طيب، طالما أعجبتك لعبة ماذا لو التى لعبناها بالأمس عن مفاجآت زيارة الرئيس الأمريكى أوباما إلى القاهرة، ما رأيك لو قلبنا اللعبة جد، وسألنا: ماذا يحدث لو قررنا اليوم أن نتأسى بالرئيس الفنزويلى شافيز، ليس فى معارضته لأمريكا لا سمح الله، بل فى تلك الحركة المبهرة التى قام بها خلال قمة رؤساء أمريكا اللاتينية عندما توجه إلى أوباما حاملاً فى يده كتابًا أهداه لأوباما وسط ذهول الجميع. مافيهاش حاجة أن نقلد الرجل، فقد قلدنا هو عندما أدخل تعديلات دستورية تسمح له بالبقاء طويلاً على كرسى الحكم، ورغم أن غالبية شعبه وافقته على ذلك- فى استفتاء بالتاء وليس استفتاء بالسين- من بتوعنا، إلا أنه اكتسب كراهيتى من لحظتها وشعرت أنه نسخة حنجورية من زعمائنا العرب لن تجلب خيرًا لفنزويلا ولا للعالم، حتى إننى عاتبت أصدقاءنا الذين زاروا سفارة فنزويلا إبان العدوان الإسرائيلى الهمجى على أطفال غزة، وقلت لهم إن آخر من نحتاج إلى دعمه مهووس مثل شافيز، فلم يضيعنا إلا هروبنا من كراهية حكام التنازلات إلى عشق حكام الميكروفونات، لكننى- ولا أخفيك- نسيت كل هذه المشاعر السلبية التى كنت أكنها لشافيز فور أن عرفت أنه اختار بمنتهى الذكاء أن يهدى لأوباما كتاب «الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية» لأحد كتابى المفضلين الكاتب الأورجوائى العظيم إدواردو جاليانو. عرفت إدواردو جاليانو قبل عشر سنوات من كتاب ساحر اسمه «كرة القدم بين الشمس والظل» جذبنى لقراءته وجود اسم المترجم العظيم صالح علمانى عليه، والذى أنصحك ألا تترك كتابًا عليه اسمه إلا واشتريته دون أن تسأل حتى عن موضوع الكتاب أو مؤلفه وصدقنى لن تندم، وقتها لم أكن أعرف أن جاليانو مثقف عظيم كتب فى الرياضة من باب المزاج، التهمت الكتاب وأنا مسحور بكتابة جاليانو وقدرته على تكثيف الحياة كلها من خلال كتابته عن كرة القدم، لم أتمكن من تحديد ما قرأته، هل هو رواية فذة أم موسوعة رياضية أم كتاب فلسفى أم دراسة سياسية، لأنه ببساطة كان كل ذلك، ككل كتبه التى لحُسن الحظ وجدت أن إخواننا السوريين نشروا أغلبها من ترجمة صالح علمانى وأسامة إسبر، واكتشفت أنه يكتب بطريقة خاصة تشبه كتب التراث العربى الشهيرة مثل الأغانى والأمالى والمستطرف، وهى الطريقة التى انقطعت عن كتابتنا العربية حتى أعاد الوصل بها عميد الأدب العربى طه حسين فى كتابه الجميل المظلوم (جنة الشوك)، ولم يفته تسجيل فخره بذلك فى مقدمة الكتاب، أشك أن يكون جاليانو قد قرأ كتاب طه حسين الذى لم يترجم، لكننى متأكد أنه قرأ بعض كتب التراث المترجمة لأنه يقتبس أحيانًا من بعضها، وهو من أشد كتاب العالم تعاطفًا مع القضية الفلسطينية ووقوفًا ضد الهيمنة الأمريكية، وكتابه الذى شهره شافيز يحكى قصة عربدة العم سام فى أمريكا اللاتينية، وقد أعجبنى فى شافيز حرصه على أن يهدى أوباما الكتاب فى نسخته الإسبانية مع أنه ترجم إلى الإنجليزية، وبالطبع احتل الكتاب فورًا المركز الثانى فى قوائم أعلى المبيعات فى العالم الذى يقرأ، بينما لم تفكر صحيفة مصرية فى عرض الكتاب رغم أنه مترجم إلى العربية من زمان على يد مترجم مصرى قدير هو أحمد حسان. شفت بقى، ها هى محبتى لجاليانو قد ألهتنى عن الإجابة على تخيل الكتاب الذى يمكن أن نهديه لأوباما، ربما لأن عقلى الباطن يعلم أننا شعب لا يقرأ يستحق قيادة لا تقرأ، لكن يعنى بما أننا نفترض، والافتراض ماحُرمش، عن نفسى سأهدى لأوباما كتابًا مصريًا صدر منذ عامين ولم ينتبه أحد له ولا لكاتبه الشاب الذى يكتب أفضل من عشرات الكُتاب المزقوقين على صحفنا، اسمه (الويلات المتحدةالأمريكية) للكاتب شادى عبد السلام الذى لم أتشرف بلقياه بعد، لكننى شرفت بمراسلته ومشاطرته إحباطه من ضيق زوجته بتكدس نسخ كتابه فى منزله، وعلمت أنه يعمل فى البورصة وغير متفرغ للكتابة لحُسن حظ زوجته، أعترف أننى لم أكن متحمسًا للكتاب فى البداية لأننى ظننته كتابًا حنجوريًا، لكن أسلوبه الساحر شدنى بدءًا من الكلمة التى اختارها ضهرًا لغلافه وحتى آخر سطر فى كتابه المُدهش الذى يحكى تاريخ الويلات التى سببتها أمريكا لشعوب الأرض قاطبة. قلت كل هذا بحماس شديد لصديقى الأتاتى الذى هرب من أبوأتاتة بعد ما كتبته نسبة إليه رغم أنى لم أذكر اسمه، فأسمعنى صوتًا حقيرًا، ثم استغفر وحمد الله لأن الأوان قد فات على أخذ المسؤولين باقتراحى المهبب، لأنهم كانوا أكيد سيهدون أوباما كتاب (قال فصدق) للكاتب الجاكوزى سمير رجب. * يستقبل الكاتب بلال فضل تعليقاتكم على مقالاته عبر بريده الإلكترونى الخاص. [email protected]