من يقرأ معظم تعليقات الصحف الحكومية على نتائج الانتخابات النيابية فى لبنان، يتخيل أن الذى انتصر فيها الحزب الوطنى الحاكم، ويمثله فيها وينوب عنه فريق الرابع عشر من مارس بزعامة سعد الحريرى، رئيس تيار المستقبل، ووليد جنبلاط، رئيس اللقاء الديمقراطى الدرزى، والكتائب بزعامة أمين الجميل، والقوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع والمارونيين وغيرهم من القوى على سوريا وإيران، ومثلهما وناب عنهما فى الانتخابات حزب الله بزعامة حسن نصر الله وحركة أمل بزعامة نبيه برى، وهما شيعيان، والتيار الوطنى الحر بزعامة ميشيل عون، وهو يمثل الكتلة الأكبر من المارونيين ومعه سليمان فرنجية المارونى زعيم المردة، وشيوعيون وناصريون وغيرهم، ولم يكن ينقص هؤلاء المعلقين من شدة فرحتهم الادعاء بالانتصار على فريق المحظورة اللبنانى. ولا يملك المرء إلا الأسى على ما آلت إليه أوضاع بلادنا ومكانتها فى المنطقة، بأن تصل إلى الدخول طرفاً فى صراعات داخلية متحركة ومتغيرة ومتقلبة فى بلد مثل لبنان لمناصرة طرف ضد آخر دون أن تكون لنا مصلحة معه، أو تأثير عليه لمجرد إغاظة سوريا أو إيران، وكانت النتيجة أننا خسرنا فعلاً كتلة شعبية كبيرة هم الشيعة فى لبنان ومعهم فرق أخرى من السنة والمسيحيين، بينما خصومهم الآخرون من السنة والدروز والمسيحيين مصالحهم الرئيسية والدعم القادم لهم من السعودية وفرنسا وأمريكا وبريطانيا. وما كل زيارات المسؤولين اللبنانيين لنا إلا من باب النكاية فى سوريا وحزب الله، وكوننا تبرعنا بمحولات كهربائية ومحطة لن تؤسس لنا نفوذاً ذا بال، فهؤلاء السياسيون يعرفون أن مصيرهم التعاون مع حزب الله وسوريا، وأن أمريكا والاتحاد الأوروبى لن يسمحا لهم بأن تتحكم خصوماتهم السياسية فى تحديد مدى انفتاحهما على إيران وسوريا وحزب الله. أى أننا باختصار خارج اللعبة، وقد بدأت فعلاً باللقاء الذى تم بين حسن نصر الله ووليد جنبلاط، وبدأ وليد فى الإعلان عن خلافات له مع حلفائه، وكان صريحاً فى التعبير عنه فى المقابلة التى أجراها معه التليفزيون المصرى، وقام بها بكفاءة وحيوية وصراحة رئيس قطاع الأخبار زميلنا وصديقنا عبداللطيف المناوى، وسيتبعه سعد الحريرى، لأن مصلحة بلدهم هى الأولى، بينما كان الأولى بنا الإشادة بالعملية الديمقراطية حيث لم يشك أى طرف من تزوير وتقفيل صناديق واستخدام البلطجية رغم وجود الميليشيات المسلحة باستثناء اتهامات من ميشيل عون للبطريرك نصر الله صفير بالتدخل المعنوى. لكن كل هذا كوم وردود الأفعال على الانتخابات الإيرانية كوم آخر، كما يقولون، ذلك أن وسائل الإعلام الرسمية تصرفت وكأن مرشح الرئاسة مير حسين موسوى مرشح الحزب الوطنى، وتم تزوير النتيجة ضده ليفوز خصمه محمود أحمدى نجاد، ووصل الأمر إلى مستوى غير معقول أو مقبول عندما قامت جريدة «الأهرام» فى عددها يوم الخميس الماضى بكتابة تعليق تعبر به عن موقفها -وهو موقف النظام بطريقة غير مباشرة- كما تظن، عندما طالبت أمريكا والدول الأوروبية بالتدخل عندما قالت بالنص: «يقف المجتمع الدولى حائراً بشأن الموقف الذى يتعين اتخاذه إزاء هذا الغليان الديمقراطى فى بلد يقف على أعتاب امتلاك قدرات نووية غير مرحب بها من كل الأطراف الدولية والإقليمية، هذا الحذر الذى يتسم به موقف الأطراف الدولية الفاعلة من التجاوزات التى تحدث الآن فى الشارع الإيرانى التى وصلت إلى إزهاق الأرواح ربما يقدم رسالة خاطئة للقوى الحاكمة هناك مفادها الرغبة الشديدة فى التوصل إلى حل سياسى لأزمة الملف النووى الإيرانى، وتجنب الصدام مع المرجعيات الإيرانية هو هدف يتجاوز أى اعتبارات أخرى حتى لو كانت الانتصار للمبادئ الدولية وحقوق الإنسان وحث الحكومة على وقف نزيف العنف والدم والاستماع إلى وجهات نظر المعارضة. صحيح أن الرئيس أوباما وقادة بريطانيا وألمانيا وفرنسا بالتحديد بدأوا بعد التعليق بالتنديد بالإجراءات التى يتم اتخاذها لمنع المظاهرات والتضييق على وسائل الإعلام، ولا أعرف إن كانوا فعلوا ذلك استجابة له أم لا، لكن ما لم ينتبه إليه النظام أو الجناح الذى له هذا التوجه ودفع لهذا التعليق والتحريض، أنه فى العام القادم ستتم انتخابات مجلس الشعب. وفى العام الذى يليه انتخابات رئاسة الجمهورية، التى سيتقدم إليها أكثر من مرشح، فما الذى سيفعله النظام، أو هذا الجناح داخله، إذا اتهمت أحزاب المعارضة النظام بتزويرها واستخدام البلطجية، وطالبت أمريكا والاتحاد الأوروبى بالتدخل، وكيف سيواجهها لو أنزلت مظاهرات فى الشوارع احتجاجاً على التزوير، وبماذا سيرد النظام على أوباما لو هاجمه مثلما هاجم النظام الإيرانى؟! صحيح كيف سيتصرف مع القوى الدولية مادام يطالبها ويحرضها على التدخل فى الشؤون الداخلية لإيران لو فعلت ذلك معه؟! فى الحقيقة أنا لا أعرف كيف يتم الآن تحديد سياستنا الخارجية ورسم ملامحها وما الجهات المشاركة فيها، سواء كانت رسمية أو فى الحزب الوطنى أو خبراء ومراكز أبحاث يتم الاستعانة بهم حتى يمكن تتبع انتماءات ومصالح هذه الجهات ومدى تأثيراتها على توصياتها واقتراحاتها، وهل تعبر عن مصالح عليا للبلاد، أم عن غيرها، ذلك أن الحالات الإعلامية تلك لا يمكن أن تكون تعبيراً عن آراء المشاركين فيها فقط، صحيح أن هناك قدراً يتزايد فى حرية التعبير داخل الصحف الحكومية. بدليل أن بعض زملائنا ناصروا أحمدى نجاد مثل زميلنا ب«الأخبار» محمد محمدين، وهناك من اتهم الإخوان المسلمين بدعمه مثل زميلنا وصديقنا ب«الأهرام» أحمد موسى، وهما لا يمكن حسابهما على المعارضة، لكن ذلك لا ينفى رؤية الحملات الموجهة فعلاً، فمن كان وراء تحريض «الأهرام» لأمريكا وأوروبا على التدخل؟!