بعض الصحف الخاصة وقعت فى مطب خلال الأيام الماضية. نشرت أخبارا عن حل مجلس الشعب. توسعت فى النشر لدرجة أن صحفا أخرى تبعتها فى النشر حتى صار الأمر وكأنه حقيقة. شهوة الانفراد دفعت صحيفة وراء الأخرى للنشر حتى لا يفوتها السبق الصحفى. بعد الاستمرار فى النشر لأيام وربما أسابيع خرج كبار المسؤولين البرلمانيين ينفون حل المجلس. بل جاءت تصريحات الدكتور فتحى سرور رئيس مجلس الشعب قاطعة بأن لا حل لمجلس الشعب. هذا الأمر يثير مسألة الشهوة الصحفية فى النشر والانفراد وتحقيق السبق. بعض الصحف الجديدة سيطرت عليها هذه الشهوة فاخترعت حكاية حل المجلس. الطريف أن صحيفة خاصة أسبوعية كانت قد نفخت فى نار شائعة حل المجلس، بينما الحقيقة أن رئيس التحرير بهذه الجريدة كان يعلم بحكم قربه من الدوائر البرلمانية أن لا حل للمجلس. ربما يكون رئيس التحرير متعاونا مع أحدهم لعمل بالون اختبار بهذه الشائعة ولكنه كان حريصا على تضخيم الشائعة فى الوقت الذى كان هو نفسه متأكداً أن لا حل للمجلس. بعد قليل أرادت الصحيفة الخاصة أن تبرر: لماذا يحل مجلس الشعب، فنشرت خبرا آخر عن تبكير عقد المؤتمر السنوى للحزب الوطنى لكى يختار مرشحه لمنصب رئيس الجمهورية حيث سيعجل بإجراء انتخابات الرئاسة من أجل تنصيب جمال مبارك رئيسا للجمهورية . وتدخل صفوت الشريف أمين عام الحزب الوطنى لوأد الشائعة فى محلها على الهواء مباشرة، واضطرت الصحيفة لنشر التكذيب الذى حرص الشريف على الرد به على الشائعة فورا، لكن صحفا أخرى لا تجد ما تنشره كانت قد اندفعت فى غى النشر وتناثرت الشائعة فى كل مكان. بالطبع من حق أى صحيفة أن تنشر ما تشاء، لكن من حق القارئ عليها أن تنشر ما هو حقيقى، ومن حق القارئ أن يحدد موقفه منها بعد ذلك بناء على مصداقيتها، فإذا عرف عن الصحيفة وهى جديدة أنها تفبرك الأخبار، فهذا ليس فى مصلحتها، لأنه سينظر لأى خبر تنشره بعد ذلك على أنه «مضروب»، أو مفبرك، أى مصنوع وليس حقيقيا. كانت الصحيفة غير موفقة فى نشرها لأنه عرف عن الرئيس مبارك أنه ليس من أنصار التغييرات الفجائية وأنه لا يتبع أسلوب الصدمات، وعرف عنه أنه لا يتخذ خطوة أو قرارا إلا بناء على حيثيات مهمة وبناء على دراسات. ولو سألنا ما مبررات حل مجلس الشعب، لما وجدنا إجابة، ولو سألنا ما مبررات التبكير بعقد مؤتمر الحزب الوطنى هذا العام، لما وجدنا مبررا له، ولكن المبرر الوحيد لنشر هذا الخبر فى الجريدة، هو تبرير حل مجلس الشعب. فعندما تساءل القراء، لماذا يحل المجلس؟ اضطرت الجريدة لنشر الخبر الجديد، وفى هذا الإطار تحدثت عما يسمى التوريث والإسراع به، بينما الرئيس مبارك تجاوز أحزانه ويمارس عمله بكل نشاط، فلم يكن من الملائم أن تتحدث الصحيفة عن نقل السلطة بطريقة ليست من طبع الرئيس مبارك وليست من سمات دولة مثل مصر بها مؤسسات راسخة تحمى الدستور وتحافظ على استقرار الدولة. وربما تساءل الرأى العام عن عدم رد المسؤولين بالبرلمان أو بالحزب الوطنى على الشائعات، لكن الحقيقة أن الشريف سارع بالرد على شائعة التبكير بعقد مؤتمر الحزب فور صدورها وهو فى هذا يمارس مهام موقعه - على الهواء مباشرة - ولما وجد د. سرور أن الشائعة زادت على حدها قام بالرد القاطع على الشائعة. والملاحظ أن هاتين الشائعتين لم تجدا صدى فى الصحف القومية أو فى الصحف الخاصة الراسخة ك«المصرى اليوم»، وهذا ما جعل البعض يسأل: هل محررو هذه الصحيفة أكثر نفاذا من كل محررى الصحف الأخرى؟ هل لديهم علاقات سمحت لهم باختراق مكنونات الرئاسة وعلموا منها ما يدور فى الكواليس بينما كبار رجال الدولة لا يعرفون؟ لقد أثبتت الأيام أنها شائعات وإن كنت بحكم مهنتى لا أتمنى أن تكذب جريدة، ولكنى أيضا لم أتمن أن يحل مجلس الشعب أو يبكر بموعد مؤتمر الحزب الوطنى، فرسوخ التقاليد أمر مهم نتمنى دوامه فى مصر فهذا يؤكد العراقة ويؤكد دور المؤسسات.