من سجن المنيا مروراً بشرطة العدوة إلى قسم شرطة مغاغة، انتهت رحلة منير سعيد حنا 56 سنة مدرس مغاغة المتهم بإهانة رئيس الجمهورية بعد 50 يوماً غاب فيها عن منزله بمنطقة منشية المصرى بمدينة مغاغة بالمنيا صدر فيها ضده حكمان أحدهما بالسجن ثلاثة أعوام وكفالة 100 ألف جنيه والآخر بالبراءة مما هو منسوب إليه.. «المصرى اليوم» التقت حنا فى منزله فور الإفراج عنه وكان الحوار التالى... ■ نود أن نتعرف عليك عن قرب؟ اسمى منير سعيد حنا عمرى 56 سنة وأعمل فى التعليم الصناعى وتدرجت إلى أن وصلت إلى درجة وكيل فنى بالتعليم الثانوى واشتغلت فى صيانة التليفزيون والفيديو وعندى ورشة لتصليح التليفزيونات. ■ ما علاقة العمل بالمؤهل الذى حصلت عليه؟ حصلت على بكالوريوس الهندسة عام 77 وعينتنى الحكومة فى وظيفة غير مناسبة ففضلت أن أشتغل فى المناسب لى وفتحت ورشة لتصليح الأجهزة الكهربائية، وعلى الرغم من أننى كنت متقدماً على الدفعة بتقدير عام جيد مرتفع، فإننى لم أعترض على الوظيفة خارجياً وإنما اعترضت داخليا بأن كنت كثير الغياب عن عملى فى البداية، ثم انتظمت مع مرور الأيام. ■ ماذا عن الحالة العائلية؟ والدى توفى وترك لى أشقائى الصغار ووصانى عليهم قبل وفاته وحملنى حمل الأسرة كلها كاملة قبل أن يتوفى، ولذلك رضيت بالوظيفة فى التربية والتعليم حتى أكون إلى جوارهم وقمت بواجبى تجاههم ولم أتزوج إلا فى الأربعين من عمرى بعد أن أطمأننت عليهم جميعاً وزوجتهم جميعاً. ■ هل كان لك أى توجه سياسى؟ أنا كنت منضماً فكرياً للحزب الشيوعى فى عام 74 عندما كنت ماأزال أدرس فى جامعة أسيوط، ثم انضممت فكرياً للحزب الوطنى وتركته بعد مدة بسيطة عندما تبين لى أنه كلام فقط دون فعل، وآمال دون تحقيق، وتفرغت لعملى فى صيانة الفيديو، والعمل الحكومى. ■ لماذا رفضت دخول امتحان الكادر؟ رفضت الدخول لأنى دارس إلكترونيات وأدّرس 6 مواد علمية بالصفين الأول والثانى الثانوى فى قسم كهرباء القوى وأستطيع أن أدرسهم بالإنجليزية، والامتحانات دون مستواى العلمى، وفى الوقت نفسه طريقة الامتحانات مهينة جدا، وهناك غش، وأنا سألت نفسى كيف أكون تربوياً وأغش وكيف أكون مدرساً وأغش. ■ هل تعنى أن هذا لا يليق بالمدرس؟ هذا لا يليق بالمواطن الشريف، وليس المدرس، كيف أسمح لنفسى بالغش فى الامتحان من أجل أن أنجح ■ متى بدأت فى كتابة الشعر؟ أنا بدأت كتابة الشعر فى رمضان قبل الماضى. ■ ما محركك الرئيسى؟ المحرك الرئيسى كان قلة عدم انتظام الطلبة فى المدارس، مما أعطانى وقت فراغ كبير فبدأت أكتب مجموعة أفكار أو خواطر عبارة عن بداية طريق للكتابة فى الشعر. ■ هل تقصد أول قصيدة كتبتها؟ كتبت عن فساد داخل المدرسة قصيدة أقول فيها: «صنايع شم صنايع شم ياما لمت وياما هتلم أبوبدلة أبو كم واللى عليه داعية الأم». وكانت مختصة بالفساد المالى والإدارى داخل المدرسة وأن الطلبة لا يحضرون المدرسة ويتحايلوا عليها ومن يدفع 3 جنيهات يسمح له بالغياب شهر، ومن يدفع 50 جنيهاً ينجح فى التيرم. ■ من الشعراء الذين قرأت لهم قبل أن تكتب شعر؟ أنا أميل للشاعر التونسى أبوالقاسم الشابى وأعتبره أكبر وأعظم شاعر عربى ورغم أنه مات صغيراً إنما شعره ظل وتحدى وأعطى ثمره. ■ وماذا عن الأغانى؟ كتبت أغانى كثيرة ومسجل حوالى 35 أغنية فى الشهر العقارى على مدار عام ولكن توقفت عن التسجيل حتى أقوم بتوصيل صوتى للإعلام، أنا حاولت أتصل أكثر من مرة بالفضائيات ولكن لم أتمكن. ■ من شعراء الأغنية الذين تأثرت بهم فى كتاباتك؟ أنا أعتبر أن مصر تفتقد شعراء أغانى كويسين من 10 سنين. ■ كيف جاءت القضية؟ الموضوع بدأ يتطور وأمن الدولة قام بنقلى من المديرية إلى إدارة مغاغة شهر مارس 2008، وتحويلى من وكيل فنى بالتعليم إلى معاون فنى بالإدارة، وإنقاصى درجة عن وظيفتى بواسطة أمن الدولة التى ضغطت على مدير المديرية ومازلت حتى الآن معاوناً فنياً، وهى وظيفة تعطى للخاوى الذى لا يقوم بالعمل. ■ ما علاقة أمن الدولة بالموضوع؟ أمن الدولة تحرك مجاملة لبعض الفاسدين بالمدرسة، وكانوا يريدون تحويلها إلى قضية طائفية، ولكن الناس تعرف أننى لست متطرفاً. ■ هل توقف الأمر عند حد النقل إلى مغاغة؟ لا نقلونى فى فبراير 2009 إلى إدارة العدوة نقلاً تعسفياً فى وأخذت «جزا» 15 يوماً. ■ «الجزا» كان بسبب القصائد فقط؟ أنا باكتب بالإضافة إلى القصائد مقالين يومياً، وأوزعهما على الناس وبعض الأصدقاء آخذ رأيهم فيهما وعندى مقالات سياسية وزجلية عن المرأة. ■ من الذى أبلغ عنك؟ الناس فى الإدارة فى العدوة كويسين، لكن فرد الأمن اللى فى الإدارة اسمه محيى كان يأتى لى دائما ويقول إنه معجب بشعرى ويصور الشعر ويسلمه لأمن الدولة، وهو الذى رفع به القضية فى بنى مزار. ■ ما القصيدة التى اعتبرت إهانة لرئيس الجمهورية؟ كتبت قصيدة القايمة السودا فسروها بأنى أقصد بها الرئيس قلت فيها «جه معاد اللفت والبلاك ليست وولاد القراميط واللى عامل لى قرد». ■ هل كنت تعلم أن كتابة الشعر ستجر عليك كل هذه المشكلات؟ كنت عارف إن هيحصل مشاكل بدليل إنى أخذت «جزا» وتم نقلى من شم إلى مغاغة إلى العدوة. ■ لماذا لم تتوقف بعد الجزاءات المتكررة؟ لم أتوقف لأن فلسفتى إصلاح ما هو فاسد، والشعر دون إصلاح المجتمع وإظهار الفساد ليس شعراً، أى واحد يكتب بخوف، الأفضل أن يبعد عن الكتابة. ■ هل تعرضت لمضايقات فى السجن ومن أى نوع؟ لم تكن هناك مضايقات بالمعنى المعروف وإنما السجن عامة هو منظومة فاسدة مبرمجة لإهلاك الإنسان دون اللجوء إلى قوانين، وفيما عدا المضايقة فى النوم فى زنزانة 3 فى 5 ونص متر، ينام فيها 29 فرداً، ويتم تقسيم 27 سم لكل منهم بالعرض وطول 180 سم بالطول، فلا أذكر أننى تعرضت لمضايقة. ■ فى أى عنبر تم حبسك؟ كنت محبوساً فى طابق الأموال العامة. ■ هل توقعت الحكم عليك 3 سنوات؟ لم أتوقع أبدا لأننى مقتنع أن من حق أى إنسان أن يعبر عن رأيه بالطريقة اللى شايفها صح، طالما إنه لم يضر أحداً. ■ مَنْ مِنْ أصدقائك وقف إلى جوارك؟ كل الناس ابتعدوا عنى كلهم خافوا واعتبرونى بادخل نفسى فى مهالك. ■ بعد تجربة السجن هل ستتوقف عن كتابة الشعر؟ الشعر والأدب شرف لأى إنسان والكتابة ليست عيباً، طالما لها مريدون، وتحوى معانى تصلح المجتمع، ولن أهادن أحداً ومستعد لأى مواجهة طالما أنى أكتب عن ناس مضرورين مهمومين، وحكومات غير واعية بمصالح الناس.