرامة، وأن تُنحّى أى خلافات أيديولوجية وعقائدية جانباً.. وأن تضع مصلحة مصر فوق أى مصالح شخصية صغيرة، ولابد أن يعتنق المصريون جميعاً فكرة أنهم فى قارب واحد تتقاذفه الأمواج من كل جانب، وأننا لسنا عبيداً يُفرض عليهم حكامهم، وآن الأوان أن يكون لنا الرأى الأول والأخير.. فلسنا قطيعاً من الأغنام.. كما أننا لسنا ناقصى الأهلية ولا منعدمى الكفاءة، ونصر على أن تُحترم إرادة الأغلبية الواعية فى انتخابات حرة ونزيهة وفى تكافؤ فرص حقيقية تحت رقابة حقيقية، محلية ودولية كما نادى فقيهنا الدستورى الدكتور يحيى الجمل. ختاماً.. إننى أتفق تماماً مع المنذرين من الخطر المحدق بالبلاد فى أننا إذا لم نفق من غفلتنا فى الوقت المناسب فإننا نكون قد ارتكبنا جريمة كبرى فى حق أبنائنا وحق الأجيال القادمة. ربان/ محمد سعيد أيوب- الإسكندرية خبير لوجستيات النقل البحرى وإدارة الموانئ
