من أهم صفات العلم قابليته للتكذيب، فعندما أقول إن الأرض فيها بترول فهذا علم من الممكن تكذيبه فى الواقع، أما عندما أقول: هذه الأرض أهيم بها عشقاً، فهذا ليس علماً لأننى لا أستطيع تكذيبه، وعندما فشلت نظريات نيوتن فى تفسير كل السرعات من الأجرام حتى الإلكترون خرجت نظرية أينشتين، والآن توجه سهام النقد والتكذيب لأينشتين لكى نخرج بنظرية أخرى، فهل يرضى أصحاب نظرية الإعجاز العلمى بأن يصبح الدين قابلاً للتكذيب؟! نادينا مراراً وتكراراً بعدم جرّ الدين المطلق إلى ساحة العلم النسبى، ونبهنا إلى أن ما يحدث فيه خطر على الدين والعلم على السواء، ولكن تفرغ البعض للهجوم والتكفير والبحث فى النوايا وإعلان أننا أجدع ناس، ولم يخرج واحد من هؤلاء المتاجرين بالإعجاز بنظرية علمية قبل الغرب من باطن الآيات بل انتظروا جميعاً حتى يخترع الغرب ويكتشف ثم يخرجوا علينا ويعلنوا أنها بضاعتنا ردت إلينا!، والمصيبة أن تجارة الإعجاز العلمى انقلبت إلى فتنة طائفية، فمادام عند المسلمين زغلول النجار فالأقباط عندهم صموئيل العشاى!، وماحدش أحسن من حد، وها هى الرؤوس قد تساوت، ولكنها للأسف تساوت فى الأوهام والخرافات والأساطير. خرج علينا صموئيل العشاى بكتابه «الإعجاز العلمى فى الكتاب المقدس»، الذى يعدد ويحصى فيه بشكل طائفى صريح أهم الشخصيات المسيحية المصرية، وكأن أهمية الشخص تنبع من دينه لا من عمله وجهده، ويصنف العلماء على أساس أديانهم وكأن العالم عندما يخترع فى معمله يبرز لافتة انتمائه الدينى، ويتجاهل أن العلم لم ينطلق إلا عندما تحرر من سطوة الكهنوت، وقصة صراع جاليليو مع الكنيسة معروفة للجميع، وللأسف خضع مؤلف الكتاب لنفس منهج د. زغلول النجار فى لى عنق النصوص الدينية وافتعال الإعجاز العلمى وإلصاقه عنوة بآيات الإنجيل، وإلا فليفسر لى ما العلاقة بين آية «أودية مرعبة وثقب التراب» بالثقوب السوداء التى يفجرها المؤلف على أنها كشف عبقرى؟!، وأين سيرة ثقب الأوزون فى آية «تكون مخاوف وعلامات عظيمة من السماء»!، وكيف استخلص المؤلف سرعات أعاصير F1 بأنها 170 كم فى الساعة من خلال آية «من الجنوب يأتى الإعصار، ومن الشمال البرد»! احترام الكتب المقدسة ينبع من احترام وظيفتها ككتب هداية وإرشاد وقيم روحية عامة، ولا ينتقص من أى كتاب مقدس عدم خوضه فى الحديث عن نظريات علمية، فلا ينتقص من قدسية القرآن ألا يتحدث عن طريقة استنساخ النعجة دوللى، ولا ينتقص من الإنجيل أنه لم يذكر معادلة أينشتين أو تركيب الترانزستور، والعقائد الدينية ليست فى حاجة إلى كتالوج إعجاز علمى حتى نقتنع بها، ومحاولة دعم المؤمن وتثبيت إيمانه من خلال الإعجاز العلمى محاولة محفوفة بالمخاطر، وأكبر دليل قصة «ويعلم ما فى الأرحام» التى كان إعجازها قديماً فى كل التفاسير فى تحدى قدرة البشر على معرفة جنس الجنين، وبعد أن توصل العلم إلى تحديد جنس الجنين بالسونار وتحليل السائل الأمنيوسى، ظهر المطب واتضحت حقيقة الفخ الذى وضعنا فيه أنفسنا بأيدينا ودون أن يطلب الدين منا ذلك، فخرجنا من المطب بتفسير مريح وهو أن المقصود ليس جنس الجنين بل مستقبله. انقذوا الدين من بيزنس الإعجاز العلمى.