وسط أجواء من الجدية فى التحرك الدولى من أجل السلام فى المنطقة، والجولات الماراثونية للمبعوث الأمريكى إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل والمنسق الأعلى للشؤون الخارجية والأمنية فى الاتحاد الأوروبى خافيير سولانا، اضطر رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو للبحث عن مهرب يؤجل فيه على الأقل المواجهة بينه وبين حليفه الأكبر الولاياتالمتحدةالأمريكية. ويبقى الأصل فى خطاب نتنياهو الذى تضمن رؤيته للسلام أن صاحب الخطاب لا يبحث عن السلام، ولا يبحث عن قواسم مشتركة يمكن أن تلبى تطلعات المجتمع الدولى التى يبحث عنها الفلسطينيون، فجاء خطابه النارى متمسكاً بمواقفه المتشددة التى تهدد عملية السلام برمتها، ورمى فيه نتنياهو الكرة فى الملعب الفلسطينى. حاول نتنياهو من خلال خطابه إرضاء باراك أوباما، الرئيس الأمريكى، المتشدد فيما يخص السلام، وكذلك وزير الخارجية الإسرائيلى إيهود باراك فى آن معاً، وإحداث نوع من التوازنات بين هذا الإرضاء، وإرضاء حزب «إسرائيل بيتنا» والأحزاب الدينية الأخرى التى تتوافق مع الاستيطان والمستوطنين، واحتاج ذلك كله، إلى لغة دقيقة وصعبة وإلى قدرات عالية فى استخدام لغة المناورة والالتفاف وتسويف الأمور، واستخدام المصطلحات التى تحتمل أكثر من معنى ووجه. ورغم الترحيب الأمريكى المبدئى بالخطاب واعتباره خطوة إلى الأمام، فإن السلطة الفلسطينية اعتبرته نسفاً لكل مبادرات السلام والحل فى المنطقة، بل صفعة لرؤية الرئيس الأمريكى، إذ يريد نتنياهو أن تكون دولة فلسطين «محمية إسرائيلية»، وكأنه يريد من الفلسطينيين أن ينضموا للحركة الصهيونية، كما أن نتنياهو يفرض مسبقاً حلاً ليس فيه حقوق اللاجئين ولا القدس عاصمة دولة فلسطين، ولا أى مظهر سيادة للدولة الفلسطينية التى أفرغها من محتواها لأنه لا يريد وقف الاستيطان. وكان واضحاً تماماً أن نتنياهو يناور بهدف كسب المزيد من الوقت ريثما يتمكن من خلق وقائع تصرف الأنظار والجهود نحو مسائل أخرى، فبحث عن توليفة معقدة ومتداخلة من القضايا والشروط التى تستهدف إلقاء الكرة فى ملعب الفلسطينيين، وتستدعى جولات وجولات لتفسير أبعادها، بما يصرف الأنظار والجدل نحو قضايا أخرى. غير أن المواقف الأمريكية فى هذا الإطار أحدثت حراكاً دولياً، خصوصاً على الصعيد الأوروبى، فهناك مشاورات دائرة بين واشنطن وعدد من العواصم الأوروبية والعربية فى موضوع السلام لدراسة ما يمكن اتخاذه من تدابير عملية فى موضوع الاستيطان بالذات، ويحمل إسرائيل على وقفه، ومن هنا ربما يضطر نتنياهو إلى أن يجد الطريق لمقابلة هذه الاستحقاقات التى يزداد ثقلها على إسرائيل، ولا تجد تعاطفاً من قبل الولاياتالمتحدة، ويفترض من الفلسطينيين والعرب تصعيد ضغوطهم على إسرائيل بفتح ملفات جرائم الحرب التى ارتكبتها فى غزة، بالإضافة إلى إنهاء ملف الانقسام الداخلى لمجابهة الاستحقاقات التى تطرحها التحركات الدولية، والسياسات الإسرائيلية.