بعد تكريمها من الرئيس السيسي باحتفالية عيد العمال.. من هي منى حبيب؟    قبائل سيناء ضد الإرهاب.. واجهت قوى الشر.. وساندت جهود التنمية    نجاح الوطنية لخدمات الملاحة الجوية في تجديد اعتماد شهادة الأيزو «DNV»    رسالة ودعاية بملايين.. خالد أبو بكر يعلق على زيارة الرئيس لمصنع هاير    مراحل مفاوضات التهدئة بين حماس وإسرائيل منذ اندلاع الحرب    بحجم دولة نيوزيلندا.. ثقب عملاق يثير حيرة العلماء    الولايات المتحدة: حماس احتجزت شحنة مساعدات أردنية في غزة    «المهندسين» تنعى عبد الخالق عياد رئيس لجنة الطاقة والبيئة ب«الشيوخ»    فيديوجراف | البحر الميت يبتلع عشرات الإسرائيليين وجاري البحث عن المفقودين    مسلم: الحرب الإعلامية الإسرائيلية دليل على دور مصر الشريف في خدمة القضية الفلسطينية    الأرصاد العمانية تحذر من أمطار الغد    أخبار الأهلي: طلب هام من كولر في الأهلي قبل مواجهة الترجي التونسي    أخبار الأهلي: تفاصيل قرعة كأس مصر.. ومنافس الأهلي    الأهلي يطلب ردًّا من اتحاد الكرة لتصعيد أزمة مخالفة اللوائح للجهات الدولية    أخبار الأهلي: توقيع عقوبة كبيرة على لاعب الأهلي بفرمان من الخطيب    أجواء شم النسيم «آخر طراوة»    مصرع سائق في اصطدام 3 سيارات بالطريق الصحراوي بالبحيرة    لمدة أسبوع.. دولة عربية تتعرض لظواهر جوية قاسية    مصرع أربعيني ونجله دهسًا أسفل عجلات السكة الحديدية في المنيا    أحمد السقا يشكر سائق دبابة في "السرب": لولاه كنت هبقى بلوبيف    مصطفى كامل يحتفل بعقد قران ابنته بحضور نجوم الفن    «قواعد الإملاء العربي».. كتاب جديد لخدمة اللغة العربية    إسعاد يونس تشارك في معرض الكتاب وتوجه رسالة لياسمين والعوضي.. فيديو    خالد الجندي: العمل شرط دخول الجنة والنجاة من النار    أمين الفتوى: الإنسان المؤمن عند الاختلاف يستر لا يفضح    قلة وزن الأطفال.. تعرف الأسباب والعلاج    120 مشاركًا بالبرنامج التوعوي حول «السكتة الدماغية» بطب قناة السويس    الإصلاح والنهضة: مدينة "السيسي" جزء من خطة الدولة التنموية    محمد سلماوي: الحرافيش كان لها دلالة رمزية في حياة نجيب محفوظ.. أديب نوبل حرص على قربه من الناس    الأنبا بشارة يترأس صلاة ليلة خميس العهد بكنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بالهريف    ياسمين عز تعلق على صورة حسام موافي بعد تقبيله يد أبوالعينين :«يا عيب الشوم» (فيديو)    «ماجنوم العقارية» تتعاقد مع «مينا لاستشارات التطوير»    ب 277.16 مليار جنيه.. «المركزي»: تسوية أكثر من 870 ألف عملية عبر مقاصة الشيكات خلال إبريل    مصرع شاب غرقا أثناء استحمامه في ترعة الباجورية بالمنوفية    محافظ مطروح يلتقي قيادات المعهد التكنولوجي لمتابعة عمليات التطوير    فنون الأزياء تجمع أطفال الشارقة القرائي في ورشة عمل استضافتها منصة موضة وأزياء    أدنوك الإماراتية: الطاقة الإنتاجية للشركة بلغت 4.85 مليون برميل يوميا    ندوة توعوية بمستشفى العجمي ضمن الحملة القومية لأمراض القلب    هجوم شرس من نجم ليفربول السابق على محمد صلاح    تجديد حبس عنصر إجرامي بحوزته 30 قنبلة يدوية بأسوان 15 يوما    محافظ جنوب سيناء ووزير الأوقاف يبحثان خطة إحلال وتجديد مسجد المنشية في الطور    للبنات.. تعرف على خريطة المدارس البديلة للثانوية العامة 2024-2025 (تفاصيل وصور)    رسائل تهنئة عيد القيامة المجيد 2024 للأحباب والأصدقاء    توقعات برج الميزان في مايو 2024: يجيد العمل تحت ضغط ويحصل على ترقية    برلماني سوري: بلادنا فقدت الكثير من مواردها وهي بحاجة لدعم المنظمات الدولية    وزيرة التضامن تستعرض نتائج تحليل مشاهد التدخين والمخدرات بدراما رمضان 2024    أذكار بعد الصلاة.. 1500 حسنه في ميزان المسلم بعد كل فريضة    القوات المسلحة تنظم المؤتمر الدولي الثاني للطب الطبيعي والتأهيلي وعلاج الروماتيزم    انتبه.. 5 أشخاص لا يجوز إعطاؤهم من زكاة المال| تعرف عليهم    رئيس الوزراء يعقد اجتماعًا مع ممثلي أبرز 15 شركة كورية جنوبية تعمل في مصر    فقدت ابنها بسبب لقاح أسترازينيكا.. أم ملكوم تروي تجربتها مع اللقاح    رانجنيك يرفض عرض تدريب بايرن ميونخ    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتابع بدء تفعيل مبادرة تخفيض أسعار اللحوم    دعم توطين التكنولوجيا العصرية وتمويل المبتكرين.. 7 مهام ل "صندوق مصر الرقمية"    الأهلي يجهز ياسر إبراهيم لتعويض غياب ربيعة أمام الجونة    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل للمتقدمين من 12 محافظة    هيئة الجودة: إصدار 40 مواصفة قياسية في إعادة استخدام وإدارة المياه    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السؤال الصعب.. هل انقرض شعر الثورة والرفض والاحتجاج والمقاومة؟

مرت حركة الشعر بتحولات عديدة خلال القرن الفائت، سواء على مستوى الشكل بالتحول من القصيدة العمودية إلى الشعر الحر إلى قصيدة النثر أو على مستوى المضمون بالانتقال من الرومانسية إلى الواقعية إلى الشعر الثورى ثم إلى الذاتى، وكان لثورة يوليو أثر كبير فى تثوير الشعر ليتماشى مع أهدافها، ومن ثم أفرزت حركة نشر الشعر بجميع آلياتها، شعراء يتغنون بالثورة وآخرين ضدها، واليوم فى الذكرى السابعة والخمسين لثورة يوليو، يطرح السؤال نفسه: أين موقع الشعر الثورى، وهل يمكن القول بأنه اختفى مع شيوع مقولات تروج لتهميش القضايا الكبرى للصالح الشخصى والإنسانى.
وقبل الإجابة عن الأسئلة يقترح الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى توضيح وتحديد معالم الشعر الثورى والشاعر الثورى، لكى نتجنب الخلط بين المواقف الثورية اليومية المباشرة وما يدعم هذه المواقف ويقول: الشاعر الثورى الحقيقى هو من يعبر عن رؤية عميقة لعالمه المتصل بالماضى والمتنبئ بالمستقبل أو يحاول أن يكشف أغوار المستقبل، فليس معنى أن أكتب قصيدة تهييجية أو أغنية مباشرة تتسول العواطف السطحية للمراهقين الثوريين، أننى أصبحت شاعرا ثوريا، لأن هذه القصائد لا تعبر عن رؤية عميقة لإنسان يبدع شعرا، وإنما لإنسان ينافق قطاعات تبحث عن أفعال ثورية أو شبه ثورية،
وبالتالى تحتضن تلك الفئات هذا الشاعر إذا سميناه شاعرا فى حين أن هذه الفئات نفسها يمكن أن تغير موقفها غدا أو يغير الشاعر موقفه، فتسقط كل تلك الأبنية المباشرة وتتحول إلى مخلفات، وهناك قصائد كثيرة من هذا النوع ذهبت إلى غير رجعة وتناثرت تحت أقدام مسيرة البشر.
ويضيف الأبنودى: إذن فالشاعر الثورى الحقيقى ليس هذا الأراجوز أو البهلوان أو مهرج السيرك الذى يجمع من حوله بعض الموتورين والمطبلين والمزمرين اليوم ولا يجدهم ولا يجدونه غدا، وإنما هو الشاعر الذى يخشى على ميراث الشعر أولا ولا يهينه، وأن تكون القصيدة قصيدة أولا وقبل أى شئ آخر، فناظم حكمت وإيلوار ولوركا وأراجون ونيرودا وبريخت كانوا شعراء ثوريين وأشعارهم مازالت باقية حتى الآن زادا لكل من يحاول أن يفهم الحياة أو التجارب الثورية لشعوب أخرى.
ويتابع الأبنودى: إذن فالشاعر الثورى ليس من «يرص» كلمات ساخرة أو مضحكة أو شاتمة، وليس مجرد إنسان «يلسن» على السلطة، وإنما هو مفكر أولا وأخيرا يعانق شعبه ويعرفه جيدا ويعى قضايا الإنسانية ويدرك جيدا المعنى الحقيقى للظلم الذى يمارس على الفرد كفرد وعلى الشعوب كمجموع، وحين يكتب يعبر عن هذا الوعى العميق حتى لو كان يكتب عن «كناس» أو عن عالم الأغنياء أو عن جندى انتهت الحرب وألقى به فى سلة مهملات السلطة.
ويوضح الأبنودى: إذا نظرنا حولنا الآن سنجد بعض الشعراء مازالوا يقفون على أقدامهم بقدر ما تتيح لهم مواقفهم وقدرتهم على كبح جماح التطلع والانتهاز والصعود على أكتاف الآخرين، وبذلك لا نستطيع أن نقول إن الشعر الثورى انتهى، ولكن فى فترات القحط والمحاق المظلم ربما يحتفظ البعض بمفهومهم الثورى حتى لو كان تعبيرا عن ذات مفردة لا تعانق الجماهير فى العلن وتحط من قضاياهم فى الخفاء.
أما الشاعر محمد إبراهيم أبوسنة فيرى أن هناك نوعين من الشعر الثورى أولهما بالمعنى المجازى، ووفقا لهذا المعنى كل شاعر هو ثورى لأنه يبحث عن أسباب تقويض البنية التى تجمدت وفقدت فعاليتها فى الحياة، أما النوع الثانى وهو الشعر الثورى بالمعنى المباشر فيقول عنه أبوسنة: الموجات الجديدة والتيارات الشعرية الحداثية قطعت صلتها المباشرة بالقضايا السياسية والقومية، من أجل الغوص فى أعماق الحالة الشعرية، للبحث عما يسمى الشعر الخالص أو الصافى أو شعرية الأشياء بمعنى تشعير الوجود، واستنطاق الكائنات وأنسنة الموجودات بطريقة جديدة،
ويضيف: أعتقد أن هناك قصيدة ثورية فى إطار القصيدة الرافضة أو شعر الاحتجاج، وهو ما يظهر لدى معظم شعراء التفعيلة، الذين يكتبون من منطلق إحساس بالظلم والخيبة والإحباط، وهو رد فعل طبيعى لما يحدث فى الواقع، أما الشعر الثورى الذى يبشر بالثورة والتغيير وعالم له ملامحه السياسية والفكرية المميزة، فهو فى رأيى غير موجود، الموجود فقط هو شعر الاحتجاج والرفض والتمرد والعودة إلى الذات.
أثناء حرب غزة، كتب الشاعر سيد حجاب قصيدة مطولة فيما يشبه «الكراس الشعرى» ووزعها فى حزب التجمع، وكانت تحمل العديد من الأبعاد الثورية أو لنقل الحس السياسى النقدى اللاذع، وعن وجود هذا النوع على الساحة الشعرية الآن يقول حجاب: منذ بداية الخليقة والإبداع هو انتصار على المجهول والعدم وعوامل الفناء التى تحيط بالإنسان، والفن لدوره المعرفى البناء للوجدان الإنسانى هو دائما ثورة، ولكن إذا كان ما نعنيه هو الشعر ذو المحتوى السياسى المؤكد، فهو موجود فى حياتنا إلا أنه يكتسب زخما مع معاركنا السياسية الكبرى.
ويضيف حجاب: على مشارف يوليو كان هذا النمط الشعرى يلعب دوره فى مقدمة صفوف المناضلين المبشرين بالثورة، ولعل أشهر الأصوات التى برزت فى تلك الفترة كامل الشناوى وكمال عبدالحليم وفؤاد حداد وغيرهم من الشعراء الذين كتبوا قصائد تواكب النهضة ولعب هذا النوع من الشعر دورا فى العدوان الثلاثى عام 1956 وكانت أشعار صلاح جاهين وكمال منصور مواكبة للنضال المصرى فى تلك الفترة منذ أغنية «حنحارب» التى أطلقها جاهين بعد الخطبة الشهيرة التى ألقاها عبدالناصر فى الأزهر ومرورا ب«والله زمان يا سلاحى» لصلاح جاهين أيضا ووصولا إلى «عاد السلام يا نيل» التى كتبها بيرم التونسى بعد انحسار البطولة، وفى الموازاة كان شعراء الطليعة صلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطى حجازى وعبدالوهاب البياتى ونازك الملائكة وبدر شاكر السياب يشقون للشعر العربى طريقا إلى الحداثة، ويتابع حجاب: بعد النكسة علا صوت نزار قبانى وأمل دنقل ومظفر النواب رافعين راية الشعر الثورى فى مواجهة الهزيمة.
والآن بعد أن أخذ الشعراء النخبويون المسار الشعرى فى اتجاه قصيدة النثر والقطيعة المعرفية فقدوا دورهم فى حياة أمتنا، ولكن يظل إلى جوارهم تيار مناضل ثورى يملأ قلوب جماهيرنا مازال لدينا أحمد فؤاد نجم يواصل إبداعاته إلى جوار العديد من شعراء العامية المحدثين كما تعلو أصوات شعرية جديدة حاملة لواء الثورة الإنسانية الشاملة فى سوريا ولبنان والجزائر وتونس والعديد من الدول العربية وأظن أن الشعر الثورى سيرفع صوته أكثر وأكثر فى المستقبل القريب ليدفع الشعب العربى للخروج من الهزيمة الحضارية والدخول فى العالم الجديد.
ويعترض الشاعر سمير عبد الباقى بداية على مصطلح الشعر الثورى، قائلاً: كأننا يجب أن نقسم الشعر إلى ثورى وانقلابى ومحافظ، لافتاً إلى أن مفهوم الثورة نفسه يحتمل الجدل، ويقول: ثورة يوليو على سبيل المثال يعتبرها البعض انقلاباً، ثم إنها لم تقترب من البنية التحتية للمجتمع، ومن كثرة استعمال كلمة ثورة «باخت»، كما أن ربط الثورة بالشعر غير منطقى، فليس معنى أن هناك ثورة أن أبحث عن الشعر الذى يلائم تلك المرحلة ويخدمها، خاصة أننا فى مرحلة هزائم للشعوب والحركات التحررية، ولا أميل إلى تقسيم الشعر إلى ثورى وغير ثورى، فالفن إذا كان جيداً وملتزماً بقواعد الجمال يكون ثورياً، لأنه يهدف إلى تغيير قبح وسلبيات الواقع.
يرى الدكتور عبد المنعم تليمة أستاذ النقد الأدبى بجامعة القاهرة أن الشعر الثورى مازال موجوداً ويتجلى فى أشعار بعض الأفراد، ويعرفه بأنه الشعر الذى يرنو إلى المستقبل بعيون يقظة وليس ما يسخط وينقلب وينتفض، فهذه وظيفة الحركات السياسية، ويوضح أن الشعر يكون ثورياً عندما ينقل الجماعة من واقعها إلى الأفضل وهو ما يظهر فى إبداعات شعراء العامية، ويرفض تليمة اعتبار الحركة الشعرية التى واكبت وتزامنت مع ثورة يوليو حركة شعر ثورى، لافتاً إلى أن الثورة احتكرت كل شىء، خاصة الفن والإبداع وسعت لتوظيفه لخدمة أهدافها،
ويقول: الثورة جعلت ليلى مراد تتغنى بقطار الرحمة ومحمد عبد الوهاب يغنى لحادث عبد الناصر فى المنشية، ومثلما يمكن أن تولد الثورة فناً محترماً يمكن أيضاً أن تخرج أشياء رثة، هناك أشعار رائعة لصلاح جاهين مواكبة للأحداث الآنية والمناسبات مثل بستان الاشتراكية وصورة، لكن المشكلة أن هذه القصائد تسقط بانتهاء المناسبة، وهناك أيضاً أشعار فجرتها ثورة يوليو مناوئة لنزعة الاستبداد لديها، مثل قصيدة «عودة ذى الوجه الكئيب» لصلاح عبد الصبور فى المعارضة، وفى الثورية قصيدة لا تصالح لأمل دنقل، وإلى جانب ذلك كانت هناك أشعار الموالاة للثورة كتبها شعراء كبار إلا أن هذه القصائد تسقط مع الزمن.
الكاتبة عبلة الروينى صاحبة كتاب «الشعراء الخوارج»، ترى أن المسميات أفسدت الشعر، ومنها قصيدة الوردة وقصيدة المدفع وقصيدة الشارع وقصيدة الميدان وغيرها من المسميات، والأهم منها دائماً حضور الشعر نفسه، فبقدر جودة القصيدة وجمالها يكون موقفها والرؤية السياسية الكامنة وراءها صحيحة، الجيد جمالياً صحيح سياسياً،وتضيف عبلة: الشعر الثورى يمكن أن يكون موجوداً بطرق وأشكال مختلفة، مثل مقاومة القبح، الرغبة فى التغيير، فسؤال الثورة ليس أن تثور على من، يمكن أن يثور الشاعر على الخرافة على كل شىء يعيد المجتمع للوراء، يثور على الجهل، ليس بالضرورة أن تكون الثورة ضد سلطة أو استعمار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.