لكل منهن طابعها الخاص وتركيبتها المختلفة عن الأخريين.. ولكن تستمر علاقة الود والاحترام والثقة بين ثلاثتهن، وفى الوقت الذى يكون فيه مثل هذا الاختلاف سببا فى التباعد والخلافات الكبيرة، وربما يصل إلى قطع صلة الرحم، إلا أنه جعلهن فى حالتهن مع التربية الريفية أكثر تقاربا وترابطا «نسرين» هى الأكثر تحررا بين الشقيقات الثلاث، وطوال حياتها كانت الأقرب للأب الذى زرع بداخلها كيف تكون قوية فى مواجهة الجميع لكن دون إساءة لأحد. علمها كيف تفعل دائما ما تؤمن به بغض النظر عن وجهة نظر الآخرين، وكان دائما ما يؤكد لها حين تتساءل عن الحجاب أو الزى المفترض ارتداؤه: «المهم جواكى إيه مش مهم الشكل». كبرت لتكون تلك هى قناعاتها التى حرصت على أن تطبقها دون مواربة، حتى إذا ما اكتشفت لاحقا أنها أخطأت فلديها قوة الاعتراف بالخطأ.. والاعتذار. «ريهام» هى الأخت الوسطى والأكثر وسطية بينهن، فهى ترتدى الحجاب، وحريصة دائما على أناقتها بما لا يتعارض مع الحجاب الذى ترتديه، فلا ترتدى يوما شيئا أضيق مما ينبغى ولا واسعا لدرجة تجعله يبدو غير أنيق. كلتاهما تعشق القراءة، وعن ذلك تقول «ريهام»: «قرأنا الكتب والروايات نفسها، ابتداء من كلاسيكيات الشعر والأدب، مرورا بكتب التراث وتفسير القرآن، وحفظنا القرآن أيضا، وبينما أكملته حفظت نسرين ثلاثة أرباعه فقط». ورغم النشأة فى نفس البيت ولنفس الأب والأم، فإن الاختلاف كان واضحا منذ البداية. فالكبرى تحرص على أن تكون «القوة» هى المكون الأساسى لشخصيتها وأن تكون واضحة للجميع، وبالتالى تتجاهل كونها فتاة تماما حتى فى طريقة ملبسها، والوسطى قوتها «مستترة»، تتجمل وتشعر بأنوثتها كاملة وتحرص على أناقتها دون أن تكون ضعيفة. وفى المرحلة الإعدادية، قررت ريهام ارتداء الحجاب الذى كانت تخلعه أحيانا، فهى تعتقد أنه ليس الأساس لا دينيا ولا أخلاقيا، فالأهم طريقة التعامل مع الآخرين والصدق والأمانة. كان فى البداية ليس أكثر من شكل اجتماعى لتتواءم مع بقية زميلاتها فى المدرسة التى لا توجد بها فتيات غير محجبات سوى هى وأختها. ومع الوقت صارت أكثر اقتناعا بأهميته الدينية. وعلى النقيض من «نسرين» و«ريهام» كانت الصغرى «سميرة».. لا تحب القراءة مطلقا، ولم تحفظ من القرآن إلا جزءين، وظلت غير محجبة حتى مرحلة الثانوية التى قررت خلالها ارتداء الحجاب مثل غيرها من الفتيات. ولم يمثل الحجاب لها شيئا كبيرا فى تلك المرحلة، وكان مجرد جزء من شكل عام للزى فى بلدتها، ولم تكن لها القدرة على مواجهة الجميع دون حجاب كما كانت تفعل أختها الكبرى التى ظلت الوحيدة فى البلدة دون حجاب. وكانت «سميرة» الأكثر دلالا وحرصا على شكل ملابسها، فرغم الأناقة المميزة ل«ريهام»، إلا أنها كانت تتمتع ببساطة شديدة، ولم تحرص على أدق التفاصيل فى شكلها كما كانت تفعل سميرة التى كانت تحرص على كل صغيرة وكبيرة ابتداء من الألوان وتناسق الحذاء والحقيبة والحجاب والحزام وكل الإكسسوارات وفقا لأحدث صيحات الموضة. وفجأة قررت «سميرة» ارتداء النقاب مبررة ذلك بأنها تريد رؤية الجميع ولا ترغب فى أن يراها أحد، ورغم رفض الأسرة إلا أنهم لم يمنعوها من ذلك فهو قرارها أولا وأخيرا. وعن علاقة الشقيقات الثلاث، أكدت نسرين أنها بالطبع لم تعد كما كانت فى السابق لأن الحياة تأخذ الجميع، وأنه بعد الزواج والعمل والانشغال يبتعد الناس عن بعضهم البعض، وهو أمر طبيعى لا علاقة له بالاختلافات الشخصية. أما ريهام فتعجبت من السؤال، وأشارت إلى أن علاقة الأخوة لا يمكن أن تتأثر بالاختلافات، فالجميع مختلفون بشكل أو بآخر، مهما كانت طريقتهم فى اختيار ملابسهم، المهم هو الاحترام والحب اللذان لا يمكن أن ينتهيا بين الإخوة وأفراد العائلة، وهو نفس الشىء الذى أكدته سميرة. الغريب فى الأمر أن الشقيقات الثلاث لا يتحلين بالتسامح نفسه مع الآخرين . نسرين بطبعها ترفض النقاب رفضا قاطعا وتستاء حين ترى منتقبات، لا تنكر عليهن حقهن فى اتخاذ قراراتهن فى أى شىء ابتداء بالزى ومرورا بكل تفاصيل الحياة لكنها لا تحب التواجد بينهن، ولا تحب التعرف على منتقبات. وعن سبب ذلك تقول: «طريقة اختيار الزى مؤشر على تركيبة الشخصية، ففى الوقت الذى يشير فيه الحجاب إلى الالتزام، فالنقاب بالنسبة لى يعنى تشدداً وابتعاداً عن صحيح الدين الإسلامى وعن أهم مميزاته وهى الوسطية والاعتدال، وبالتالى ما الذى يجعلنى أقترب من فتيات أعتقد أنهن متشددات؟!». وحول اختلاف الوضع فى حالة أختها تقول: «ما يربطنى بأختى أكبر من ذلك فهو صلة الدم والعشرة الطويلة والبيت الواحد الذى تربينا فيه، والذكريات الكثيرة التى تجمعنا سويا. كل هذا يجعلنا جزءا من كل واحد هو العائلة.. نفرح سويا ونحزن سويا ولا يفرق بيننا شىء». أما ريهام فتعتقد أن المشكلة مع الآخرين هى عدم معرفتنا بهم وتتذكر موقفا حدث معها حين رفض والدها صداقتها بإحدى الفتيات لأنها كانت تبدو «مايصة»، ولكن مع إصرارها، قرر الأب الانتظار حتى يتعرف على تلك الصديقة الجديدة وبعد عدة زيارات لمنزلنا تأكد أنها ليست كما تبدو نهائيا فهى «دلوعة شوية»، لكنها فتاة جيدة. وبالتالى- كما تقول - كثيرا ما يكون الحكم الأول على الناس غير صحيح لكن ما الذى يجعلنا نقترب من أشخاص لا نعرفهم ونعتقد أنهم مختلفون عنا، طالما لا توجد علاقة جوار أو عمل أو قرابة؟ فهم بالنسبة لى أشخاص غير مهمين. وردا على السؤال نفسه، اعتبرت سميرة أن الزى جزء أساسى من الشخصية، ورغم أنها لا تخرج كثيرا ولا تتعامل مع الناس. لكن هذا لا يمنعها من الاستياء حين ترى نساء أو فتيات لا يرتدين زيا «إسلاميا»، بل تعتبرهم غير متدينات، وتدعو لهن ب«الهداية»، ولا ترغب فى التعرف عليهن.