«الصحة»: 8 آلاف و481 من المهن الطبية استوفوا شروط الدراسات العليا للعام الدراسي 2023-2024    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج إنتاج وتكنولوجيا القطن بزراعة سابا باشا جامعة الإسكندرية    عيار 21 الآن بالمصنعية بعد آخر ارتفاع.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 18 يونيو 2024 بالصاغة    سعر متر التصالح في مخالفات البناء بالمدن والقرى 2024    عودة الاقتصاد المصرى إلى مسار أكثر استقرارا فى عدد اليوم السابع غدا    الصحة العالمية: موسم الأمطار فى السودان سيزيد من مشكلة الرعاية الصحية    وزير الخارجية الأمريكية: نعمل على انضمام أوكرانيا لحلف الناتو    زلزال فى إيران يودى بحياة 4 أشخاص ويتسبب فى إصابة 120 آخرين    شاهد أول هدف في تاريخ منتخب جورجيا ببطولة اليورو    شادي حسين يقود زد للتقدم على فاركو 1 / 0 في الشوط الأول    قبل غلق باب التسجل.. رابط تقديم رياض أطفال بالمدارس التجريبية والحكومية 2024    إنتشال جثة شاب غرق في مياه النيل بأسوان    "النار مسكت في العنابر".. نفوق 9 آلاف كتكوت داخل مزرعة بالواحات    شيرين عبد الوهاب تلغي حفلها في دبي بسبب سفرها في رحلة استشفائية    سامح حسين عن مسرحية عامل قلق : أعلى إيرادات إفتتاحية فى تاريخ مسرح الدولة    العشرات يتظاهرون أمام الكنيست الإسرائيلي للمطالبة بانتخابات جديدة في البلاد    «دعم اجتماعي ومبادرات خيرية» كيف غيّرت قصة بائع غزل البنات من حياته؟    إسماعيل فرغلي يكشف عن تفاصيل إصابته بالسرطان    توجيه من عميد طب القاهرة لمديري مستشفيات قصر العيني خلال العيد    وكيل صحة الشرقية يتفقد الخدمات الطبية بمستشفى أبو حماد المركزي    في ثالث أيام العيد.. حملة مكبرة على حمامات السباحة في دمياط    مقررة فرع القومي للمرأة تهنئ محافظ المنيا بعيد الأضحى    تامر عبدالمنعم يقدم روائع الثمانينات والتسعينات في نوستالجيا 90/80 على مسرح السامر    خروجة عيد الأضحى.. المتحف المصري بالقاهرة يواصل استقبال زواره    "تخاذل من التحكيم".. نبيل الحلفاوي يعلق على أزمة ركلة جزاء الزمالك أمام المصري    الهلال يربط مصير جناحه البرازيلي بشفاء نيمار    «البيئة» توضح تفاصيل العثور على حوت نافق بالساحل الشمالي    شرطة الاحتلال تفض مظاهرة معارضة للحكومة بعد إغلاق أحد شوارع القدس الغربية    «الصحة» تقدم نصائح لتجنب زيادة الوزن في عطلة عيد الأضحى    هل يؤاخذ الإنسان على الأفكار والهواجس السلبية التي تخطر بباله؟    كيف تتجنب سحب البطاقة الائتمانية في ماكينة الصراف الآلي؟    مجدي يعقوب يشيد بمشروع التأمين الصحي الشامل ويوجه رسالة للرئيس السيسي    بعد انتشار ظاهرة قطع الأشجار.. تحرك برلماني عاجل لوقف وحظر تصدير الفحم    محافظ الجيزة يعتمد المخطط التفصيلي للمنطقة الصناعية بعرب أبو ساعد بمركز الصف    تفاصيل جديدة في واقعة وفاة الطيار المصري حسن عدس خلال رحلة للسعودية    شد الحبل وكراسى موسيقية وبالونات.. مراكز شباب الأقصر تبهج الأطفال فى العيد.. صور    تنسيق الأزهر 2025.. ما هي الكليات التي يتطلب الالتحاق بها عقد اختبارات قدرات؟    الجثمان مفقود.. غرق شاب في مياه البحر بالكيلو 21 بالإسكندرية    خبير سياحي: الدولة وفرت الخدمات بالمحميات الطبيعية استعدادا لاستقبال الزوار    مقتل 7 على الأقل وفقدان 20 شخصا جراء انهيارات أرضية بالإكوادور    ميدو بعد أحداث الزمالك والمصري: الحكام بينفذوا أجندة.. والإرهاب هو اللي بيمشي    دعاء الخروج من مكة والتوجه إلى منى.. «اللهم إياك أرجو ولك أدعو»    يورو 2024، التشكيل المتوقع لمباراة البرتغال والتشيك    احذر الحبس 10 سنوات.. عقوبة تزوير المستندات للحصول على بطاقة الخدمات المتكاملة لذوي الإعاقة    دار الإفتاء: ترك مخلفات الذبح في الشوارع حرام شرعًا    طريقة تحضير كبسة اللحم بالأرز البسمتي    دعاء ثالث أيام عيد الأضحى.. اللهم إني أسألك إيمانا دائما وعلما نافعا    طرق حجز تذاكر قطارات السكة الحديد.. وأنت في بيتك احجز تذكرتك    انقطاع الكهرباء عن قرى جنوبية في لبنان جراء قصف إسرائيلي    "سويلم" يوجه باتخاذ الإجراءات اللازمة للاطمئنان على حالة الري خلال عيد الأضحى    جانتس لمبعوث بايدن: سندعم أي تحرك فعال لإزالة تهديد حزب الله    هل يجوز للزوجة المشاركة في ثمن الأضحية؟ دار الإفتاء تحسم الأمر    عبد الله غلوش: «إفيهات» الزعيم عادل إمام لا تفقد جاذبيتها رغم مرور الزمن    مدرب بلجيكا: لم نقصر ضد سلوفاكيا ولو سجلنا لاختلف الحديث تماما    تعرف على حكام مباراة الاتحاد والأهلي    مصرع شخص وإصابة 5 فى حادث تصادم بالدقهلية    البطريرك يزور كاتدرائية السيّدة العذراء في مدينة ستراسبورغ – فرنسا    «حضر اغتيال السادات».. إسماعيل فرغلي يكشف تفاصيل جديدة عن حياته الخاصة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مأساة التطور العكسى

رغم مرورى بفترة المراهقة فى عز أيام أمجاد مايكل جاكسون، لم أكن من المعجبين به، لانه كان فى نظرى يجسد تيار الموسيقى ال «بوب» الشعبوية السطحية، كما كنت- وما زلت لحد ما- أعتبرها، وكنت أفضل آنذاك موسيقى أمثال «بوب ديلان» و«بينك فلويد». مع ذلك، فى السنين الاخيرة، زاد اهتمامى بشخصية جاكسون، ذلك لكونها ظاهرة كونية، عبرت القارات والثقافات ووصلت لمئات الملايين فى كل اركان العالم، ولأنى أعتقد أن فى ذلك مادة غنية للتأمل، خصوصا على ضوء النهاية المأساوية لهذه الشخصية الاسطورية.
مايكل جاكسون ظاهرة ترتبط عضويا بعصر يصنع فيه الإعلام العالمى نسخة بديلة للواقع، تختلط فيها أحيانا الحقيقة الملموسة بالخيال المصطنع. فى هذا السياق، عشق مئات الملايين من البشر شخصية تصوروا أنهم يعرفونها جيدا، بدت مرحة وملهمة، ليكتشفوا تدريجيا أنها تمثل شيئا تراجيديا غامضا وكئيبا، نفذت الروح منه فى النهاية تاركة جسدا رهيفا ومريضا، يقال إنه كان مشبعا بالعقاقير المسكنة ومشوها بمنظومة هائلة من عمليات ال «تجميل»، التى حاول من خلالها الهروب والتحول، ليكتشف بعد ذلك انه لا يستطيع التعايش مع الهوية المركبة التى نتجت، أو إقناع الناس بها- فمايكل جاكسون فشل فيما نجح فيه شخص مثل «أوباما»، الذى أثبت أن العالم الحديث يتقبل الهوية المركبة والتاريخ المختلف، بشرط اقتناع حاملهما بهما اولا.
فى مأساة مايكل جاكسون الكثير من الشبه بالتراجيديا الكلاسيكية، كما عرفها اليونانيون القدامى: فى الفجوة بين هوية شخصية البطل الاسطورى والآمال الخلاصية التى يضعها الناس فيه، ثم الانقلاب الذى يحدث مرحليا عليه، وتحوله من المخلص المنتظر إلى شىء نجس ممسوخ ومنبوذ، ثم أخيرا فى الشفقة تجاهه بعد سقوطه والإعجاب به فيما بعد.. الصورة التى فى ذهنى تعبر عنها بالأخص قصة «أوديب»، كما رواها «سوفكلس».
قصة البطل الذى جسد آمال الناس، ثم تبين فى النهاية أن تاريخه، الذى حاول بائسا الهروب منه، ملوث ومصدر للشؤم على مدينته (فى نهاية مسرحية سوفكلس الاشهر يوخز أوديب عينيه عقابا لنفسه فى مشد مثير للشفقة، لكنه فى مسرحية تالية يظهر فى صورة مثيرة للاعجاب).
فى الاسطورة اليونانية، تمثلت مصادر نجاسة أوديب فى تناقض أفعاله الفج مع نمط الطبيعة البشرية، لانه قتل والده وعاشر أمه. مايكل جاكسون لم يقتل والده، لكنه ظل فى صراع «أوديبى» معه منذ الصغر، واتهمه فيما بعد بتعذيبه نفسيا وبضربه بوحشية. ولم يعاشر امه، لكنه كان هدفا لعدة اتهامات بأنه دنس أجساد الاطفال..
 فى هذا الإطار فإن أساس مأساته تجسد فى تطور تكوينى معاكس ممسوخ، لانه عاش طفولته كرجل كبير منذ سن صغيرة، فى ظل الشهرة والهيبة التى اندفع إليها مبكرا تحت ضغط والده القاهر، ثم مات كطفل كاهل ممسوخ ومشوه، استضاف (باعترافه) الاطفال لقضاء الليالى فى بيته بمنتجع الملاهى الذى شيده قرب مدينة لوس أنجلو س.
مأساة مايكل جاكسون إذن تتمثل فى انه عاش تطور الزمن بطريقة عكسية ولم يستطع التعامل مع تناقضات هذا التحول، لانه ولد عجوزا ومات طفلا معذبا، فصار فى البداية رمزا للشباب والنشاط والإنتاج قبل أن يمثل طفلا مريضا ومرهقا لا تتخلله البراءة، او ان ينتهى كجثة دمرت نفسها، حاولت بائسة التخلص من ماضيها وهويتها لكنها عجزت فى التعامل والتعايش مع واقعها الجديد.. لكن رغم كل ذلك، بقيت روحها فى رقصات جموع المقدسين، التى خرجت للشوارع فى جميع انحاء العالم لتقديم التحية الأخيرة لبطلها التراجيدى.
بينما اقتصرت تداعيات قصة أوديب على مدينته، عاش العالم كله مأساة جاكسون، لان العالم كله صار يشبه المدينة- اوال بوليس- اليونانية القديمة، فى طبيعة تنقل المعلومة فيه بطريقة مفتوحة، تسهل التفاعل والمشاركة العامة مع الحدث، من الثورات العابرة للقارات إلى مآسى الابطال التى صنعتها ظاهرة توغل وانتشار الصورة والصوت والكلمة خلاله..
 وهناك عامل آخر مهم: اقتصر تأثير قصة مأساة أوديب فى زمنها على اليونانيين- رغم تأثيرها الهائل على الفكر الإنسانى العالمى فيما بعد- وأيضا لأن سكان اثينا واتيكا، حيث ولدت وعرضت التراجيديا اليونانية، لم يتقبلوا فكرة تلاحم الحضارات والثقافات، أو وجود الجنسيات الاخرى بينهم، بل كانوا يعتقدون أن فى هذا النوع من الاختلاط مع الآخر خطرا على حضارتهم، المتفوقة على الكل فى نظرهم.
أما أول مدينة احتفت بهذا النوع من التعددية، الناتج عن التلاحم والتلاقى والتبادل الثقافى، فكانت مدينة الاسكندرية. لكن للاسف، منذ ذلك الحين تعيش تلك المدينة- باستثناء فتره قصيرة فى نهاية القرن التاسع عشر والنصف الاول من القرن الماضى- مأساة التطور العكسى، فصارت تستضيف مجتمعا مغلقا ومتعصبا، بينما تحولت مدن العالم الحديث المماثلة لاماكن منفتحة ومتعددة الثقافات والجنسيات.. وربما (من هذه الناحية فقط بالطبع) هناك شىء من الشبه فى تاريخ الاسكندرية، وتاريخ مصر عامة، بمسار مايكل جاكسون التراجيدى..
فبلادنا كانت ايضا كبيرة وعظيمة فى الصغر، لكنها صارت تعيش مراحل الشيخوخة الطفولية وفقدان الاتجاه والحيوية، تحت تأثير عمليات تغيير اللون والهوية المتكررة، التى عجزت فى التعامل مع تداعياتها، فتعاطت المسكنات المتمثلة فى محاولات فرض التجانس الثقافى والتدين السطحى الطفولى المصطنع، ونبذت العلاج الامثل، المتمثل فى قبول هويتها المركبة والفخر بتراثها التعددى، فى زمن احتفى فيه العالم الحديث أجمع بروح الماضى المتسامح لتلك الجثة المريضة التراجيدية المرهقة.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.